“من خطبة لمولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام”
{ أمّا بعد ، فانّ الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه اللّه لخاصّة أوليائه * و هو لباس التّقوى ، و درع اللّه الحصينة ، و جنّته الوثيقة ، فمن تركه رغبة عنه ألبسه اللّه ثوب الذّلّ ، وشمله البلاء ، و ديّث بالصّغار و القماء ، و ضرب على قلبه بالأسداد ** ألا و إني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا و نهارا ، و سرّا و إعلانا ، و قلت لكم : أغزوهم قبل أن يغزوكم فو اللّه ما غزى قوم في عقر دارهم إلاّ ذلّوا فتواكلتم ، و تخاذلتم حتّى شنّت الغارات عليكم ، و ملكت عليكم الأوطان ، و هذا أخو غامد و قد وردت خيله الأنبار ، و قد قتل حسّان بن حسّان البكرىّ ، و أزال خيلكم عن مسالحها ، و لقد بلغنى أنّ الرّجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة ، و الأخرى المعاهدة ، فينتزع حجلها و قلبها و قلائدها * ما تمتنع منه إلاّ بالاسترجاع و الاسترحام ، ثمّ انصرفوا وافرين ما نال رجلا منهم كلم ، و لا أريق لهم دم ، فلو أنّ امرءا مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما ، بل كان به عندى جديرا ، فيا عجبا و اللّه يميت القلب و يجلب الهمّ اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم و تفرّقكم عن حقّكم فقبحا لكم و ترحا ، حين صرتم غرضا يرمى ، يغار عليكم و لا تغيرون ، و تغزون و لا تغزون ، و يعصى اللّه و ترضون ، فإذا أمرتكم بالسّير إليهم في أيّام الصّيف قلتم هذه حمارّة القيظ ، أمهلنا يسبّخ عنّا الحرّ ، و إذا أمرتكم بالسّير إليهم في الشّتاء قلتم : هذه صبارّة القرّ أمهلنا ينسلخ عنّا البرد ، فإذا كنتم من الحرّ و القرّ تفرّون فأنتم و اللّه من السّيف أفرّ ، يا أشباه الرّجال و لا رجال حلوم الأطفال ، و عقول ربّات الحجال ، لوددت أنّى لم أركم و لم أعرفكم * قاتلكم اللّه لقد ملأتم قلبي قيحا , وشحنتم صدرى غيظا …..وأفسدتم علىّ رأيي بالعصيان و الخذلان ، حتّى قالت قريش : إنّ ابن أبى طالب رجل شجاع ، و لكن لا علم له بالحرب * للّه أبوهم و هل أحد منهم أشدّ لها مراسا ، و أقدم فيها مقاما منّى ؟ لقد نهضت فيها ، و ما بلغت العشرين ، و ها أناذا قد ذرّفت على السّتّين ، و لكن لا رأى لمن لا يطاع..}…
هذه الخطبة من أشهر خطب العرب والمسلمين في الجهاد … أشار فيها أبو الحسن {ع} إلى فضائل الجهاد ترغيبا فيه ،وما هي النتائج التي تترتب على من ترك الجهاد … وقد أكد على كلمة باب من أبواب الجنة .. وإنها لباس التقوى ودرع الله الحصينة ..لانّ الإنسان يتّقى العدو بالترس , فيشير أمير المؤمنين إن التترس من عذاب القبر وعذاب الآخرة ينجلي عن المجاهدين وجاءت كلمة ( ديث بالصغار ) فكلمة ديث هي الذل .. والصغار ذل معه ضيم ..
و القماء : معناها الحقارة و الذّل أيضا . كقوله تعالى : ( وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ ) نقول فلان سامه خسفا أي : أولاه ذلاّ . هذه الصفات كلها تحدث لمن ترك الجهاد حسب قول الإمام أمير المؤمنين {ع} . و قوله : لا رأى لمن لا يطاع ، مثل ، قيل : أول من سمع منه هو عليه السّلام .
