26 نوفمبر، 2024 2:29 م
Search
Close this search box.

تجليات كونية… شمس، قمر وأحجار:

تجليات كونية… شمس، قمر وأحجار:

من مظاهر ألقداسة ألطبيعية والتجليات ألكونية ألرموز، وألمدلول ألديني للحجارة وألدور ألديني للحيوانات  وكذلك العبادات ألشمسية والقمرية.
 لكل واحدة من هذه المجموعات تجليات كونية تكشف بنية خاصة لقداسة ألطبيعة، أو بدقة أكثر، تكشف نموذجا لمقدّس معبّر عنه بطريقة خاصة من وجوده في ألكون، ويكفي على سبيل ألمثال تحليل ألقيم ألدينية ألمختلفة ألمعترف بها للحجارة، كي نفهم ما للحجارة من قابلية لإظهاره للناس بصفتها مقدسات:

إنّها تكشف للبشر ألقوة وألصلابة وألأستمرارية.

فألتجلي ألحجري هو تجلي وجودي بإمتياز:

فقبل كل شيء يبقى ألحجر دائما ذاته، لا يتغير أبدا، وهو يؤذي ألإنسان إذا ضرب به لأنّ له قوّة وقابلية لمقاومة ألكسر وصفة ألإطلاقية للكائن.

إنّ ألطريقة ألمميزة لوجود ألحجر ألمدركة بفضل تجربة دينية تكشف للإنسان ماهية وجود ألمطلق خارج ألزمن ( كمثال تقديس ألحجر ألأسود ألموجود في جدار ألكعبة من قبل ألعرب قبل ألإسلام وبعده).

إنّ تثليث ألأم ألكبرى (عشتار أو إله ألقمر) لجزيرة العرب هو ألذي أدى إلى إنقسامها إلى ثلاثة هنّ أللات وألعزى ومناة، أللواتي كن أعلى آلهة ألعرب شأنا، وكان أسمهن يذكر أثناء الطواف حول الكعبة في تهليلة معروفة يقول مطلعها:

” أللات والعزى ومناة ألثالثة ألأخرى، فإنّهن ألغرانيق ألعلى وإنّ شفاعتهن لترتجى ” وقد ذكر ألقرآن ألكريم في تعريضه بألمعتقد الجاهلي ألشطر ألأول من هذه التهليلة، وفي رواية أخرى تم نسخ ألشطر ألثاني بحجة تدخل الشيطان في مسار ألوحي( أعتمد ألكاتب ألأيراني سلمان رشدي على هذه ألرواية في كتابة روايته ” ألآيات ألشيطانية ” وبسبب نشر هذه الرواية فقد أفتى ألإمام ألخميني بقتله).

لقد عبدت الأم القمرية من خلال رمز الكتلة الحجرية. فالصخر ألذي هو رمز ألأرض هو في الوقت نفسه رمز القمر. وكان لون ألحجر ألذي تعبد فيه عشتار يعكس طورها ألمنير أو طورها المظلم، فألأم الكبرى لجزيرة ألعرب كان لها أكثر من حجر مقدّس، من ذلك الحجر الأسود للآلهة مناة ألذي كانت تعظمه العرب وخصوصا ألأوس والخزرج ولم تزل على ذلك حتى خرج ألرسول من ألمدينة عام ألفتح وبعث عليا فهدم الحجر،

وكان لللات حجر مربع أبيض في الطائف هدمه ألمغيرة بن شعبة.

 

 من مظاهر ألقداسة ألطبيعية ألأخرى ألعبادات ألقمرية، فنتيجة للتقييمات ألدينية للقمر وإدراك ألإنسان للإيقاعات ألقمرية وبفضل ألظواهر ألقمرية، أي “ولادته” و “موته” و”قيامته” شعر ألبشر في آن واحد بطريقة تكوّنهم ألخاص في ألكون وبأملهم بإستمرارية ألحياة أو إعادة ألولادة (عقيدة تناسخ ألأرواح في ألهندوسية وألبوذية، وعقيدة بعث ألأموات يوم ألقيامة في ألدين ألإسلامي).

