كل الجوائز الأدبية تمنح لمنتجي الأدب . أنه أمر حسن لكنه يحمل في طياته جانبيا سلبيا هو زيادة عدد المنتجين مقابل تناقص عدد القراء . زيادة الكم مقابل تدني النوع . ولرفع مستوى الثقافة في الوطن العربي نقترح وضع جوائز مغرية للقراء .
سوف تتعاون الجائزتان : جائزة الابداع وجائزة القراءة لخلق جو ثقافي عربي حقيقي وثري للغاية .
الأمر غير مكلف و بسيط جدا , كأن يتم اختيار 100 كتاب ويطلب قراءتها . سيكون عمل اللجان هو التحقق من ذلك واختبار جدية القراءة والاستيعاب . أن آلية تنفيذ المشروع لن تكون عائقا . فثورة الأتصالات وبرامج الكومبيوتر سوف توفر الكثير من الجهد والمصاريف . الفكرة العامة بسيطة لكن وضعها حيز التطبيق سوف يسمح بالكثير من الابداع ومعالجة الثغرات والتطوير أيضا . سوف تساهم هذه الجائزة في تسليط الضوء على كتب جديرة بالقراءة . ونتوقع ان تحدث نقلة في عالم القراءة في العالم العربي . وستكون الفائدة اعم اذا كان عدد الفائزين كبيرا . فلو تقدم 1000 مرشح مثلا يتم أختيار 100 فائز منهم . وستكون الجائزة شبه رمزية . أعتقد ان 2000 دولار لكل فائز في عموم الوطن العربي سوف لن تكون كثيرة على هذا الهدف الخطير . تخيلوا ماذا يحصل لو ان عدد المشاركين تجاوز المليون .
بشرى سارة لجميع القراء في الوطن العربي .
….
أستجابة لنداءاتنا المتكررة ومع بدا عام 2015 سوف تطلق مؤسسة ( شريش ) المالية التي تتخذ من هولندا مقرا لها اكبر جائزة أدبية في الوطن العربي وقيمتها 5 مليون دولار ولكنها ليست لمنتجي الأدب بل لأفضل القراء في الوطن العربي . هذه المبادرة الخطيرة تحتاج وقفة منا .
…
هههههههههههههههههههه ….
تمهلوا قليلا ايها السادة قبل ان تصدقوا فانا امزح كثيرا . لا توجد مؤسسة مالية في هولندا بهذا الأسم . وشريش هو اسم جدي ( محسن حنيص شوكت شريش) . وقد توفي وهو لايملك سوى عباءة الصوف . ولا توجد مبادرة بهذه الجرأة حتى الآن . انها أمنية من أمنياتي , بل هي أمنية قديمة طالما راودتني . تتضخم هذه الأمنية مع كل فضيحة مالية وسرقة للمال العام في العراق . حين أتأمل حجم المسروق وحجم الأموال الطائلة التي تصرف على مؤسسات العنف أو العنف المضاد يسرح خيالي بعيدا . افكر لو ان جزءا ضئيلا جدا يخصص للقراءة في الوطن العربي الذي يضخ لنا الارهابيين . أفكر لو ان العراق هو الذي يبادر بقلب المعادلة ويخصص جزءا من المال لتثقيف الأنسان العربي .
في الوطن العربي لا توجد ازمة منتجين للكتابة بل أزمة قراءة . وهي ازمة قديمة اسبابها كثيرة لا مجال للتطرق لها . سوف نحاول تجاوز الكثير من الاسباب ونركز على سبب نراه هاما ويمكن معالجته اسرع من غيره وبجهود وامكانيات بسيطة جدا . القارئ مستبعد من أي أضواء او أجزاء . ولكي نحقق القفزة الثقافية ينبغي ان نقلب المعادلة .
ان نضع القارئ قبل الكاتب . هذ هو الحجر الاساس لهذه الدعوة . على الأقل في العالم العربي . ان قلب الأهتمام وجعل القارئ أهم من الكاتب هو أمر يحتمه سببين : أولا حاجتنا الماسة الى القراءة في هذا الوقت والثاني هو وفرة الكتب في العالم . فاذا تجاوزنا النظرة القومية الضيقة الى الثقافة فاننا نستطيع القول ان الادب العالمي هو تراث للبشرية جمعاء وهو ليس ملكا لشعب او لبلد او لقارة معينة . ان الادب نفسه يرفض هذا التجنيس . الجغرافيا لا علاقة لها بالمعرفة . عملية تجنيس الانتاج الفكري البشري هي رغبة العقول المريضة البعيدة عن الأدب عادة .