موضوع الجهاد مرتبط ارتباطا وثيقا بصفة الإيمان, هي من الصفات المحببة لكل مسلم , يسعي لتحصيلها والوصول أليها , غير إننا لا نعرف الاهتداء الى هذه الصفة فنجد الساعي للإيمان لا يمتلك الصفات الأساسية لها، كثير منا من يفهم الإيمان على انه اعتقاد,, صلاة وصوم وعبادات وغير ذلك من الأمور الشرعية … هذا صحيح منزلة قليلة من الإيمان عند الله لأنها سهلة ويسيرة ….والواقع إن الإيمان لا يمكن أن يفهم هذا الفهم البسيط … لأقرب لك مثلا الآن … الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الغربية لا يهمها عدد المصلين والصائمين , وهي تشجعهم على الصلاة والصوم , وتنقلهم بأحدث الطائرات إلى مكة والمدينة المنورة .. وتتبرع لهم بأموال لبناء جوامع في أوربا وأمريكا .. وكل مكان … إذن لابد من البحث عن البرنامج الذي يوصلنا إلى فهم الإيمان على حقيقته، باعتبار ان الإيمان قمة الكمال لا يبلغها الإنسان ببساطة…. فهي (التصديق) كما إن لها معنى آخر وهو (الاطمئنان)…..
هنا لا بد ان نرجع الى القرآن رسالة الله و عهده إلى الإنسان ,فيه سنن الخالق في الحياة ، و يقرأ الخير و الشر ، و الحق و الباطل ، و الجنة و النار، و الدنيا و الآخرة .. ما يفيد بحثنا في الجهاد والعبادات الأخرى نطالع موضوع { الخوف والعلع } الذي كان يخاطبه الإمام علي {ع} في خطبته المذكورة انفا .ومن أبرز ما في القرآن تعريف الانسان بنفسه ، ذلك ان الانسان قد خلق جهولا ، يجهل أقرب الأشياء اليه ( وهي نفسه ) وفي ذلك خطر عظيم عليه ، فقد يدعوه الجهل بالنفــس إلى الشـرك بالله ، و قد يدعوه إلى ممارسة الأخطاء الفظيعة في عباداته ومناسكه …من هنا رأينا توجها تربويا في القرآن اختص بمعالجة موضوع الذات الإنسانية ، و بيان صفاتها و طبائعها ، كما الآية التالية …[ إن الإنسان خلق هلوعا ]
قيل الهلع له صفات عديدة منها . شدة الحرص على ماله ونفسه و قلة الصبر ، و قيل : الهلوع الضجر, وقيل الهلع هو البخل و الحرص ، وكذلك الخوف و قلق القلب ، واضطراب نفسي من كل صوت عالي او و حدوث أمر غير متوقع يغير سعادته واطمئنانه ….. المهم كلها تعني حالة واحدة إن أصل الهلع هو الخوف ..
فالهلوع يخاف عند الشر فيجزع ، ثم يخاف عند الخير أن ينفذ منه فيخاف على المال فيكون بخيلا شحيحا على نفسه وأبناءه … يتصور لو تكرم بمال معين سينفذ ذلك المال وينتقل من يديه إلى غيره , وحين يسمع بمكان فيه جهاد فيخاف من القتل والدم ورائحة البارود وحالات الجهاد الأخرى … فيفقد الإنسان توازنه و ثباته أمام الظروف و العوامل و الحوادث المحيطة .يبقى بيان القرآن لمعنى الهلع أجلى و أبلغ من بيان كل مفسر و أديب حيث يقول تعالى : [ إذا مسه الشر جزوعا ] يصبح طعما لحالات الخوف النفسية ، فيفقد توازنه النفسي و الفكري و السلوكي ، إلى حد الهزيمة و اليأس… لذلك البعض كردة فعل من هلعه وخوفه , يصبح مهاجما للمجاهدين ينتقدهم ليبرر خوفه وهلعه …
مثلا .. لو حققنا في حوادث الانتحار في العالم سنجد معظمها عائد إلى صفة الهلع ( الجزع ) يقول تعالى ” مسه ” لان المس تعني في اللغة مس العقل وهو الجنون , [ وإذا مسه الخير منوعا ]السبب حبه المفرط لذاته ، و شح النفس الذي يجعله يريد الخير لنفسه فقط ،يسمى منوع * التفسير الكبير / ج 30 – ص 612 .” و انه لحب الخير لشديد ” جاء في رواية : ” ما فتح الله على عبد بابا من أمر الدنيا إلا و فتح الله عليه من الحرص مثله ” … فهو هلوع ومنوع ،… مقابل هذا هناك إنسان يبيع نفسه وحياته لله …فقوله تعالى:
(( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ ) هذه نزلت في علي بن أبي طالب {ع} حينما نام في فراش النبي {ص} ..قال الثعلبي ورأيت في الكتب إن رسول الله{ص} لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب بمكة… فأمره أن ينام على فراشه .. وأنزل الله على رسوله{ص}وهو متوجه إلى المدينة ……
هل هذه المنزلة خاصة بعلي {ع} انتهى حكمها لغاية وصول النبي {ص} المدينة وهجرة الإمام علي {ع} فقط….أو إنها صفة للمجاهدين الذين يبيعون أنفسهم لله تعالى ..؟.
