-1-
اذا كنّا نشجب العنف والقسوة من كلّ الناس، وبكل أشكاله وأساليبه، فاننا نشجبهما بشكل أكبر من الأباء بحق صغارهم، لأنهما يتحولان الى جرائم يندى لها جبين الانسانية .
إنَّ الطفل يلوذ بأبيه لحمايته من كلّ ألوان المخاطر والاعتداء ، وحين يكون الاب السبع الضاري قسوةً ووحشيةً ، فانّ الطفل يكون كبش الفداء في معركة غير متكافئة، ومحسومة لصالح الأب المتنمر ، البعيد عن الرحمة والاحاسيس الانسانية .
وهذا العنف بحق الأطفال ، له أكبر الانعكاسات النفسية والسلوكية عليهم .. ذلك انه يجعلهم مشاريع انحراف وإجرام بحق المجتمع كلّه ، ويترك في أعماقهم لهباً من الاحقاد التي لا يخبو لها أوار الأمر الذي يضيف الى المشاكل الاجتماعية العديدة مشكلة جديدة …
-2-
لقد طالعتنا الصحف العراقية بأخبار جريمة مرّوعة بطلاها أب وزوجته ، وضحيتها طفل برئ في ريعان الصبا لم يتجاوز عمرُه السنوات التسع ..
لقد انهال الأب وزوجته ( وهي ليست أم الطفل المجني عليه) عليه ، بالضرب المبرّح حتى كُسرت بعض أضلاعه، وأصيب بجروح خطيرة، ورضوض في معظم انحاء جسده ..!!
لقد فقد الطفل أمّه قبل ثلاثة أعوام
يقول (احمد) – الطفل المجني عليه – متحدثا عما يلاقيه واخته (بيمان):
” نحن لانفهم من حياتنا الاّ الضرب والعنف والقسوة “
وهي عبارة تملأ القلوب بالشجن والألم لما يعانيه هذان الطفلان .
-3-
ولم يكتف الاب القاسي العنيف بما أحدثه في جسد ولده الصغير من كسور وجروح ورضوض ، بل بادر الى طرده من المنزل ، وتركه في العراء ..!!
ويا لها من قسوة ذميمة تأباها حتى الحيوانات …
-4-
وزاد الطين بلة أنَّ الأب وزوجته من رجال التربية والتعليم ..!!
( إنّ فاقد الشيء لايعطيه) –كما هو معلوم –
فكيف يتاح لهذين اللئيمين المجردَيْن من الاحساس الانساني أنْ يقوّما سلوك من يتولون تربيته ، اذا كانا يغدران بطفل برئ هذا الغدر المنكر؟!!
-5-
ويسارع الجيران بعد ان وجدوا الطفل البرئ (احمد) منبوذا بالعراء الى نقله الى المستشفى ليرقد فيه ،وإخبار الشرطة لتودع الاب في مركز الشرطة وتباشر التحقيق معه ، وتنقل زوجته الى سجن التوقيف .
-6-
قال الطفل احمد لوكالة فرانس برس ، من على سرير المستشفى :
” طلبتُ من الشرطة ان يضربوا أبي وزوجته بعد اعتقالهما …
أتمنى أنْ يُقدّما الى العدالة كي يُعدما “
واضاف :
” أشعر بالخوف ولا أنام الليل …
كابوس الرعب المتمثل بأبي وزوجته وهما يحملان العصا لضربي بها كل يوم مازال يراودني “
-7-
لن تبقى قيمة للأسرة حين يُطالب الابن باعدام أبيه ..!!
وهذه هي النتيجة المرعبة لسياسة البطش بالأطفال وترويعهم والمبالغة في ايذائهم وتعذيبهم …
-8-
لو كانت (أم احمد) على قيد الحياة لما انتهى به المطاف الى ما انتهى اليه من معاملة قاسية وغلظة متناهية …
ويغلب على الظن أنّ لزوجة أبيه دوراً محموماً في تحريض الأب على هذه الطريقة المتوحشة في التعامل مع ولده الصغير (احمد) …
ربما كان أسمَعَها كلماتٍ تنم عن تبرمه بوجودها في المنزل بدلاً عن أمه الراحلة .
قد يكون ذلك بحكم الحب العميق لأمه ، ولكن هل يجوز ان يكون الانتقام بهذه الدرجة من الدناءة والوحشية ؟
-9-
كان عليها أنْ تبذل جهداً متميزاً في اظهار عنايتها بهذا الصغير اليتيم لتنتزع منه بالتدريج الاحترام والتقدير ان لم نقل المحبة ..
-10-
واذا كانت هذه القضية قد شاعت بين الناس وكتبت في الصحف، فان هناك قضايا كثيرة في العنف الأسري لا مع الأولاد فقط، بل مع الأخوة والاخوات ، ومع الزوجات والأقرباء لم تكتب في الصحف ، وهي لاتقل بشاعة عن هذه القضية .
اننا بحاجةٍ الى ثقافة معمّقة تدفع بنا نحو رفض العنف ، ابتداءً بالعنف مع أفراد الاسرة ، وانتهاء بالعنف الداعشي اللعين مع الناس أجمعين .