الخطر المحدق في العالم العربي وتصدع الحياة المدنية لا يتأتى من عدم انتاج الكتابة بل من عدم استهلاكها . نحن أمة نأكل وننجب أطفال أكثر مما نقرأ .
الكتابة لا تشبه محصول الحنطة . الكتاب المنجز لا ينفذ ويبقى حيا لزمن طويل . واستطيع ان اقول ان الانجاز الفكري البشري الحالي يكفي لتغذية البشرية جمعاء لقرن قادم دون الحاجة لأنتاج كتاب جديد .
هناك من يشعر بالحيف اننا كعرب ينبغي ان نساهم في الثقافة العالمية عبر تقديم مؤلفين كبار ونيل جوائز عالمية . اعتقد ان هذه نظرة ضيقة جدا للثقافة . ان كولومبيا انتجت افضل روائي في العصر الحديث هو غابرييل غارسيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل للآداب لكنه ليس مقروءا بالدرجة نفسها في بلاده مقارنة ببلد صغير مثل هولندا التي لم تنتج كاتبا بمستوى ماركيز ولم تحصل على نوبل . التخلف الثقافي في كولومبيا لايمكن مقارنته بهولندا التي تخصص مكتبة لكل 20 الف مواطن . ومبيعات الكتب في هولندا لعام 2013 هو رقم خرافي اذ يبلغ 41 مليون كتاب حسب احصاء KVB الجمعية الملكية للكتاب .
ان الثقافة تقاس بعدد القراء وليس بعدد الذين يكتبون . ورغم أن عدد المصريين الذين يمارسون الكتابة كبير قياسا بالبلدان العربية الأخرى الا ان نسبة القراء متدنية جدا وهذا ما يفسر تغلغل الأخوان وسيطرتهم على الثقافة المصرية في الآونة الأخيرة . ذلك ان الأخوان يعتمدون على ثقافة المنبر وليس الكتاب .
ان ظهور كاتب كبير هو مؤشر غير دقيق لنمو ثقافي لدى شعب ما . وقد آن الأوان لفحص هذا الأمر وتقديم آلية واضحة لمعرفة الحالة الثقافية لدى أمة ما . وحتى الحصول على نوبل لا تبرر الاستنتاج بشيوع الثقافة .
الثقافة الحقة هي ان لا تكون نخبوية . هي توسع رقعة القراءة ووصولها الى جميع الشرائح .
ينبغي ان تركز الجهود للأحتفاء بالقارئ وأبرازه بقوة وتقديم الدعم اللامحدود له . وانا واثق تماما اننا بجهود قليلة وبمبالغ متواضعة يمكننا احداث ثورة ثقافية في العالم العربي تجعلنا قريبين من العالم .
سوف يعترض أحدهم قائلا بالعامية العراقية طبعا :
(( يمعود , خل نشبع اول مرة خبز بعدين نقرأ ))
يتحجج الكثيرون بالخبز لتبرير الجهل . ان هذه الجملة الشعرية يتم تداولها بكثرة لأعفاء العربي من القراءة ومنحه صفة بهيمة همها علفها . والحقيقة ان معظم الذين لا يقرأون هم في الغالب متخمين بالخبز ولا يعانون من مجاعة . والعكس صحيح .
هنالك عامل جوهري في جذب الناس الى اي حقل هو ان تجعل لذلك الحقل قيمة اجتماعية. حين يكون اقتناء سيارة يمثل قيمة اجتماعية كبيرة يتوجه المجتمع برمته الى تلك الناحية وحين يكون النفوذ السياسي والمنصب هو القيمة فالكل يلهث لتحقيق هذا الهدف حتى لوكان بلا محتوى . وهنالك مظاهر كثيرة في العالم العربي تحتل قيما اجتماعية وللأسف ليس بينها القراءة او الثقافة . هناك شئ بديل عن الثقافة هو الشهادة العلمية التي لا تبتعد كثيرا عن النفوذ او المال او المنصب .
لكي يكون المجتمع العربي مدنيا ( خال من العنف) ينبغي ان تكون القراءة ( وليس الكتابة ) هي القيمة العليا . ولكي يكمل العربي نصف دينه عليه ان يقرأ ما لايقل عن الف كتاب في حياته . ينبغي ان نصل الى الحالة التي يسأل فيها المتقدم لخطبة فتاة : كم كتابا قرأت ؟
ونحتفل بأتمام صبي قراءة مئة كتاب بنفس القوة التي نحتفل بها بختانه . وينبغي ان يصبح الكتاب هديتنا المفضلة . ويحتل ابرز مكان في بيوتنا .
ان بامكان كاتب واحد في العالم ان يعوض عن الف كاتب لكنه لايقدر ان يعوض عن قارئ واحد . الكاتب لاقيمة له بدون قارئ .