بفضل ألرمزية ألقمرية توصل ألإنسان ألمتدين لتقريب مجموعات من ألوقائع ألمتباعدة بدون علاقة ظاهرة بينها وأخيرا إدخالها في نسق أو نظام واحد، فبفضل ألرمزية ألقمرية أمكن وضع وقائع متغايرة في علاقة وفي تضامن مثل:

ألولادة، ألمصير، ألموت، ولا يسوغ أن ننسى ما يكشفه ألقمر للإنسان ألمتدين، فليس ألموت متصلا بأللاذوبان في ألحياة فحسب، وإنّما أيضا ليس ألموت نهائيا أو أنّه متبوع دائما بولادة جديدة ( ألبعث وألقيامة).

فألقمر يقيّم دينيا ألمصير ألكوني ويوّفق ألإنسان مع ألموت.

وعلى ألعكس من هذا فألشمس تكشف طريقة أخرى للوجود:

إنّها لا تساهم بألمصير، فهي دوما في حركة، وتبقى لا متغيرة، وشكلها نفسه دوما، فألتجلي الشمسي يترجم ألقيم ألدينية للإستقلالية وألقوة وألسيادة وألذكاء، ولهذا نشهد في بعض ألثقافات عملية تشميس ألكائنات ألعليا.

إنّ عدد كبير من ألميتولوجيات ألبطولية ذو بنية شمسية، فالبطل ألممثل بالشمس يصارع ضد ألظلمات وينزل إلى مملكة ألموت ويخرج ظافرا.

ليست ألظلمات، كما في ألميتولوجيات القمرية واحدة من طرائق تكوّن ألالوهة وإنّما ترمز إلى كل ماليس بإله، إذن إلى الضد بإمتياز. إنّ ألظلمات غير مقيّمة كمظهر ضروري للحياة الكونية، ففي منظور دين شمسي تعارض ألظلمات ألحياة، في ألأشكال وألعقل.

إنّ التجليات ألمنيرة للآلهة الشمسية تصبح في بعض الثقافات العلامة على ألذكاء وقد أنتهى ذلك بتمثيل شمس وعقل لدرجة أنّ أللاهوتيات ألشمسية وألتوفيقية لنهاية العصور القديمة تحولت إلى فلسفة عقلانية:

ألشمس معلنة عقلا للدنيا، وقد وحّد ماكروب في ألشمس كل آلهة العالم اليوناني- ألشرقي، من أبولون وجوبيتر حتى أوزيريس وحوريس وأدونيس ( أنظر ساتورنالات-فصل 1-17-23).

إنّ ألقمر من رموز إله ألخصب ألرافديني عشتار، وإنّ حياة وموت اله الخصب (عشتار وفيما بعد تموز) كانت امورا موحية بأمل غامض وبعيد بإمكانية الخلاص من سيطرة الموت  كما تخلَّصَ منها اله الخصب، فكان تعلّق قلوب العباد بهذا ألمخلّص ألحياتي تعبيرا عن النزوع الإنساني الأبدي نحو الخلود. ولم يكن ظهوره في ضمير البشر إلّا مظهرا من مظاهر صراع الظاهرتين الكونيتين في داخل الإنسان وخارجه، صراع الموت والحياة.

إنّ نمو الديانات البعلية ( ديانات الخصب) واكتسابها غلبة شعبية على الديانات الايلية ( ديانات الآلهة السماوية البعيدة ) هو حالة تالية في تطور الدين والاسطورة، وحالة وسط تحتوي على شيء من التوازن بين الحياة والموت.

