22 نوفمبر، 2024 7:16 م
Search
Close this search box.

شهادة الامام الحسن عليه السلام حقيقة تقارب بواقعية

شهادة الامام الحسن عليه السلام حقيقة تقارب بواقعية

الحقيقة التي لا شك فيها هي ان الامام الحسين عليه السلام خرج مصلحا ، حاله حال كل المصلحين في هذه الحياة ، الذين هدفوا الى اصلاح ما اعوج من مساراتها بسبب ممارسات سلطة جائرة ، وان ضرورة خروج الامام الحسين عليه السلام تاتي بسبب الانحراف الذي لحق بالامة ، من جراء ممارسات الامويين عموما كمغتصبين لارادة الامة في اختيار الحاكم ، ومبايعته على شروط تستقى من كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ويزيد بن معاوية خاصة الذي لم يرث حتى شيئا من دهاء ابيه معاوية ، فارتكب الفضائع بحق الامة ومقدساتها ، ما حتم على الامام الحسين عليه السلام ، لما يتمتع به من موقع في امة جده صلى الله عليه وآله وسلم ان يوقف ذلك الانحراف ، فخرج طالبا الانتصار للامة على الخط المنحرف الذي سلبها اردتها ، ولما لم يناصره الا نفر قليل من اهل بيته واصحابه آثر الاستمرار فيما بداه حتى الشهادة ، فكانت شهادته عليه السلام نقطة فارقة في حياة الامة ، فبسيف الخليفة المسلم ، كما يدعي يزيد وخلفاء بني امية انهم مسلمون ، قتل حفيد نبي الاسلام ، وبقوة جيش الاسلام ، كما يصور جيش الدولة الاموية على انه جيش اسلامي ، سبيت حرائر نبي الاسلام .
الجريمة بشعة بلا ادنى شك ، والحدث جلل يحز في النفوس ، اذ ليس من المعقول ولا هو من المتعارف عند عامة الناس ان يجازى قائد حمل لواء الامة الى ذروة المجد ، كما هو رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، بهذا الفعل الشنيع ، الذي اصبح لهوله يتناقل بين الناس يستذكرون كل عام تفصيلاته المؤلمة ، بلوعة وغصة لا يذهب بها تقادم السنين والايام ، بل ان هذا الاستذكار مستمر متزايد لاتساع كتلة المشاركين ، واتساع رقعة الاحياء التي غطت كل بقاع الارض
لا شك ان في احياء استشهاد الامام الحسين عليه السلام مناسبة لاخذ العبرة وتجديد العهد على الاستقامة على خط الاسلام الصحيح ، احياء لسنة قول كلمة الحق امام السلطان الجائر مهما عظمت التضحية ، التي نص عليها الحديث الشريف بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرجل ساله أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ ذِي سُلْطَانٍ جَائِرٍ ، وفي رواية إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، وفي رواية ثالثة كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ ، فنحن عندما نحيي مناسبة عاشوراء ، انما نحييها لتحي في انفسنا فضيلة الانتصار للحق ، فبهذا الاحياء لم نقدم للحسين عليه السلام شيئا ، فهو الامام السبط الشهيد الذي آثر رضا الله واعلاء كلمته على كل شيء ، فكان من اخص مصاديق ايات الشهادة في قوله تعالى {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} وقوله تعالى { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} وايات الجهاد في قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} ، وانما نحن في احياء هذه المناسبة نضيف الى ذواتنا كثيرا مما تتطلبه الحياة المستثمرة في عبادة الله ، والتقرب اليه وصولا غفرانه وعفوه وعظيم ثوابه والفوز برضوانه يوم الحساب ، فنحن اذن في احياء هذه المناسبة العظيمة متطلعون الى مقاربة الاستقامة والنقاء والصفاء ، الذي كان عليه الامام الحسين عليه السلام لحظة استشهاده،  وهو ما اوصله الى اعلى المقامات عند الله تعالى ، الذي لم يخرج الحسين عليه السلام الا لاعلاء كلمته ، فنحن اذن نعبد الله بهذا الموقف عندما نحيي مناسبة استشهاد عبد مخلص لله مقرب منه ذائب في حبه متشوق الى لقائه تشوقا انساه الم ضرب السيوف وطعن الرماح ورمي النبال والحجر ، فعبر عنه بقوله عليه السلام هون علي ما نزل بي انه في عين الله .
