“حبايب” هو العنوان الذي أقترحه لصورة وزير خارجية العراق السيد إبراهيم الجعفري وهو يمسك بيد وزير خارجية السعودية سعود الفيصل. وإذا توسعنا قليلا في عنونة الصورة، فسنقول إنها حصيلة مباحثات بين البلدين الشقيقين أدت إلى تصفير المشكلات بينهما.
والعلاقة المتميزة والمتوازنة بين العراق وجيرانه العرب وغير العرب هي ظاهرة صحية في ملف العلاقات الخارجية، وهي خطوة تحسب للسيد الجعفري لو كانت السعودية بالفعل تسير على إيقاع الرجل الذي بدت الغبطة واضحة على محيّاه وهو يسير جنب الفيصل أو “الرجل الهزاز” كما يطلق عليه المعارضون السعوديون. لكن ما يبطنه الفيصل هو غير ما يعلنه الجعفري. فمن خلال احتضانها لمؤتمر مكافحة الارهاب، ومشاركتها الفاعلة في مؤتمر باريس الذي عقد لذات الغرض، تبتغي السعودية إبعاد خطر الارهاب الذي بدأ يقترب من أراضيها، وليس ثمة طريقة لتحقيق هذا الهدف سوى حصر ناره ضمن الدائرة العراقية السورية، ولا ضير بتصدير الفائض منه إلى لبنان.
تلك هي عقيدة بندر بن سلطان الذي يمسك بالملف العراقي ويغذي مرجل الارهاب فيه بكل السبل اللازمة. الرجل الذي فشل بالرهان على إسقاط نظام بشار الأسد، خسر الكثير من أسهمه بين أوساط جماعات الضغط في واشنطن، ولم يكن أمامه سوى محاصرة دمشق من عمقها الاستراتيجي المتمثل في الأراضي العراقية. وإذا كان الأسد لم يلعب حتى الآن أهم أوراقه في الحرب، ولم يستثمر علاقاته مع حلفائه في موسكو وبكين وطهران إلى حدها الأقصى، فإنه أعلن الحرب من جانبه بعد ما يزيد على ثلاث سنوات من اشتعالها على الأرض السورية.
الأسد الذي ظهر السبت مع السيد حسن نصر الله بزيه العسكري بعث برسالة واضحة إلى العالم تزامنت مع ثلاثة أحداث مهمة، الأول هو تراجع مقاتلي تنظيم داعش عن مدينة عين العرب “كوباني” التي تستمد أهميتها الاستراتيجية تركياً ليس من خلال قربها من الحدود كما تذهب معظم التحليلات السياسية، بل من كونها عقدة التهريب بين تركيا وسورية، تهريب البضائع السورية إلى تركيا، وتهريب المقاتلين العرب والأجانب من تركيا إلى الأراضي السورية. الحدث الثاني الذي لا يقل أهمية عن سابقه هو حالة الغليان التي تشهدها المدن التركية ولاسيما المناطق الكردية التي تنذر بثورة لا تنطفئ شرارتها إلا بتحقيق الاقليم الكردي في تركيا على غرار الاقليم الكردي شمالي العراق ومشروع الاقليم المماثل في شمال شرق سوريا. ولعل أردوغان يعي عمق العلاقة السابقة بين دمشق وزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان والتي ستعود إلى سابق دفئها بفعل حاجة الطرفين إلى التخادم السياسي فيما بينهما. الحدث الثالث، وهو الأهم، يتمثل في سيطرة الحوثيين على معبر الطوالة السعودي، والرياض قبل غيرها تعرف أن قرار اجتياح الحوثيين للمملكة جاهز، إذا استمرت الرياض بعبثها بالملف السوري وواصلت المشاركة في تدريب المعارضة السورية، خصوصا وأن المناخ الدولي يسمح بهذا الأمر بعد أن وضعت المملكة على جدول الدول المشمولة بخطط الخراب والتقسيم.
وزير الخارجية السيد الجعفري لم يتمكن على ما يبدو من قراءة هذه المعطيات، وبظل غياب ثقافة المستشارين والمكاتب المتخصصة ومراكز الدراسات في وزارة الخارجية، فان الجعفري تصرف كعادته تحت هاجس إرضاء الرياض كمدخل لارضاء واشنطن، وربما حاول ايصال رسالة إلى طهران مفادها أنه قادر على لعب الوسيط بينها والمملكة. لكن إيران التي تعي شروط اللعبة جيدا، اتخذت خيار الضرب تحت الحزام عبر حلفائها، سواء السوريين أو الحوثيين أو حزب الله اللبناني، غير معولّة كثيرا على حلفائها من الأحزاب الاسلامية العراقية الذين سقطوا في أول اختبار قوة حقيقي أمام تنظيم داعش في الموصل وغيرها.
السيد الجعفري الذي قوّله مترجم مؤتمره الصحفي المشترك مع وزيرة خارجية استراليا ما لم يقله، أثبت أنه لا يجيد اللغة الانكليزية، وإجادتها من الأعراف الواجب توفرها في من يتم اختياره لمنصب وزير الخارجية. لم يتمكن أيضا من قراءة الرسالة التي حاول الفيصل ارسالها إلى المجتمع الدولي عبر صورته مع الجعفري والتي مفادها ان الرياض بريئة من دم العراقيين، وكان الأولى بوزير خارجية العراق إرسال تهديد، ولو مبطن، إلى السعودية وتركيا وإيران بالكف عن العبث بالملف الأمني العراقي وإلا سيلجأ العراق بتحويل الملف إلى مجلس الأمن، كما هدد سلفه زيباري بأمر من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي دمشق إبان تفجيرات الأربعاء الأسود.
ما لم تكن قويا وواعيا لقواعد اللعبة الاقليمية والدولية ستفقد احترام الحليف قبل الخصم. والدبلوماسية هي الفيلق الذي يتصدى للحجابات الأولى في المواجهات بين الدول. وبما أن السيد الجعفري يفتقد الخبرة في إدارة الدبلوماسية العراقية، أنصحه بأن يحذو حذو الاخوة الكرد حين لجأوا إلى تبادل مواقع السيدين زيباري ونور شاويس، ولا ضير أن يعود السيد الجعفري إلى رئاسة كتلته البرلمانية ويفسح المجال لمن هو أكثر منه كفاءة في إدارة ملف العلاقات الخارجية العراقية.