اخيرا تصاعد الدخان الابيض من قبة البرلمان بعد اربع سنين عجاف قضيناها كسنين يوسف بين “جر وعر” على صعيدي اختيار وزيرين اصيلين للدفاع والداخلية وليس زراعة الحنطة وتربية الابقار. واذا كان من حقنا كمواطنين صالحين كان بمقدورنا الانتظار 40 سنة اخرى بدون حتى وزير سياحة ان نتساءل ان كان بمقدورنا ان ننام من الان فصاعدا رغدا؟ وهل يكون بمقدور “المسعدة” ان تنام “وتكول مدري به”؟ ام تبقى حكاية الواوي والذيب تلاحقنا كظلنا ابد الدهر؟ لا اعتقد ان احدا بوسعه التصدي للاجابة عن هذا السؤال واسئلة اخرى لاتقل اهمية لعل من بينها السؤال الخالد .. لماذا فشلت نفس الكتل وعلى مدى اربع سنين ماضية في اختيار الوزيرين بينما نجحت خلال شهر ونصف من حسم هذا الملف الشائك؟ الاجابة التي تبدو مقنعة اكثر من سواها ان خطر داعش 2014 يقل كثيرا عن خطر القاعدة 2010؟ لنقر ان هذه الاجابة فيها ” باب وجواب” لجهة كون المخاطر توحد الجميع بمن في ذلك المختلفين.
لكن هل هذه هي القاعدة الذهبية التي انطلقت منها الكتل السياسية في التوافق على الوزيرين حتى بافتراض ان هناك ضغوطا اميركية مورست على الجميع بالتزامن مع الحلف الدولي ضد داعش؟ يبدو لي ان المعطيات على ارض واقع الخلافات والمناكدات لاتذهب كثيرا مع هذا التحليل او الاستنتاج. فالولايات المتحدة الاميركية كانت قد ضغطت عام 2010 بالكيفية التي رات فيها النور الحكومة السابقة. كما كانت لها بصمتها الواضحة في “اتفاقية اربيل” التي سرعان ما حولها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الى “عصا” يهش بها على خصومه من زاوية ان هذه الفقرة اوتلك لاتتماشى مع الدستور. الاميركان انذاك لم يضغطوا فقط بل كانوا موجودين بقضهم وقضيضهم في العراق (انسحيوا اواخر عام 1011). فالقصة اذن ليست قصة توافق ادى في النهاية الى سرعة اختيار وزيرين اصيلين للدفاع والداخلية بعد اقل من شهرين من نيل الحكومة الثقة لاسيما ان هناك انقساما سياسيا ومجتمعيا خطيرا وليس انسجاما او توحيدا في المواقف والرؤى. والواقع ان التشبث بهذه الوزارة الامنية دون تلك من قبل الفرقاء السياسيين لا علاقة له بالمخاطر التي تتعرض لها البلاد بقدر ماله علاقة بالمخاوف التي تنتاب الكتل من بعضها البعض. ما اريد قوله انه بالقدر الذي نامل فيه خيرا باستكمال الكابينة الوزارية بحقائبها الاهم (الدفاع والداخلية) وبما يؤدي الى المساهمة الجادة في استتباب الامن والامان للمواطن فان المخاطر والمخاوف تبدو متساوية ومتناغمة معا. فالمخاطر التي نواجهها من قبل تنظيم داعش وهي مخاطر تعدت العراق الى المنطقة والعالم لايمكن الاستهانة بها فضلا عن انها فوق قدرة وزيري الدفاع والداخلية. اما المخاوف التي تبرز جراء الانقسامات الحادة في المواقف والاتجاهات والرؤى بمن في ذلك الكيفية التي يجب ان نواجه بها الارهاب تجعل من مهمة الوزيرين الاصيلين من اصعب المهام. والامر في النهاية يتطلب رؤية موحدة لادارة الملف الامني تتعدى المحاصصة في الاختيار وتضع المخاطر قبل المخاوف. فاذا كان وزير الدفاع سني ووزير الداخلية شيعي فانه ينبغي النظر الى الملف الامني على انه .. عراقي.