تعرف داعش جيدا، ان الحرب مع العراق في جبهات القتال لوحدها لن تمكنها من تحقيق اهدافها او على الاقل الاستمرار بتلك الحرب، ما لم تفتح لها جبهة جديدة تبرر ما تقوم به، وتعطي بعدا اخر لممارساتها، جبهة تنقل للرأي العام العالمي واقعا مختلفا، يصور لنا ان داعش ما تقوم بالقتل والارهاب الا لحماية طائفة معينة من بطش الطائفة الاخرى، حرب داعش السياسية تحارب من اجل ترسيخ فكرة مفادها ان حربها العسكرية ما هي الا ردة فعل طبيعي للتهميش والابادة الجماعية واعطاء الناس حرياتهم وووو. في الجبهة العسكرية ثمة الجيش العراقي والمجموعات المسلحة التي تدعمه، تقاتل التنظيم بكل قوة واصرار وتحقق الانتصارات اليومية عليه. ولكن في الجبهة الاخرى، ليس ثمة مقاومة تذكر، فما تقوله الجماعات الموالية لداعش في وسائل الاعلام وتتبناه دول مجاورة، لا يلقى رد فعل من المؤسسة الرسمية، في حين ان هذه الجبهة قد تكون اشد خطرا على البلد من الجبهة الاخرى، ففي ظل الموقف الامريكي المناصر للإرهاب، لا نستبعد انها ستفرض علينا قوى الارهاب كشريك في العملية السياسية يوما، وعلينا ان نجلس معه في طاولة واحدة. على الدولة الا تقف مكتوفة الايدي تجاه ما يقال ويطرح من افكار واراء تضر بمصلحة البلد وتعطي انطباعات مغايرة للدول عن حقيقة ما يجري داخل العراق خصوصا وان الاعلام العربي يكاد يجمع على دعم الارهاب بكل اشكاله. ونحن، لم نجاري بعد تلك الادوات التي من شأنها تقويض الرأي العام المتعاطف مع قضيتنا مع الارهاب. عندما يكون البلد في حالة حرب، فيجب على كل مؤسساته ان تشارك فيها، وليس وزارتا الداخلية والدفاع فقط. فالخارجية عليها ايضا عبئ المواجهة مع السياسات المؤيدة للعدو، وشبكة الاعلام ايضا وكل الوزرات والدوائر، عليها مسؤولية المشاركة في المعركة مع الارهاب، ذلك ان الارهاب يحاربنا من كل الجهات وبمختلف الوسائل، ثم ان علينا ان نبتكر وسائل الهجوم لا هو، علينا ان نشغله بأمور لا يتوقعها بدلا من جلوسنا في دوائرنا ننتظر ما تقوم به داعش حتى نفكر فيما بعد بطريقة لنوجهها. في الاردن، الجارة والشقيقة، التي تأخذ نفطها واموالها من فم العراقيين، تأوي اليوم في عاصمتها عشرات الشخصيات الداعمة لداعش والارهاب، وتسوق نفسها على انها ممثلة عن السنة العرب، بعض وسائل الاعلام تعد اقامتهم في عمان بمثابة المنفى لهم. تلك الجماعات تطلق بين الحين والاخر تصريحات تكاد ان تكون اشد بأسا على العراق من رصاص داعش، هدفها الاساسي هو تبرير القتل اليومي بحق العراقيين من منطلق طائفي بحت. فهي تعد حرب الدولة العراقية مع داعش حربا مع الطائفة السنية، وتحاول ايصال فكرة الى العالم ان حكومة بغداد انما تحارب السنة وتقتلهم يوميا، وانما داعش والارهاب ما هو الا حجة تتخذها الحكومة! ولما تغيرت معالم السياسة الدولية التي تتزعمها واشنطن من متفرجة على المشهد العراقي الى طرف فيه عندما سيرت طائراتها مع الدول المتحالفة معها لضرب الارهاب في العراق وسوريا، تغيرت معها ايضا استراتيجية تلك الجماعات، مع ابقائها على الفكرة الاساسية التي تعمل من