امّا المرحلة الثالثة فتمثّل عن حق مرحلة انتصار الحياة على الموت في الدين والاسطورة. فما حصل لإله الخصب مرة سيحصل لكل عباده المخلصين ممن سيدخلون في ديانته، ويلتحقون به من دون بقية ألآلهة. قال السيد المسيح: ( من آمن بي وإن مات فسيحيا). فتحولت ديانة الخصب الى ديانة سرية وتحوّل مخلّصها الارضي الحياتي الى مخلّص روحي باسطا سيطرته من عالم الحياة الى عالم الموت ايضا، مقدما لعباده خلاصا لروحهم من سطوة العالم الاسفل.

لقد بلغ الانتصار على الموت قمته في المسيحية التي اعطت الإنسان بعثا كاملا غير منقوص، حيث يعود الجسد سيرته الاولى بكل تفاصيله واجزائه.

لعل أقتران ألمرأة بألقمر له مايبرره في نظر ألإنسان ألقديم، فكلاهما ينتميان إلى ألمبدأ ألسالب في ألطبيعة والكون، ذلك المبدأ الذي أطلق عليه ألفكر ألصيني ألقديم أسم أل “ين” ويقابله أل “يانغ” ألمبدأ ألموجب ألذي ينتمي إليه كل من ألشمس وألذكر.

من تفاعل هاتين ألقوتين ألمتكافئتين تستمر حركة ألعالم ومكوناته، ألتي تتداخل فيها ألقوتان فتتعادلان أحيانا، وتغلب أحدهما أحيانا أخرى، دون أن تلغي ألواحدة نظيرتها، ففي قبة ألسماء يسود أليانغ وفي ألأرض ألين. في ألماء يسود ألين وفي ألنار يسود أليانغ.

في المرأة يسود ألين وفي ألرجل يسود أليانغ، فألين هو ألعتم، ألظل، الرطوبة، ألغموض. واليانغ هو ألنور ألساطع، ألحرارة،ألجفاف،ألقوة، ألإنجاز، ألوضوح.

كما يحكم ألقمر حياة ألمرأة، فإنّ ألرجل يحكم حياته إيقاع ألشمس، وكما كانت ألأديان ألقمرية أمومية فألأديان ألشمسية كانت ومازالت ذكورية.

فالدين أليهودي دين شمسي ذكوري، وألدين ألمسيحي دين قمري أمومي جاء كرد فعل لقسوة ألدين اليهودي ( مريم =ألأم الكبرى=عشتار وألمسيح = تموز) مع تأثيرات ديانة ميثرا ألفارسية ألتي شاعت عبادته في ألعالم أليوناني ألروماني بعد ألميلاد.

 لقد كافح الدين ألمسيحي كفاحا مريرا ضد الديانات الرسمية للامبراطورية الرومانية ولكن كفاحه الاقوى والامر كان كفاحا صامتا لا عراك فيه ولا دماء ضد الديانات السرية، ولعل اقوى تلك الديانات التي نازعت المسيحية فترة طويلة من الزمن على الفوز بقلوب الناس كانت ديانة (ميثرا) الشديدة الشبه بالمسيحية والواسعة الانتشار في شتى انحاء الامبراطورية الرومانية.

هذا التشابه الغريب بين الديانتين اذهل المسيحيين انفسهم فاعتبروه من صنع شيطان رجيم. وكان الميثرويون يتهمون المسيحيين باقتفاء اثرهم واقتباس معتقداتهم، والمسيحيون بدورهم يردون الاتهام بمثله.

ولعل اثرا من ذلك العراك الطويل ما زال ماثلا حتى ايامنا هذه وهذه بعض الامثلة:

1-العالم المسيحي يحتفل بميلاد المسيح يوم 25 كانون الاول وهو يوم الانقلاب الشتوي حيث تصل الشمس الى آخر مدى لها في الميلان عن كبد السماء، وحيث يصل النهار آخر اشواطه في القصر ويبدا بعد ذلك بالامتداد على حساب الليل. هذا اليوم بالذات أُعتبر دوما في الديانات الشمسية عيد ميلاد للشمس فيه تتجدد قوتها وتستعيد عزمها لمقارعة قوى الظلام..