الجواب :… الله تعالى يعرف البشر , وما توسوس له نفسه , شرها و خيرها ، و أعطاه إرادة الاختيار حتى يتجاوز بها صفات السوء و طبائع الخوف والجزع .. إن شاء تعامل مع الله وشملته الآية , او يختلق الأعذار ليبتعد عن الجهاد … ويبقى مكتفيا بالصلاة والصوم والحج والزيارة ,او يستمر معها ..يقول علي بن أبي طالب {ع} ” الرجل موقف ” فما هو المنهج الذي يريده أمير المؤمنين من المؤمنين ولماذا يحثهم على الجهاد … لنرجع إلى المنهج الذي يعتمده الإمام {ع} بخطبته الشريفة …
ــــــــــــ أولا : حضور الآخرة في عقله ووعيه نفسيا و فكريا ، المؤمن حين يتذكر انه وراءه موت وحساب وعقاب وأهوال , تهون عنده الدنيا الفانية , لأنه يكون مشغولا عن الدنيا بهول المطلع يوم القيامة , قوله : { ابتغاء مرضات الله } فإنه يعني أن هذا الشاري يشري طلب مرضاة الله وقوله ” يشري ” , فكأنه قال . ومن الناس من يشتري مرضاة الله , وهذا البيع والشراء بأغلى ما يملك الإنسان .. وان الله لغرض الإصلاح العام يتقبل من المجاهد هذا البيع ويكون عطاءه لا حدود له …
تراه يعيش السكينة و الاطمئنان رغم صعوبة الجهاد والمعاناة يقول تعالى : ” الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله إنا أليه راجعون ” ، فهو صلب موكل أمره لله , لا يبطره شر ولا , كلما تراكمت الهموم والمصائب , توجه الى الله , طمعا في الثواب ..” وهذه الليلة جسدت هذا الصبر والتوكل بكل معانيه ” وما أروع موقف أبي عبد الله {ع} يوم غد حين يقع من جواده , وهو يعرف إن مقاومته انتهت , ولا توجد فيه قوة للدفاع عن عائلته ونفسه , توجه إلى ربه , مجسدا البيع والشراء مع الله .. لم يتذكر عائلته ولا أطفاله , ولا جبهة مكسورة , ولا سهم في الصدر .. ولا أبناء وأصحاب وأخوة ضحايا , ولا أخوات وزوجات وبنات ستسبى .. كلها تركها وتوجه إلى ربه .. قائلا :” الهي تركت الخلق طرا في هواك , وايتمت العيال لكي أراك , ولو قطعتني في الحب أربا , لما مال الفؤاد إلى سواك …. هذا تجسيد حضور الآخرة …
ـــــــــ ثانيا : الصلاة التي هي معراج المؤمنين إلى الله .. المجاهد الحق تكون الصلاة محببة إلى قلبه لأنها السلم الذي يصل به المسلم إلى ربه … فهي تزكية للنفس وتربية روحية , هي حبل الله و سفينة نجاة الإنسان وهي الفاروق بين المسلم وغيره … الذين عرفوا الصلاة على حقيقتها فأقاموها في حياتهم .. عرفوا الصلاة بأنها الاتصال الدائم بلا انقطاع مع الله ، عرفوا انهم عبيد لله يحرصون على طاعته وتطبيق أوامره, لا صلاة قشور محصورة في الركوع و السجود و بعض المظاهر . فما هي الصلاة الحقيقية في مفهوم القرآن ؟!