اجلها وهي ان داعش رد فعل على ممارسات الدولة، رغم ان تلك الممارسات لا تقوم بها طائفة معينة، فقد يشكون من افعال تمارسها احزاب تنتمي الى نفس طائفتهم وجماهيرها هم ذاتهم الذين تدعي تلك الجماعات دفاعها عنهم. ممثلو السنة المقيمون في عمان صرحوا قبل مدة بأن محاربة داعش عن طريق الجو لوحده لا يكفي! بل يجب استئصال الدوافع وراء انعدام العدالة واعطاء الناس حرياتهم وحقوقهم.. يعني يجب ان نعالج اسباب سيطرة داعش على الموصل وغيرها قبل ان نضربها من الجو. السؤال: هل هناك اسباب تبرر فتح الابواب لداعش؟ هل ان امتناع الحكومة ان صح الادعاء، من توفير الحقوق الاساسية للمكون السني سببا لأن تحل داعش بدلا عنها؟ ثم ان الحقوق التي يطالبون بها، كالتهميش، فإذا كانوا يقصدون في السياسة، فإن ممثليهم في كل مؤسسات الدولة، البرلمان والحكومة. والمسؤولون المحليون من نفس مدنهم، ولهم اكثر مما لغيرهم من باقي المحافظات. مع فرق ان محافظات الوسط والجنوب، تنعم بهدوء نسبي وامن، بينما تلك المحافظات ساخنة جدا، حيث يصول الارهاب فيها ويجول، ويبدو انها تريد ان تشاركها باقي المحافظات بالسخونة! لماذا تتواجد داعش في الموصل والانبار ولا وجود لها في الناصرية مثلا؟ هل يمكنهم ان يسألوا انفسهم يوما هذا السؤال؟ هل هو سبب الحكومة ام سببهم؟ ثم يطالبون بتشكيل حكومة تكنوقراط! ومشاركة السنة والاكراد والشيعة في الحكم! اما حكومة التكنو قراط فهم كغيرهم من الطوائف لا تقبل الا بحكومة محاصصة والا كان يمكنهم ان يمنحوا حصتهم في الوزارة الى شخصيات مستقلة ومهنية عدتها كفاءتها وليس الطائفية، فهم اسندوا وزاراتهم مثل باقي الطوائف الى شخصيات طائفية غير كفؤة، لا تتمتع بحس وطني، وهذه الصفات تكاد جميع الكتل تشترك فيها. اما بالنسبة لمشاركة الطوائف، فهي مشتركة بالفعل في الحكومة. رجل الدين السني عبد الملك السعدي، صرح بأن القاء القنابل من لطائرات لن يزيل الارهاب. وانما استئصال دوافعه هي التي تزيله. هل هناك من دوافع مهما كانت، تبرر سلوك طريق الارهاب؟ اليس هذا اعتراف من الشيخ بأن الجهة التي تدعي التهميش هي نفسها التي تمارس الارهاب او تشكل حواضن لخلاياه ومقاتليه؟ ثم كيف يمكن ان يتحقق ما هو متحقق فعلا؟ العمارة والناصرية والحلة، تعاني هي الاخرى من التهميش وانعدام العدالة، فهل هذا مبرر لها لكي تحتضن مسلحين قادمين من ايران مثلا؟ هل تحترم المحافظات الغربية محافظات الجنوب والوسط اذا اقدمت على خطوة كهذه؟ اذا كانت الموصل وغيرها تعاني حقا من التهميش فيها ان تطالب بحقوقها وفقا للسياقات والاعتبارات البعيدة كل البعد عن الارهاب والارهابيين. ثم ماذا جنت تلك المحافظات من الارهاب منذ احتلاله للموصل ولحد الان؟ ماذا جنت من خروج مناطقها عن سيطرة الدولة؟ هل انتهى تهميشها؟ هل حققت داعش لها العدالة؟ هل انتهى الظلم؟ هل تعيش اليوم في رفاهية واستقرار؟ هي فقط تخلصت من التفجيرات الارهابية لان الجهة التي تفجر هي التي تسطير عليها وبالتالي، فلا حاجة للتفجيرات بعد الان. الاغرب في تصريح رجل الدين قوله: عندما نسترجع حقوقنا سنعرف في حينها كيف نتعامل مع داعش فهي مشكلتنا!! هل يمكن تفسير ما قاله الشيخ الا ان داعش وسيلة ضغط ابتكرتها تلك القوى لإجبار الدولة العراقية على تنفيذ مطالبها؟ لو نفذت مطالبهم، فكيف يمكنهم مواجهة داعش ومحاربتها وهم في عمان؟ ولم لا
يتعاملون معها الان حتى وان لم تحقق مطالبهم، انقاذا لأرواح الابرياء الذين ينتظرون دورهم في الة قتل داعش؟ فهي لا تقتل الا السنة في المناطق التي تسيطر عليها وبالتالي، فجمهورهم هو الاكثر تضررا وليس باقي المحافظات. بقي ان نتساءل: لماذا وزارة خارجيتنا صامتة تجاه ضجيج تلك الجماعة؟