الفوز والخسارة، من المفاهيم الملاصقة لحياة الإنسان، سواءً كان منفرداً أو بين جماعة معينة، وكذلك حال الجماعات والمجتمعات.
يحسب الفوز والخسارة بمقدار الكسب المادي صعوداً ونزولاً، ولكن ما الذي يكسبه من يضحي بنفسه، من أجل قضية ما، قد تتحقق أو لا تتحقق؟!
هل يوجد لدى الإنسان شئ أغلى من حياته؟
ما معنى المبادئ؟ والقيم، والحق، والباطل….إلخ؟
الأمرُ واضحٌ عند من يتبع الأديان، فالذي يضحي بنفسه، يطمح لنيل الأجر والثواب، في عالم آخر بعد الموت، في جنة عرضها السموات والأرض، ويطلقون على المضحي بنفسه إسم الشهيد.
لكن بم يعلل الدارس للموضوع خارج المنظومة الدينية، تضحية الإنسان بنفسه؟!
كتب كثير من المفكرين، وعلماء الأجتماع والنفس، في الأسباب التي من أجلها قد يضحي الإنسان بنفسه، ومن تلك الأسباب، التربية الأخلاقية التي تربى عليها الفرد في مجتمعه، فيكون في تنويم مغناطيسي بسبب تلك التربية، فيسير وفق ما ترسخ في ذهنه من أخلاقيات وقيم ومبادئ، أو حب الذات البدنية والممتلكات المفرط، حيث يعتقد الفرد بأنهُ لن يستطيع الإستمرار في الحياة بعد فقدان تلك الممتلكات، أو تصور أن لا معنى للحياة بدون شئ معين، فيلجأ الإنسان بالتضحية بنفسه دونه.
جُبلَ الإنسان على حب الذات، والبحث عن إشباع الرغبات، وما يشتهي من اللذات، يقول مارفو كولو:” ثق بنفسك، فكر لنفسك، إعمل لنفسك، تكلم لنفسك، وكن نفسك”؛ ويقول رالف ايمرسون:” كل الأخطاء التي إرتكبتها في حياتي نبعت من رغبتي في التخلي عن ذاتي، ومحاولاتي لأرى الأمور من خلال منظار غيري”؛ ومثل هذه المقولات صدرت عن كثير من المثقفين والكتاب، وحتى عامة الناس.
عزى بعض المفكرين سبب التضحية إلى الحب، هذا السر الذي ما زال يجهله أغلبنا، وتفلسف فيه الفلاسفة، وتعمق فيه المتصوفون والشعراء، أقول: يبقى الحب مجرد إحساس تجاه شئٍ ما، وفي أغلبه إحساس خاطئ، قد يتراجع عنه صاحبه أو يندم عليه، وهل الحب من معاني الإنسانية!؟ لا أراه كذلك، فكم من محبٍ قَتَلَ الآخرين في سبيل حبهِ المزعوم! فلو كان الحبُ مدعاةً للتضحية، لضحى المحبون ولم يتحولوا إلى قتله!؟ إن الحب مظهر من مظاهر الأنانية والغرق في حب الذات، وليس مظهراً من مظاهر الإنسانية، يقول البرت شفايتزر:” الإنسانية هي ألا يتم التضحية بإنسان في سبيل غاية”.
لذلك فأنا أعزو سبب التضحية إلى (الرحمة) ما سواها، قال تعالى(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ[الأعراف: 156])؛ إنما يضحي الشهيد بنفسه ليرحم الآخرين، ويقيهم بطش الأعداء، وتقول الآية بأن الرحمة وسعت كل شئ، لذلك يقول د.مصطفى محمود:” الرحمة أعمق من الحب وأصفى وأطهر، فيها الحب، وفيها التضحية، وفيها إنكار الذات، وفيها التسامح، وفيها العطف، وفيها العفو، وفيها الكرم؛ وكلنا قادرون على الحب بحكم الجبلة البشرية، وقليلٌ منا هم القادرون على الرحمة”.
قال الرسول:” حسينٌ مني وأنا من حسين” وقالت الآية” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ[الأنبياء: 107]”، فكانت تضحية الحسين هي الرحمة الكبرى، فكان هو وصحبه هم الفائزون.