لايزال العراقي يبحث عن ضمانات عمل في القطاع الحكومي، برغم أن المتغيرات التي شهدتها البلاد بعد 2003 ، لم تقف عند حدود الشكل السياسي للحكم، بل طرحت النظام الإقتصادي المعروف بإقتصاد السوق، بديلاً عن النظام الإشتراكي الذي كان سائداً، بقشوره وليس بجذوره، والذي أثقل كاهل القطاع العام، بعد أن حوّل كل النشاطات الإقتصادية اليه، ليس لتحقيق الهدف الإشتراكي الذي كان يتبناه الحزب الحاكم يومذاك، بقدر ماهو إحكام السيطرة على مجمل الفعاليات الإقتصادية، وربط حركة المواطن بالدولة بمعناها السلطوي، وبالتالي يضمن ولاء المواطن للنظام الحاكم،
تبعاً لفكرة العمل والدخل الذي تملكه السلطة، وتشترط عليه الإنتماء لمنهجها وايديولوجيتها كأساس للقبول بالوظيفة.
لكن، النظام الجديد، وبعد أكثر من عشر سنوات، لم يستطع، أن يحقق فكرة الإنتقال الى إقتصاد السوق، مثلما لم يستطع الخروج من هيمنة القطاع العام في مجال سوق العمل، وذلك نتيجة ضعف فعالية القطاع الخاص، إضافة الى غياب التشريعات المتعلقة بالعاملين في هذا القطاع، الى جانب فقدان المغريات التي ممكن أن تدفع ببعض الخريجين الى إختيار وظيفة في شركة أهلية، بدلاً من وظيفة حكومية ، إذا إفترضنا أن الخيارات متاحة أمامهم، والا واقع الحال لايسمح بالإختيار في ظل البطالة المتغلغلة في المجتمع العراقي، والتي يمكن إجراء مسح ميداني عليها من خلال الأعمال
المشاهدة في الشارع، والتي تشكل ظاهرة للبطالة المقنعة، سواء بكثرة التاكسيات، أو الباعة الجوالين، والبسطيات، والعمالة التي تخلفها الأزمات التي تعانيها البلاد، من باعة البنزين على الأرصفة، ومشغلي المولدات، وعمال الصيانة ، ومد الأسلاك الكهربائية، مروراً بالمتسولين، وأطفال الشوارع، الذين أجبروا على طلب الرزق، عند التقاطعات المرورية، كباعة أو منظفين .
وإزاء، هذا المشهد، لم يعد بإمكان العراقي، أن يختار، لذا تراه يقبل بأية فرصة عمل تؤمّن له دخلاً معقولاً، وأحياناً كثيرة، من دون المعقول، ولعل هذا ناتج عن إستغلال رب العمل له، ولاسيما أن الإستغناء عنه ممكن في أية لحظة، لأنه لايوجد أصلاً، قانوناً يحفظ حقوقه وإستحقاقاته، الوظيفية في القطاع الخاص.
ومن هنا تبرز حالة الخوف، إذ لم يعد الحرص على وظيفة حكومية، محصورة بضمان الراتب التقاعدي الذي يتقاضاه بعد خدمة محددة قانوناً، وإنما تعّرض الموظف في القطاع الخاص الى قرار مفاجيء وفوري بإنهاء خدماته، من دون حتى التفكير بإعطائة مهلة للحصول على عمل بديل، وكأن هذا الموظف، مجرد عامل سخرة، أو بالأجرة اليومية، يستغني عنه صاحب العمل متى شاء وتحت أية ذريعة.
بعض المؤسسات والشركات الأهلية، تحاول أن تستغل حاجة موظفيها أبشع إستغلال، فتؤخر صرف رواتبهم، أو تقلصها، بحسب قناعات ملاكها والمسؤولين فيها، من دون أن يكون هناك معترض، لانه يعرف حيداً أن قرار فصله سيكون أسرع من أية كلمة إحتجاج تخرج منه.
وعليه لابد من إعادة نظر في هيكلية النظام الإقتصادي العراقي، المشوه في الأصل، لتحديد توجهه، إقتصاد عام، أو خاص، أو مزدوج، أو أي نظام آخر ممكن إبتكاره، المهم أن يحفظ حقوق الموظفين والعمال، ويحقق لهم الإستقرار المادي والضمان المعيشي، من دون تهديد أو وعيد أو إستغلال.