رغم أن المالكي أحد الّذين كتبوا دستور 2005، الذي كان ركيزة النظام السياسي الجديد، لكنه تخلص من قيود تمانع الإستفراد، وصنع مؤسسة رديفة تابعة بهيئة مستشارين ومسؤولين تنفيذيين وكالةً، دون الخضوع للمحاصصة والأليات الدستورية وموافقة البرلمان، وفرض سيطرته على سائر مؤسسات فصل السلطات، مهيمناً على الهيئات المستقلة والقضاء وطعن إعلامياً بالبرلمان؛ لتقليل دوره التشريعي والرقابي، وفي ركبه إعلام حكومي وقوة أمنية موالية.
تقنيات حديثة في إدارة الدولة المستقلة، وإنقلاب على النظام البرلماني، جعلت مسودات القوانين تنطلق من السلطة التنفيذية فقط، ما وضع البلاد على نظام تسلطي برداء ديموقراطي.
المالكي ظاهرة مصطنعة، أتيحت لها الفرصة في فترة إستثنائية، مستغلة هشاشة القاعدة الفكرية للمجتمع، وتأقلمه مع المتغيرات بعد التحول، والدولة لأجل السلطة، متخذاً من الأزمات سبيلاً لتعميق مصادر النزاع، وتدابير تعزيز عمق الهوة وقطع الجسور السياسية.
فشل المالكي في إستثمار الأفق الوطني، ومضى لتشكيل فريق حاكم له القدرة على تقاذف الإتهامات والتعطيل، ومن أزمة تشكيل حكومة 2010م بدأت تطفو على السطح نزعة الإستئثار، ولا يعبأ بأليات دستورية تداول السلطة وإتخاذ القرار، مسخراً إستقلالية المؤسسات الى تبعية طاعة الرغبات ومكاسب المناصب، مشكلاً منحى خطير لإمكانية تطور العمل الحكومي، وبالتدريج الإبتعاد عن مباديء الديموقراطية وسيادة القانون، وإحترام حقوق الإنسان والمشاركة السياسية والشعبية.
طيلة ثمانية سنوات حاول مع فريقه صناعة الرجل الأقوى، ومؤسسة ضخمة المصاريف، تقودها سياسة رعناء عابثة، تعتمد على قيادات بعثية متسلطة تبعية مكسبية، من المقربين الإنتهازيين دون قيادات حزب الدعوة العريقة، تضرب مفاصل الحزب تحت الحزام، بهيمنة أشخاص على القرار، وتحولت عقائد الحزب الإسلامي الى حزب سلطة وأتباع من خارج التنظيم، يسير الى كارثة تلاشي مصير تاريخ من التضحيات والمباديء، بهيمنة عائلية على الكتلة، واقعها الإنتخابات الأخيرة، التي أبعدت قيادات الحزب، وتمركزت العائلة والمقربين من غير الحزب، وتهاوي العراق بيد عصابة مارقة من الدواعش.
الطبقة التي أحاطت بالمالكي عمق الهوة مع المرجعية والمجتمع، ولم تعد تسمع صوتاً، تجلى ذلك من القطيعة التي عاشها 4 سنوات، ورفض لعب دور في المرحلة الحالية، ولم ينكر ندية مواقف مؤيديه السياسين، في معارضة مواقف المرجعية.
جدار الشكوك وتقنية العمل على تمزيق الخطوط بين القوى السياسية، قطع جسور التأخي الشيعي الكوردي، وأعطى مفاتيح التقسيم بيد قوى الإرهاب والفاسدين لتحقيق مأرب مرسومة خارجياً، بأن يبقى الشيعة فقراء محرومون والكورد يحلمون بالدولة الكوردية والسنة تحت التأثيرات الخارجية، وأيقاد تفكك لا يعني فقط ما مرسوم الى دويلات ثلاث؛ إنما تقاتل مدن لا حدودها الجغرافية، بتعطيل حكومي وإجازة قضائية؟! وإشعال صراع تقاسم الثروات وتشظي البلاد والإنهيار المسلح، حتى تغييب معالم كانت نسميها دولة.
ما يحدث لا يستبعد أن يكون تخطيط مشبوه، ربما بعلم أو إستغفال وبالنتيجة كانت السلطوية أسهل الطرق للإنقياد خلف مخطط خطير.
فرصة حزب الدعوة لم تنتهي، والمراجعة صارت واجبة، لإختيار شخصية من بين أعضاءه، وأفضل علاج هو كبح جماح الشخصنة والعصبة والإنتهازيين، وليس أمام الدعاة الحقيقيين سوى التصدي، وإعادة قرارات ومباديء الدعوة التي إختطفها، ظلام المأرب الشخصية، التي أدارت عجلة الدولة والحزب الى الوراء، بيد أشخاص لو بحثت عن تاريخهم، لوجدت معظمهم تربى منذ الطفولة على الشوفينية البعثية، التي لا تستحي ولا تندم. تحليل ظاهرة المالكية، فهم ما وصل إليه النظام السياسي بعد 11 سنة من سقوط الإستبداد.