22 نوفمبر، 2024 2:20 ص
Search
Close this search box.

بين العلمانية والليبرالية…

بين العلمانية والليبرالية…

قد يبدو للبعض ان احدهما مرادف للاخر وهو غير صحيح، بل ويحاول الاسلاميون واخرون لصق احدهما بالاخر من باب التدليس لا أكثر. فالعلمانية مفهوم فلسفي سياسي قديم ومثبت انتفت الحاجة الان لجداله عالميا يقوم على ضرورة فصل الدين عن السياسة بل وربما اتخاذ موقف حكومي سلبي نوعا ما نحو بعض الدين. وقد تأكد نجاحها بلا ادنى شك. وتبنت جميع دول العالم تقريبا العلمانية في دساتيرها منذ حوالي ١٠٠ سنة او اكثر, حتى صارت مفهوما جدليا مندثرا بمعيار اليوم ولاداعي للتطرق له مجددا, ولو في العراق, مثلها مثل مفاهيم الغاء العبودية والرق ومساواة المراة بالرجل والحدود الدولية للبلدان والالتزام بالقانون الدولي والغاء العقوبات الجسدية وغيرها من مسلمات العصر. الليبراليون يتبنوها مثلهم مثل كل المعاصرين.

فقط في بعض دول الشرق الاوسط كالسعودية وايران التي لم يصل نضجها بعد لتبني العلمانية الكاملة او تراجعت في وعيها, كما لم تنضج لتستوعب كثير من مسلمات البشر والعصر الاخرى, قد تبدو العلمانية عندهما كأنها مثار اخذ ورد, ربما كفخ ينصبه البعض لتقويض انجازات العقل البشري الكبرى جميعا وليس العلمانية فقط.

ولان العلمانية كفكرة صارت ماضوية قديمة بالمفهوم الليبرالي الحديث ولانهم يسعون حثيثا لارجاعنا قرونا للوراء، فان الاسلاميين واحزابهم هم من يحاولوا اعادة طرح العلمانية كمفهوم جديد يتطلب الجدال والبرهنة من البداية كخطوة تخلفية ورائية ضمن مشروعهم الكبير لاحياء وتقديس الماضي والتاريخ. وقد يسحبونك للجدال مؤيدا او مناهضا للعلمانية من خلال اسئلة استفزازية على شاكلة: هل تعلم ان صدام وهتلر وستالين كانوا علمانيين؟ كأن في ذلك تقليلا من اهمية وتاريخية العلمانية! التي هي مسلمة لاتقبل الجدال.

الليبرالية مفهوم ارقى واحدث واشمل، لم يعرفها الاسلام ولا صدام ولاستالين ولاهتلر ولا كل فكر شمولي. تقوم على قدسية الفرد وحريته ومساواته واولويته على المجتمع، واحترام عقله وخياراته في دولة مواطنة وعدالة وديمقراطية. تحترم الدين باعتباره احد خيارات البشر المقدسين كبشر لذاتهم مهما كانت خياراتهم الفكرية والعقائدية لا كافكار وخزعبلات يحملونها، لكنها تحلل بل وتوجب نقد خيارات وافكار الناس مهما كانت.

وتسعى الليبرالية لمجتمع مدني بشري قائم على الحقوق بدون واجبات. فثنائية الحق والواجب هي ايضا ارث ديني الهي شمولي قديم يفرض واجبا مقابل كل حق، في حين ان المجتمع المدني الليبرالي هو مجتمع حقوق فقط وبالتبادل. فمقابل حق المواطنة لك هناك حق المواطنة عليك، ونفس الشيء للوظيفة والمدرسة والعائلة والمجتمع وكل مناحي الحقوق المدنية الاخرى. حق لك وحق عليك بلا فوضوية. والواجب هو مبدأ استبدادي اصلا اشتق لمحاربة احد الحقوق او الحريات بشكل او باخر.
 
ومقابل اسطوانة انتهاء الحرية عند حدود حرية الاخرين التي عفا عليها الزمن فان حرية الفرد بالمفهوم الليبرالي الحديث لاتحدها سماءات ولا حتى حرية الاخر. الحرية لها فضاء لا محدود وحتما ستتقاطع مع حريات اخرى, وعلينا التفكير جديا في حلول لفض مشاكل الاشتباك وليس افتراض عدم التقاطع.

اذا حاولت ان تناقش غربيا عن اهمية العلمانية سيستغرب هذه البدائية في تفكيرك وسيحتار في نسبة افكارك لاي قرن مضى، اما اذا طرحت عليه الفكر الليبرالي فانك حينها ستوقعه في حيرة اي صيغها وتطبيقاتها هي الافضل لك وله.

بالمحصلة فان الليبرالية بلا شك تنقل الصراع مع الدين وكل الشموليين الى جبهات وعوالم جديدة تفرض عليهم اسلحة عقلية وزمنية لم يألفوها سابقا، لهذا تراهم يجرونا ثانية الى نقد العلمانية او الدفاع عنها او اعادة طرح مسلمات اخرى توافق عليها البشر, في حين لايستطيعون ان يقدموا حتى مسلمة واحدة غير قابلة للنقد والنقض بكل عقائدهم.

أحدث المقالات