ولكن احياء هذه المناسبة العظيمة بدا يتحول من احياء بقصد التقرب الى الله تعالى الى طقوس فيها مخالفات صريحة لخط الحسين عليه السلام المتماهي مع دين الله تعالى ، فبقصد اثارة الحزن تسللت الى رواية الحادثة خرفات وخزعبلات ، لا تتفق مع واقعية الاسلام الحقة ، وقواعد ايمانه القائمة على مباديء الخلق الواقعية ، والقران الكريم يؤكد على هذه الواقعية بقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ } الذي جعل ارادة التغيير بيد الانسان والتوفيق من الله ، والحديث الشريف بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ لاعرابي يدعو الله ان يشفي بعيره من الجرب حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم له لو مزجت دعاءك بالقطران ، اي اعطه الدواء واسال الله ان يجعله شافيا ، وغير ذلك من النصوص المقدسة من القران الكريم والسنة الشريفة التي تؤكد حقيقة واقعية الاسلام وترفعه على كل الخرافات والاباطيل والخزعبلات ، ولا ادري الى م يرمي اولئك الذين يتكلمون عن قتل الامام الحسين عليه السلام للمئات والالاف ، هل يرمون الى القول بانه شجاع ؟ فتلك مسلمة لا ينكرها حتى اعداؤه وقتلته ، فهل هناك مثل ابي عبد الله عليه السلام في الاقدام ورباطة الجاش وهو يرى اهل بيته واصحابه قتلى على صعيد كربلاء ، حتى ان احد الذين احتوشوه ساعة كان وحيدا ، قال فيه : والله ما رأيت مكثورا – تكاثر عليه الاعداء – قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جنانا ولا أجرأ مقدما منه ، والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله ، فشجاعة الامام الحسين عليه السلام متجلية بوضوح تام في موقفه الذي اصبح ماثرة انسانية على مستوى كل اصحاب المواقف من المقدامين الاحرار في هذه الدنيا ، وعظمة واقعة الطف تكمن في مجريات صراعها الواقعي بين مصلح خير لا يمتلك من القوة الا ما انطوت عليه نفسه الممتلئة خيرا وبين فاسدين اشرار ، وعظمة الواقعة تكمن في ان الامام الحسين عليه السلام كان في حياته مشكلة للطغاة ، بدليل ان معاوية عندما ورث ابنه امر الامة المغصوب ، ذكر له خشيته عليه من اشخاص كان الحسين عليه السلام واحدا منهم ، اما بعد استشهاده فتحول الى كابوس يقض مضاجعهم من يوم العاشر من المحرم عام واحد وستين للهجرة الى يومنا هذا ، وسيبقى الى يوم الدين .
وفيما يتعلق ببعض الممارسات التي يُقدم عليها في الذكرى كضرب الظهور بسلاسل الحديد ، وهو ما يعرف شعبيا بالزناجيل ، والرؤوس بالات الحادة كالسيوف والموسى وهو ما يعرف بالتطبير ، وهي ممارسات يقصد منها اظهار الجزع على ما جرى للامام الحسين عليه السلام ومن معه يوم عاشوراء ، وغير ذلك من ممارسات جلد الذات والحاق الضرر بالجسم ، فهي وان كانت مباحة كما يقول الداعون اليها منطلقين من قاعدة ان الاباحة هي الاصل ما لم يرد دليل بالحرمة ولا دليل على حرمة التطبير او الزنجيل الا ان هذا الكلام مردود باثنتين ، هما :
الاولى : ان تحريم هذه الافعال ، عند الفقهاء الذين قالوا بحرمتها ، او لنقل كراهتها التي تضعها في مواطن الشبهة ، انما يجيء بالعنوان الثانوي لما تلحقه من الضرر بسمعة مذهب اهل البيت عليهم السلام ، وهذا الضرر واضح عندما نتصفح مواقع الانترنيت التي تسوق المناظر المقززة ، والتعليقات التي ترد على تلك المناظر ، واعتقد ان كل متبع لمذهب اهل البيت يجد في ذلك مساسا بكرامته وبموقعه الانساني والاجتماعي والفكري .
