18 ديسمبر، 2024 8:35 م

جاءت الثورة الايرانية في 11 شباط 1979، وقد کانت الانظمة الدکتاتورية و ذات الطابع العسکريتاري الشمولي في المنطقة تهيمن على مقاليد الامور، ولم يکن هناك نظام واحد من بين کل تلك الانظمة يمکن إعتبارها على مسافة ولو شبه قريبة من الديمقراطية و الاعتراف بالمباني الاساسية لحقوق الانسان، وقد کان النظام الملکي المنهار في إيران أيضا، نظاما دکتاتوريا قمعيا بمعنى الکلمة، لکن سقوطه المدوي هز کيان الانظمة العربية و جعلها ترتعد خوفا و فرقا من هذا التغيير الکبير و الاحتمالات و التداعيات التي قد تنجم عنه، بل وان هذه الانظمة قد بدأت تأخذ إحتياطاتها اللازمة في سبيل الوقوف بوجه عاصفة التغيير إن هبت بوجهها و طفقت تمارس المزيد من القمع و التنکيل ولاسيما ضد کل شخصية او إتجاه اسلامي او تفوح منه رائحة اسلامية.

النقطة المهمة التي لابد من توضيحها هنا هي أن التهديد بالتغيير من قبل النظام الايراني، بقي دائما في إطار نظري بحت و لم يتم تفعيله او ترجمته على أرض الواقع، هذا إذا وضعنا جانبا بعضا من التدخلات ذات الطابع العقائدي في الشؤون الداخلية لدول المنطقة نظير إرسال افواج من العقائديين الى الحج و قيامهم بتظاهرات هناك تمس أمن و استقرار السعودية، أو إقامة يوم القدس العالمي في آخر جمعة من شهر رمضان بکل عام من أجل إحراج الانظمة العربية أمام شعوبها و جعل هذا النظام هو البديل الجاهز لتحرير فلسطين، او طرح مفاهيم من قبل اسلام حقيقي أصيل و اسلام أمريکي او اسلام مزيف، وطبعا الاسلام الحقيقي هو اسلام نظامهم أما الاسلام المزيف فهو الاسلام المتبع في بلدان المنطقة، لکن و عندما بدأت أحداث الربيع العربي تقرع أبواب الانظمة العربية القمعية و طفقت تتساقط الواحدة تلو الاخرى، حاول النظام الايراني إحتواء هذا التغيير الحساس عبر اساليبه الملتوية، إلا أن رياح التغيير کانت أقوى و أکبر هذه المرة بکثير من محاولاته المشبوهة التي تساقطت کأوراق الخريف أمام المد العارم الذي کان يجتاح بعضا من بلدان المنطقة، ولذلك فلم يملك النظام الديني بدا من اتخاذ مختلف الاحتياطات اللازمة و الضرورية للوقوف بوجه عاصفة التغيير القادمة خصوصا بعدما شملت حليفه الاساسي في المنطقة أي النظام السوري، بل و الاهم من ذلك أن مختلف الاوساط السياسية و الاعلامية توقعت أن يشمل الربيع العربي إيران کمحطة نهائية له، وهو ماأثار الرعب في نفوس قادة النظام الايراني ولذلك فقد ألقوا بکل قواهم و طاقاتهم من أجل الحيلولة دون سقوط نظام بشار الاسد إذ ان سقوط هذا النظام يعتبر بداية العد التنازلي لسقوط و زوال نظامهم.

تحسب النظام الايراني من قرب سقوط النظام السوري و تأثيرات و تداعيات ذلك الحدث على مستقبل بقاءه، لم يکن کافيا لحصانته من عواقب الزمن حيث أن إضطرار الولايات المتحدة الامريکية الى الرضوخ أخيرا لمنطق الحق و العدل و شطب منظمة مجاهدي خلق من قائمة الارهاب بعد خمسة عشر عاما من مجافاة الحق و الانصاف، کان بمثابة صدمة استثنائية بالغة القساوة نزلت على رأس النظام کصاعقة غير متوقعة تماما، خصوصا وان النظام الايراني و بواسطة لوبيهم النشط في واشنطن سعوا و بمختلف الطرق و طوال الاعوام الماضية الماضية للحيلولة دون قيام الولايات المتحدة بشطب اسم منظمة مجاهدي خلق من قائمة الارهاب الامريکية إلا أن جهودهم ذهبت أدراج الرياح و لم تجد نفعا أمام التقدم الجارف و الکاسح للمنظمة التي تمکنت خلال الاعوام الاخيرة و بجدارة تثبط عليها من دفع دول الاتحاد الاوربي الى الاقرار بحقانية قضيتها و شطبها من قائمة الارهاب لديها، کما انها نجحت في نفس الوقت في إيصال صوت الشعب الايراني و قضيته العادلة في التطلع الى نيل الحرية و الديمقراطية

و العدالة الاجتماعية الى أذهان المجتمع الدولي، ولذلك فإن النظام الايراني وجد نفسه أعجز مايکون أمام هذا المد العارم الذي أکتسح مخططاته الواهنة کنسيج العنکبوت، حتى وجد نفسه أخيرا وجها لوجه أمام ذلك الخصم العنيد الذي طالما تحاشاه و هرب من مواجهته و استعاض بدلا من ذلك بالمخططات و المؤامرات الخبيثة و شراء الذمم و الصمائر أملا في إسکات صوت الحق و دفن قضية الحرية التي هي اساسا قضية حياة أو موت بالنسبة للشعب الايراني.

اليوم و بعد الاحداث و التطورات و المستجدات الاخيرة و إسدال الستار على عهد اوباما الذي إستغله النظام الايراني الى أبعد حد، وبعد سلسلة المواقف و المتغيرات الدولية و الاقليمية و الايرانية الداخلية، فإن الحديث قد کثر عن إحتمالات هبوب التغيير على إيران و رسم ملامح مشهد جديد للخارطة السياسية في إيران، وإن إزدياد و تصاعد الاحتجاجات و الاعتراضات الشعبية الداخلية و إتساع دائرة النشاطات و التحرکات السياسية لمنظمة مجاهدي خلق على الصعيد الدولي مضافا إليه العوامل السابقة، من شأنه أن يعجل بالتغيير الايراني قبل حلول موسمه بفاصل زمني ملفت للنظر.