إن القرآن لا يفصل لنا في كيفية الصلاة ولا عدد ركعاتها و سجداتها ، وإنما يعرفنا الصلاة الربانية ببيان صفات المصلين الواقعيين عند الله ، وهي :
الأولى : الدوام على الصلاة . [ الذين هم على صلاتهم دائمون ] قال الزمخشري : يواظبون على أدائها ، و لا يخلون بها ، و لا يشغلهم عنها شاغل … في الدر المنثور عن ابن مسعود قال: ” الذين إذا صلوا لم يلتفتوا عن يمين و لا شمال” هذا الرأي يريد أن يجمد عقل المسلم , أي قيمة لمن لا يلتفت . وهل هناك من يلتفت ولا تبطل صلاته ..؟ صحيح الالتفات استخفاف بالصلاة , ولكن ليس هذا رأي الآية , هي جاءت لتعطي البعد الأشمل و الأصح للصلاة كما يراها الإسلام و يلتزم بها المصلون الحقيقيون ، وهي الصلاة الدائمة التي تورث الصلة المستمرة مع الله .الحالة التي تجعل الإنسان ينفلت من ذاته ويصبح يتحسس الآم الأمة الإسلامية والإنسانية جمعاء …
مثلاً: التصدي لهموم الناس المعيشية والاجتماعية , فالناس يحتاجون إلى من يتصدى لهمومهم, فعندهم مشاكل مادية، فقر ومشكلات معينة، ظروف يعانونها، وصعوبات في الحياة, أشياء يجدون صعوبةً في التعامل معها, هذه قضايا تهم كل إنسان، سواء كان متديناً أو غير متدين, لذلك الاهتمام بهذا الهم الإنساني هو الأساس الذي يشجعه الإسلام ,حاجات الناس ومطالبهم الدنيوية التي يريدونها, هي جزء من مهم من المنظومة الأخلاقية التي عمل بها أهل البيت {ع} هي الإحسان الذي نادى به القران ..
ولذلك فإن الرسول {ص} في أحاديث كثيرة يتعرض لحقوق للمسلم على المسلم, مثل رد السلام, وعيادة المريض, وتسميت العاطس, ونصر المظلوم, جاء في حديث أبي سعيد الخدري، قال النبي{ص} { لا قُدِّسَت أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع } معنى المتعتع {المتردّد في خوف وخجل ينطَق بصعوبة } .
فالأمة التي تسلط فيها الظالمون والضعيف لا يستطيع أن يأخذ حقه, هذه الأمة ليست مقدسة، أمة آيلة إلى الزوال والفناء, وقد ذكر النبي{ص} في حديث بمناسبة قصة، وهي أن أم سلمه ذكرت للنبي{ص} قصة رأتها في الحبشة قالت:حين كنا مهاجرين في الحبشة, جاءت امرأة عجوز تحمل قربة من الماء على ظهرها, فجاء شاب طائش , وضرب القربة من وراءها، فسقطت منها، وسقطت العجوز, لا حولاً ولا قوة, فقامت ونظرت إلى الشاب, وقالت له: ستعلم يا غُادَر، إذا نزل يوم القضاء، كيف يكون جزاؤك, فتعجبت أم سلمه من كلام المرأة، وإيمانها، ومعرفتها بأن الله ينزل يوم القضاء بين الناس! وأخبرت الرسول {ص} فقال: { صدقت لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف حقه غير متعتع },ثم قال:{ إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم, فقد تُوُدِّعَ منهم } تُودع منهم أي تودعهم يتركهم الله لاستواء وجودهم وعدمهم، فهم من الحديث أن ترك إنكار المنكر من أسباب خذلان الامة لنفسها .. فيتركها الله .. ان تنصروا الله ينصركم ..