والثانية ، وهي الاهم في تقديري ، لان كل الفقهاء متفقون على لا شرعية لالحاق الاذى بالنفس ، ولكن الذين يدعون الى التطبير يقولون ان ليس ثمة اذى ، وان وجد فهو يسير لا يشكل خطرا على الانسان ، ولكن اليس هناك احتمال في حدوث ذلك الاذى؟ ومها قل هذا الاحتمال الا انه لا ينتفي ، وفي هذا السياق انقل ما اورده طالب الشرقي في ص/212ع/12م/3من مجلة الموسم الصادرة عام 1412هـ1991م (ثمة رواية تفيد أن الشيعة من أتراك أذربيجان وتبريز وقفقاسية قدموا العراق لزيارة العتبات المقدسة فدخل جماعة منهم في العاشر من محرم الحرام إلى صحن الحسين عليه السلام ، واجتمعوا قرب الباب المعروف اليوم بالزينبية ومعهم القامات ، وهو سلاحهم التقليدي الذي يلازمهم خلال سفرهم ، ثم أقاموا مجلساً للتعزية وأخذ مقرؤهم يشرح لهم واقعة الطف بشكل أهاج مشاعرهم ، فاخرجوا قاماتهم ، واخذوا يضربون رؤوسهم وقد توفي اثنا عشر شخصاً منهم) ، وهذا يعني ان احتمال الضرر موجود ، وهذا الاحتمال هو شبهة ، وقد امرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتجنب الشبهات ، بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ { الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ} . 
ان استشهاد الامام الحسين عليه السلام على الرغم مما يثيره من حزن والم في نفس كل مسلم يحب محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وال محمد عليهم السلام ، وهذا من الايمان ، لان بغضهم كفر باجماع المسلمين ، الا ان جمال ذلك الموت وتلك الشهادة يفوق ما تثيره من احزان ، الا ان الخط العام الذي انفرض في التعامل مع واقعة الطف ، بمفرداته من النعي واللطم والضرب بالسلاسل والالات الحادة ، قد اغرق المناسبة في غمرة الحزن ولم يترك للحظات الجميلة مكانا ، تلك اللحظات التي دارت احداثها في عين الله ، غفل عنها الناس ، ولكن الامام بحسه المحمدي ،  اقصد النسب وليس غيره ، فالحسين عليه السلام حفيد محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، والوراثة تقول ان الابن ياخذ نصف صفاته من ابيه والنصف الاخر من امه فالحسن نصفه من الزهراء عليها السلام ، والزهراء نصفها من محمد ، وعليه فالذين جعلوا جسد الحسن عليه السلام هدفا لادوات قتلهم ، انما جعلوا هدف تلك الادوات جسد محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فالامام الحسين عليه السلام بحسه المحمدي قد عاش جمال تلك اللحظات ، التي عبرت عن الاباء بانقى صوره والايمان باصدقها ، واخرجت ما في الانسانية ، كل الانسانية ، من قيم عليا موجودة بالقوة الى الفعل ، كانت غاية في الجمال ، عبر الامام عن الاحساس بها بقوله هون علي ما نزل بي انه في عين الله ، فمات عليه السلام ميتة جميلة لا يوجد انسان شريف وخير على وجه هذه الارض الا وتمناها ، ولكنها ميتة جميلة على درجة من السمو لم يبلغها الا الحسين عليه السلام ، فطوبي لابي عبد الله شهادته ، وطوبي للذين يقاربون بشهادتهم شهادته ، ويحيون امره باصلاح امر الامة الذي ما خرج عليه السلام الا طالبا له .

أحدث المقالات