كتبت – سماح عادل :
نظمت سفارتا “فرنسا” و”تونس” بليبيا مهرجان “من أجل ليبيا”، وذلك بالتعاون مع المعهد الثقافي الفرنسي ومشاركة شبكة ليبيا المحلية ومعهد البحوث المغاربية المعاصرة والبعثة الأثرية الفرنسية ومتحف اللوفر، حيث أقيم ليومين 11، 12 آذار/مارس 2017 بمقر المعهد الفرنسي الثقافي بتونس.
الموروث كجامع شعبي
اشتمل المهرجان على فاعليات ثقافية وفنية متنوعة ذات طابع ليبي، حيث توزعت بين الفن التشكيلي، وركن “المقهى الثقافي” الذي عرض أعمال المبدعين الليبيين والتعريف بآخر إصداراتهم، بالإضافة إلى الموسيقي الليبية “فلكلور، زكرة، طوراق، راب ليبي”، وتنظيم لقاءات مع كتاب وشعراء ليبيين ومعرض للرسوم والخط العربي والصور الفوتوغرافية والفن المعاصر، كما شهد المهرجان فقرات عن فنون الطبخ الليبي وفواصل موسيقية ليبية.
صرح مدير متحف طرابلس “محمد فكرون”، لصحيفة “ليبيا المستقبل”، أن المهرجان يعد دعم للشعب الليبي الذي تشتت اهتماماته في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي الذي تمر به ليبيا، في محاولة للفت انتباهه بأن “هناك محور يجمع الليبيين وهو الموروث الثقافي الليبي”، مشيراً إلى أن المهرجان دارت كل جلساته ونقاشاته وموائده المستديرة، حول الثقافة والهوية الليبية.
وأعرب فكرون، عن تقديره لما يقوم به المثقف الليبي في ظل الظروف التي تمر بها البلاد والصعوبات التي تعترضه وإلتزامه بالاستمرار في إبداعه لإثراء المشهد الثقافي الليبي.
حضور ملموس للتشكيليين
شارك في المهرجان عدد من الفنانين والمبدعين الليبيين، في مجالات الرسم والكتابة والنحت، وصرح الرسام “محمد الأمين” أنه دعي للمشاركة في المهرجان من القائمين على تنظيمه، وشارك فيه بعرض لوحات فنية ومنحوتات قام بتشكيلها من بقايا الرصاص الذي استعمل في الحروب، حاول أن يجعلها منحوتات فنية جميلة، ليقاوم من خلالها فكرة الحروب ويؤكد على أنه يمكن خلق الفنون والإبداعات من رحم العنف وأسلحته ورصاصه.
تقول الفنانة المتخصصة في أعمال السيراميك “هادية قانه”، أن مشاركتها تتمثل في عرض “الزردة” وهو عبارة عن تركيب أرضي من السيراميك ومسحوق، مشيرة إلى أنها بفنها طرحت موضوع هام وهو ثورة شباط/فبراير2011، موضحة أن “الحسيرة” التي اعتمدتها في عمل “الزردة” صورت ما حدث في الأشهر الأولى من ثورة شباط/فبراير2011، حيث حملت مقولات متعددة على غرار “دم الشهداء ما يمشي هباء”، مشيرة إلى أن عملها صنع من النفايات التي شكلت في أعمال خزفية حملت في طياتها أسماء شهداء من الثورة، مبينة أن المطبوعات التي تضمنها العمل ووضعت على الأرض صنعت من “الغبار”.
وعلقت “قانه” على المشهد الثقافي الليبي الراهن، حيث رأت أنه في “تحسن ملحوظ”، كما اعتبرت أن الجيل الجديد هو “الأمل”، مشددة على دور المرأة الليبية التي تعاني من الإقصاء.
الممتلكات الثقافية الليبية المهددة
كما اشتمل المهرجان على جلسات علمية بمشاركة رئيس متحف اللوفر بفرنسا “جون لوك مارتيناز”، وعدد من الباحثين الليبيين والفرنسيين ممن شاركوا في البعثة الأثرية الفرنسية في ليبيا، وقدمت الجلسات معلومات مدعومة بالصور وبالرسوم التخطيطية عن المخزون التراثي الهائل المنتشر بين المدن والقرى، وموجود في أعماق البحر ضمن اكتشافات توصلت إليها البعثة.
كما أقيم معرض بعنوان “القائمة الحمراء للممتلكات الثقافية الليبية المهددة بالخطر”، وهي مجموعة من المواقع الليبية المصنفة عالميًا على لائحة “اليونسكو” للمواقع المهددة بالخطر، وتم استعراض عمليات الترميم التي شملت بعض المواقع، وكذلك الجهود لحفظ قطع آثرية مهددة بالتهريب.
وضمن الفاعليات أيضاً محاضرة عنونت بـ”المقهى الأدبي”، حيث عرض عدد من المبدعين آخر أعمالهم، وحضر كل من المحامي والكاتب الليبي “مفتاح قناو” الذي كرس الكثير من وقته لكتابة القصة القصيرة والمقالات الأدبية، والكاتب الليبي “عمر أبو القاسم الككلي”، الذي تحدث عن كتاباته التي صورت معاناته اليومية كسجين سياسي ورصد هذه المعاناة بتقلب ألوانها وعنفها وفكاهتها، بالإضافة إلى الروائية والشاعرة الليبية “نجوى بن شتوان” التي تحدثت في مداخلتها خلال المحاضرة عن روايتها الأخيرة “زرايب العبيد” المرشحة للقائمة القصيرة في جائزة البوكر للرواية العربية، والتي تناولت فيها قضية إجتماعية مسكوت عنها في المجتمعات العربية عامة والليبي خاصة وهي قضية الرق والتمييز العنصري، إلى جانب تحدثها عن عملها القادم الذي سترصد فيها البيئة الأوروبية وثقافتين أوروبيتين مختلفتين.
وفي المقهى الثقافي شارك كل من الشاعرين الليبيين “جمعة الفاخري” و”خالد درويش” بجلسة أدبية “، وقدم الفاخري قصيدة “هي ليبيا” وبعض قصائد الهايكو، أما الشاعر خالد درويش فقدم قصيدة “أنا الليبي متصل النشيد”.
وكتب الفاخري تدوينة على حسابه الشخصي على موقع “فيس بوك”: “قدمت أنا وصديقي الشاعر خالد درويش حوارًا ثقافيًّا ممتعاً عن الإبداع الليبي، مع إنشاد نماذج من أشعارنا، فضلاً عن تقديم مقتطفات من ورقتي الموسومة بـ”على إيقاع الرصاصِ والقَصائد، استدعاء لقصائد شعبية علا إيقاعها إيقاع الرصاص”، وتفاعل الحضور تفاعلاً جميلاً مع ما قدم من اختيارات والقراءات الشعرية المتنوعة، كما تحدثنا عن الراهن الليبي المؤلم والمعقد بشقيه الإبداعي والسياسي ودور الثقافة في إزاحة ركام الجهل ونبذ العنف والاقتتال والعداوات، وترسيخ ثقافة الحوار وقبول الآخر وتحكيم العقول لأجل النهوض بوطننا المنكوب”.