أتخذ قراره, وجمع عياله, ثم أتجه صوب القدر, الذي ينتظرهم جميعهم, أنها نهاية معروفة, لا يمكن أن يكون, لها خيار ثالث, أما وأما, أما الذل وأما الشهادة, تلك محصلة طبيعية, بعد أن تخاذلت أمة, بأكملها عن نصرته, وأرتضت لنفسها المهانة والهوان, فعزم على الخروج , رغم قلة العدة والعدد, فكان أختياره واضحاً, “إني لا أرى الموت إلا سعادة, والحياة مع الظالمين إلا برما”, أنه الضيغم الجنديل, صانع الخلود أبي الضيم, الحسين (عليه السلام).
معظم الأنبياء (عليهم السلام), تنتهي معاناتهم, بعد أن يؤمن من كلفوا, بتبليغهم بالتوحيد, فينتهي دور النبي, بعد أن يتبعه ,نبي جديد وهكذا, ألا أن دور خاتم الرسل ( عليه وعلى أله أفضل الصلاة والسلام), وعطاؤه لم يتوقف منذ, أن تصدى للنهوض بأعباء الرسالة الإسلامية, فقد بذل المال والنفس والأهل, وأمتدت ضريبة, أعباء نشر كلمة, التوحيد لتشمل ذريته المباركة, التي نالت نصيبها ,من القتل والتنكيل.
في عهد الرسول الأكرم (عليه وعلى آله الصلاة والسلام), ونتيجة لقوة الدولة الإسلامية, أختار الخوارج والمنافقين, أن يدخلوا الإسلام, خوفاً على أنفسهم ومصالحهم, وبقي أبناء الطلقاء, يتحينون الفرص, ليغرسوا أنيابهم في كبد النبوة, أنى تمكنوا من ذلك, فكانت معركة, الطف الفرصة التي, أنتظروها طويلاً, بعد معارك مستمرة كسرت, فيها شوكتهم في عهد ,أمير المؤمنين علي أبن طالب (عليه السلام), أعتقاداً منهم أن, الطف ستمحو ,ذكر محمد وآله (عليهم الصلاة والسلام), فأنقلب السحر عليهم, فكانت الطف ثورة ,قلعت عروشهم الخاوية من جذورها, وبدأت رحلة الحسين (عليه السلام) نحو المجد.
بعد إستشهاد الإمام علي, ومن بعده أبنه الحسن (عليهما السلام), تخاذلت الأمة عن نصرة الدين, وإرتضت لنفسها الذل, وتخلى الناس عن التصدي, لطاغية العصر يزيد, وأرتضوا أن يحكمهم الخمار, ويؤمهم في الصلاة القمار, من هنا قرر سيد الشهداء (عليه السلام), أن يعلنها صرخة , لا زالت تدوي في أذان, الدهر على مر العصور “مثلي لا يبايع مثله”, فكان ثورته (عليه السلام), ضرورة لا بد منها لدك عروش الباطل, وسحق رؤوس الطغاة, فجاد بالنفس والمال والولد, وحققت ثورته المباركة أهدافها.
لم تكن ثورة الحسين (عليه السلام) ثورة تقليدية, لأن الثورات تأخذ وقتها وتندثر وربما تنحرف, عن مساراتها, وتصبح مجرد شعارات, تتداولها الألسن, أما ثورة الحسين (عليه السلام), لم تخلد فقط بل أنها, أصبحت نهراً يروي, كل ظاميء للحرية والكرامة, رغم أن صاحبها مات عطشاناً, وذلك لأن معظم الثورات, تقوم لغايات دنيوية, فيحسب أصحابها, مالهم وما عليهم, قبل أن يصنعوا تلك الثورات, على أن يكون أن يكون الدم ,أخر الاثمان التي يمكن أن تقدم.
أما الحسين (عليه السلام), فكانت ثورته, خالصة مخلصة للخالق, فلم تكن له غايات ومنافع, بل أنه يعرف جيداً قبل, أن يخرج أنه مقتول لا محالة, فثورته ينبوع عطاء لا ينضب, فقدم كل ما لديه النفس والأبن والولد, من أكبر فرد في العائلة, لغاية رضيع عمره أشهر معدودة, رؤوس تُحمل على القنا, وأجساد على الأرض, بلا غسل ولا كفن ولا دفن, وصدر تحطم تحت سنابك الخيل, و أوصال مقطعة, وأصبع مقطوع, خيام محروقة, وأيتام تأن من العطش, والجوع والخوف.
أما ما تبقى من العائلة, تم أقتيادهم سبايا, ومنهم من مات حزناً, أثناء الطريق, ومنهم من سحقته حوافر الخيل.
عطاء ما بعده عطاء, قدمه الثائر الشهيد, لرب كريم, فكان عطاء الباري, لعبده الذي قدم في, سبيله كل ما يملك, فوز في الدنيا والأخرة, فالموت والأيام كفيلة بمحو ذكر, بني آدم من, صفحات الذاكرة, لكن الخالق أراد للحسين (عليه السلام) أن يهزم الموت, في عقر داره, فأصبح ترنيمة عشق, ترددها قلوب العاشقين, ولم يشرب الحسين (عليه السلام), من كأس الخلود, بل أن الخلود ينهل, ويرتوي من أنهار, وأسرار العشق الحسيني الخالد.