2.النكبة العراقية من وجهة نظر إقليمية : نظرة عامه
يشكل تاريخ العراق وجغرافيته وثرواته ومسيرته السياسية مجتمعة ، أهمية منفردة تستقطب محاولات الهيمنة والاستيلاء عليه إقليميا بالتمدد او تصدير الغزو اليه من امبراطوريات كانت تنافسه يهمها احتواءه تاريخيا وحاليا كعامل إضافي دولاً طامعة بنفطه وثروته المعدنية كمصدر للطاقة، وهو من هذا المنطلق يشكل دولة محورية عربية وازنة للأمن القومي والإقليمي وبالوقت نفسه وتحت مسمى (بابل وآشور) لاهوتيا وتوراتيا وبعد حقبة(اليهودية المسيحية المتصهينة) تم التعامل مع العراق بروح من الثأر والحقد والكراهية وبنصوص إثنية وصهيونية منقولة ومنقحة ومبتدعة كثيرة وعديدة في الإرث اللاهوتي والسياسي المعاصر تم الترويج والتبشير لها بتركيز اعلامي حتى اصبحت في أذهان الاتباع نصوصا تنفيذها واجب سماوي مقدس ،ومن هذا المنطلق ادرج عراق بابل وآشور كأول دولة ضمن محور الشر الأول للمجابهة ، يقول هنري كيسنجر (إذا اردنا أن ندمر الأمة العربية فعلينا أن نبدأ بتدمير الأمة العراقية ) . من هذا المنطلق اللاهوتي ومن تاريخ العراق العميق الى قبل ما يقارب8000 سنة قبل الميلاد حيث لم يرد شيئا كتب عن فترة قبلها ، لكن الاثار تشير الى منحوتات وأثار وجدت في مدينة (عنه ) قد تعود الى 19000 عام قبل الميلاد . لذا يحسب أن العراق هو اول الامبراطوريات وصانعها ومنه انتقلت سلالة الفراعنة الى مصر وحكمت منذ ذلك التاريخ ولغاية اليوم كان ارض الصراعات مع الكوتيين والكيشيين ويهود السامرة والفراعنة والإخمينين والعيلامين والخزر والفرس والبيزيطنيين والجلائريين والمغول والصفويين والمماليك ، لكنّ الفكر اللاهوتي اليهودي الثأري (المفبرك ) ظل هو الخطر الأكبر الناشط منذ أواخر حكم الدولة العثمانية حيث تمكن اليهود الصهاينة من التوغل في عوائلها الحاكمة وداخل حكوماتها الحاكمة المتأخرة استطاع ان ينفذ الى العراق بعد فشله في المساومة على فلسطين أيام السلطان عبد الحميد ليكون مركز محفلها ويؤسس لنزوح يهودي هائل اليها وبتخطيط من تشكيلات حركة اليهود المتنصرين وحركة الاصلاح البروستانتية والمحفل اليهودي مجتمعة وهي التي تحلم ببابل وتعدها الارض التي يجب ان تحكم لتؤسس دولة اسرائيل الممتدة الى العراق وبابل ليبعث حينها المسيح من جديد .
امتازت معظم الصراعات التي شهدها العراق ولغاية اليوم باهتمام ودور يهودي وصهيوني وفارسي مشترك في صنع الأحداث طيلة مسيرتها ابتداءً من الغزو البابلي الاول وامتدادا الى غزو العراق عام 2003 ولا أقول انتهاءً فالقادم من الأيام قد يحمل الأسوء والمزيد من النكبات للعراق وفق هذه القراءة التاريخية .
عززّ وجود النفط ثم الغاز والكبريت والزئبق وانسيابية مياه النهرين الخالدين دجلة والفرات، من تفاقم الاطماع الدولية في العراق ولهذا تتجلى مواقف الدول الكبرى شرقا وغربا بدافع التنافس والهيمنة على مصير ومستقبل العراق بشكل اكبر وتنعكس بشكل واضح على واقع نكبته الحالية ، كما يحسب لطبيعة الانظمة الحاكمة التي أدارت العراق بعد معاهدة (سايكس بيكو) وتشكيل الدولة العراقية المعاصرة دور كبير في استقطاب النفوذ الاجنبي وتحكمه بهذه الأنظمة التي لم تغادر مواقع عنف واستغلال السلطة بلا رؤى طويلة الأمد لبناء عراق عصري ، وزاد ذلك طموح حكم نظام البعث بقيادة وعزمه على بناء السلاح النووي بشكل معلن وخروجه منتصرا عسكريا من حرب دامية ومديدة مع ايران الاسلامية ، وتبنيه للقضية الفلسطينية والإصرار على عدم شرعية وجودها ،عوامل مهمة في إدراج العراق على قائمة محور الشر وتشريع قانون لتحريره (غزوه) واعتبار إضعافه فاتحة إضعاف الامة العربية لصالح أمن إسرائيل التي لعبت بسبب علاقتها المتينة مع ساسة الاقليم الكردي (الخاصرة ) دوراً مهماَ في حياكة مشهد النكبة العراقية ، بالأخص بعد انتكاسة الزعامات القومية في مصر والعراق وسوريا والتي اعطت للأكراد متنفساً لتحقيق هدفهم القومي المنشود.
إقليميا يحاط العراق جغرافيا بإيران شرقا وتركيا شمالا ودول عربيه ممثلة بسوريا والاردن والسعودية والكويت امتدادا من الغرب الى الجنوب والتي تشكل مع حزمة التكوينات الاجتماعية العراقية كالأكراد والتركمان والمسيحيين والإيزيدين والصابئة، انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على طبيعة النكبة العراقية من خلال خلفياتها وعوامل تفاقمها وتعقيداتها ، ومما زاد النكبة تعقيدا لفترة ما بعد الاحتلال في العراق ، هو بروز ظاهرة الطائفية وتلبسها بأطراف الحكم السياسية التي تشكلت على شكل احزاب وتيارات كمعارضة قبل دخولها الاحتلال وتلبسها بأذياله او التيارات الطائفية والسياسية التي تشكلت بعد الاحتلال .
كما تسبب صعود وبروز سريع وغير متوقع لتنظيمات التطرف السني السلفي الجهادي وإعلان دولته الاسلامية ! بعد هيمنة تنظيماته على مساحات واسعة من الخارطة السورية والعراقية بما يحسب انه اول ظاهرة للإسلام السياسي في الساحة يشكل تحديا لخارطة سايكس بيكو بعد مرور ما يقارب قرنا من الزمن والذي ترافق مع ردة فعل دولية ممثلة بتحالف لأكثر من ستين دولة تجتمع على فرضية ما تشكله ظاهرة تنظيم الدولة الاسلامية من مخاطر ليست للمنطقة ومواردها ، وإنما من منطلق تهديدات خطيرة لهذه الدول في داخل كياناتها ودولها . ولذلك لابدّ من التطرق تفصيليا لتأثير هذه الأزمات المتلاحقة التي تشكل مجتمعة ملامح نكبة العراق الحالية ، وسيكون هذا التفصيل موضوع الحلقات القادمة .