18 ديسمبر، 2024 6:47 م

الجزائر.. تجاوز القانون

الجزائر.. تجاوز القانون

ظاهرة الضرب بالقانون عرض الحائط والرشوة في المجتمع الجزائري تمتد إلى جميع قطاعات الدولة الإدارية والصناعية والزراعية والتعليمية حتى تحولت إلى طبيعة مكرسة بدءا من أعلى هرم في السلطة إلى دهاليز المجتمع في الجزائر العميقة.

نشرت هذا الأسبوع صحيفة الواحة اليومية التي تصدر بمنطقة الجنوب الجزائري جزءا من تحقيق مطول عن المظالم التي ترتكبها المحاكم ضد مواطنين أبرياء تعرضوا للسجن وبعد شهور يسرحون بعد إثبات براءتهم.

أوضح التحقيق أن نائبا في البرلمان قد أدلى بتصريح موثق قال فيه بأن وقف أحداث غرداية الدامية قد تم بواسطة دفع المصالح الحكومية الرشوة للعناصر المتورطة فيها.

وفي هذا الخصوص يقدم هذا التحقيق عينة ملموسة من طوفان الرشى كما يلي “نبدأ تحقيقنا بهذه القصة، في الأيام الأولى من الأزمة التي مرت بغرداية، وبمكتب من مكاتب البرلمان، ينظر النائب إلى بعض الحضور الذين جاؤوا لمقابلته، ماذا قيل لكم؟”. “ادفعوا كاش نضع حدا للفتنة”. “ولا أحد يدري من هؤلاء الذين يتحدث عنهم النائب البرلماني، ولماذا لم يحرك ضدهم دعوى أمام القاضي مثلما يفعل اليوم مع عشرات الأبرياء، أو يطرح الظاهرة في شكل سؤال برلماني على وزير العدل ليطهر القطاع من أشكال الابتزاز الظاهرة والخفية”.

وتواصل صحيفة الواحة الكشف عن الوجه القبيح لغياب القانون وتفشي مرض الابتزاز المالي مبرزة أن “عالم الرشوة أضحى أقوى نظام سائد الآن في غرداية، وقد لا نتحدث عن تلك الجريمة التي ارتكبها شاب برمي شاب آخر وهو يداعبه في بئر، الشبكة وجدت في تلك الحادثة فرصة للزج بأطراف أخرى في السجن وتعقد القضية وتضفي عليها الشكوك والغموض حتى يسهل الابتزاز من الأطراف المضافة للملف، هذا العالم له مختصون في غرداية، ومحترفون في فن الابتزاز والمكر.. واختيار الوجه الواجب توريطه، والصحافة عمومية كانت أم خاصة لا تكشف هذا الوجه الخفي والموجع لغرداية مع كل أسف.. هل هو الخوف من بطش النافذين والانتقام أم نقص احترافية أم تواطؤ؟”.

ما حدث في منطقة بني مزاب بغرداية ليس سوى نموذج مصغر لما حدث ويحدث في الجزائر في ظروف ملتبسة يصعب غالبا الكشف عنها حين وقوعها.

وفي الحقيقة فإن الانتخابات التي تجري في الجزائر تتحكم فيها أجهزة خفية كثيرا ما استبدلت صناديق الاقتراع الحقيقية وما فيها بصناديق بديلة بعد التلاعب بالأصوات وفبركتها، وأكثر من ذلك فإن المسؤولين الرسميين على الحملات الانتخابية يزودون بالمليارات من الدينارات ويكلفون بتوزيعها بسرية كاملة على أعداد هائلة من الأشخاص ذوي النفوذ في المدن والقرى لكي يرشوا بها رؤساء العشائر الكبرى المنتخبة.

الكثير من التقارير كشفت أن أعدادا كبيرة من المنتخبين هم موتى منذ زمن طويل. هذا الوضع الخطير تحدث عنه رؤساء الأحزاب المعارضة مرارا وتكرارا في وسائل الإعلام المختلفة، وهكذا يسمع المرء في المدن والقرى الجزائرية هذه العبارة ترددها الألسن دائما “القانون الجزائري مثل المطاط إذ يمكن مطه أو تقليصه حسب مشيئة أصحاب المال والحل والربط في أجهزة الحكم”، ويعني هذا أن القانون لا يطبق إلا على الذين لا يملكون قوة السلطة وسحر الأموال.

والحال فإن ظاهرة الرشوة في الجزائر قد تفاقمت، وخاصة في مرحلة ما بعد المصالحة الوطنية، إلى حد أصبحت فيه تهدد الأمن الوطني والنسيج الاجتماعي ككل.

الغريب أن لعبة الرشوة تتم في الغالب بطرق ملتوية يصعب تحديد الفاعلين في الميدان ومن يقف وراءهم أو تغطي عليهم أجهزة الإدارة والسلطة القضائية وعلى المستوى الأعلى في هرم الحكم.

ففي الشهور الماضية انفجرت فضيحة الرشوة في أضخم مؤسسة اقتصادية جزائرية وهي سوناطراك التي تحتكر مبيعات النفط والغاز بالمليارات من الدولارات والتي يعتمد عليها الاقتصاد الوطني بنسبة تسعين بالمئة، ولكن هذه الفضيحة مرت بسلام ولا يزال مرتكبوها أحرارا من دون محاكمة شفافة وعادلة. وفي الشهور الماضية أيضا طفت على السطح قضية التلاعب بالأموال المرصودة لانجاز الطريق السيارة من طرف شخصيات ذات نفوذ في البلاد، غير أن المحاكمة التي جرت للفصل في هذه القضية قد استبعدت المسؤولين الكبار في الحكومة التنفيذية ودفع الثمن أعوان إداريون ومسؤولون صغار بدلا منهم.

وفي الحقيقة فإن ظاهرة الضرب بالقانون عرض الحائط والرشوة في المجتمع الجزائري تمتد إلى جميع قطاعات الدولة الإدارية والصناعية والزراعية والتعليمية حتى تحولت إلى طبيعة مكرسة بدءا من أعلى هرم في السلطة إلى دهاليز المجتمع في الجزائر العميقة.

نقلا عن العرب