لقد اقترنت عبادة ادونيس في سورية واوزوريس في مصر في فترات متأخرة بالشمس. فالسوريون ليلة 25 كانون الاول كانوا يحتفلون بمولد ادونيس فيجتمعون في المعابد ويصرخون عند منتصف الليل: ( لقد انجبت العذراء ابنا والنور ينتشر) والمقصود بالعذراء طبعا هو آلهة الشرق الكبرى عشتار او عستاروت التي يدعوها الساميون بالسيدة السماوية او ملكة السماوات، فالعذراء لقبها والعذرية جوهرها رغم كونها آلهة الحب، لانها معطاء دون ان تنقص.

2- عيد الفصح يعطينا مثلا آخر على تبني المسيحية للمناسبات والاعياد الخاصة بديانات الاسرار. فعيد الفصح هو عيد قيامة المسيح من بين الاموات بعد ما عاناه في يوم الجمعة الحزينة على درب الالام وقد تبنت الكنيسة يوم 25 آذار عيدا للفصح، وبذلك يكون بعث المسيح هو بعث ربيعي، شأنه في ذلك شأن آلهة الخصب القديمة والمخلّصين الاوائل وخصوصا اودونيس وآليس الذي كان يحتفل عُبّاده بقيامته فيما بين يوم 24 و 25 آذار.

وبعيدا عن هذين العيدين الرئيسيين فاننا نجد اعيادا وثنية اخرى قد حُورت وأُسبغت عليها الصفة المسيحية، فعيد الآلهة ديانا قد اصبح عيد صعود السيدة العذراء، وعيد الاموات قد اصبح عيد القديسين.

أمّا الام الكبرى او القوة الاخصابية الكونية المتمثلة بآلهة الحب العذراء فقد حلّت محلها السيدة مريم العذراء التي دُعيت بسيدة السماوات وهو اللقب الرئيسي للآلهة عشتار.

وليس الصليب نفسه كرمز للسيد المسيح بالرمز الجديد في عالم الديانات القديمة، فقد اقترن الصليب بعدد من آلهة الخصب الشرقية القديمة، فهو رمز ألاله (أندارا) أحد اشكال الاله بعل او حدد، والصليب ايضا رمز الآلهة الفينيقية (بارات) آلهة مدينة بيروت، واحد اشكال آلهة الخصب عشتار او عشتروت.

إنّ شكل الصليب هو الاصطلاح الدال على الخصب في اللغة السومرية.

 

 

أمّا ألدين ألإسلامي فهو دين شمسي ذكوري وربيبة لليهودية مع تأثيرات ألدين ألقمري ألأمومي لعرب ألجزيرة العربية ( كمثال رمز ألهلال ألمنصوب في قمة منائر وقباب ألجوامع).

مع أنهيار ألثقافات ألأمومية وصعود الثقافات ألذكرية، غلبت الشمس القمر، وتوطدت ألديانات الشمسية السماوية، وراح آلهة الشمس وآلهة السماء ألسامية يبنون أمجادهم بعد معارك حاسمة مع سيدة العتم وأبنها ألثور.

فقتل مردوخ ألأم تعامة في صورة تنين رهيب، ومثله أندارا في ألهند ألذي أرتفع على أشلاء تنينه أيضا، وزيوس في الغرب ألذي قتل ألتنين طيفون أبن ألأرض، وميترا ألفارسي ألذي شاعت عبادته في ألعالم أليوناني ألروماني بعد ألميلاد والذي قتل ألثور ألسماوي فأحلّ نور ألشمس محل ضوء ألقمر.

 

مصادر البحث:

ألمقدّس وألمدّنس…… ميرسيا إلياد

مغامرة العقل الأولى…… فراس السوّاح

لغز عشتار- ألألوهة ألمؤنثة وأصل الدين وألاسطورة…… فراس السوّاح

أحدث المقالات