لذلك انفردت صلاة المجاهد عن صلاة المسلمين بأحكام لا تشمل سوى المجاهدين .. أليك بعض الأحكام ..
تختلف الأحكام الشرعية عند المجاهدين في الصلاة عن الآخرين اختلافا كبيرا .. السبب لأنه كثيراً ما تضيق به السبل ويتعرض لأنواع الابتلاءات .. مرة يبتلي بنقص الماء بسبب القتال , أو يحاصر من العدو , أو يضيع في البراري او الجبال …… ولأجل إيضاح الأمر سنذكر بعض الأحكام الهامة التي يهتدي بها المجاهدون في لحظات الحرج والضيق والحصار وهي:
مســــــألة :.. ما هو حكم الذين يبعثون في مأمورية في زورق بحري , ويحين وقت صلاتهم بحيث لو لم يصلوا في هذا الوقت , لن يتمكنوا من الصلاة بعد ذلك في داخل الوقت؟ .. يقول الولي الفقيه ..في هذه الحالة يجب عليهم أن يصلوا داخل الزورق وبأي نحو ممكن لهم , أي بأي اتجاه وبأي طريقة يعبر عنها بالصلاة …
*مسألة :…هل تصح الصلاة إلى أيّ جهة في حال اشتداد المعركة .. في وقت يتعذر فيه التوجه إلى القبلة , أو وقت لا يمكن تحديد القبلة أصلا ..؟ ..يجيب سماحة الولي الفقيه .. يقول : ” إذا لم يحصل لك الظن بجهة معينة- وكان الوقت واسعا – فيجب على الأحوط أن تصلي لأربع جهات وأما إذا لم يتسع الوقت لذلك فيصلي إلى الجهات المحتملة بقدر ما يتسع له الوقت… تذكر صلاة الخوف في الكتب الفقهية ويقصد بها كما في الينابيع الفقهية 3/31:
أما إذا كنت راكبا وحضرت الصلاة وتخاف من سبع أو لص أو غير ذلك فلتكن صلاتك على ظهر دابتك وتستقبل القبلة وتومئ إيماءا إن أمكنك الوقوف وإلا استقبل القبلة { بالافتتاح} ، ثم امض في طريقك التي تريد حيث توجهت بك راحلتك مشرقا ومغربا، وتنحني للركوع والسجود ويكون السجود أخفض من الركوع وليس لك أن تفعل ذلك إلا آخر الوقت . وإن كنت في حرب هي لله رضا وحضرت الصلاة فصل على ما أمكنك على ظهر دابتك وإلا تومئ إيماء أو تكبر وتهلل.يعني تكون الصلاة بالإبهام … أو باللسان فقط ..
وهناك صلاة أخرى تسمى بصلاة الآيات تصلى عند كل مخوف سماوي كالصاعقة والصيحة والريح والسوداء وغيرها وعند كل مخوف ارضي كالخسف والهدة وهي ركعتان في كل ركعة خمس ركوعات فيكبر المصلي تكبيرة الإحرام ثم يقرأ الفاتحة وسورة ثم يركع ثم يقرا الفاتحة وسورة وهكذا إلى الركوع الخامس ثم يهوي للسجود فيسجد السجدتين ثم يقوم للركعة الثانية ويفعل بها كما فعل في الركعة الأولى ..
متى يسقط الوضوء عن المجاهد؟ هناك حالات عديدة تسقط الوضوء عن المجاهد وهي :…
1- عدم وجود ماء كما لو كنت محاصرا في منطقة لا يوجد فيها ماء قريبا منك , وصار وقت الصلاة وبحث عن الماء في الجهات الأربع المحيطة به 63 متراً من كل جهة ولم يجد،أو لم يكن بإمكانك البحث وجب عليك التيمم ولا تعرض نفسك للخطورة …
2- عدم كفاية الماء كما لو كان الماء لديه يكفيه للشرب فقط ولا يكفي للطهارة فيجب عليه التيمم.
3- الخوف من الوصول إلى الماء بسبب الخطر الذي يتعرض له لو حاول الوصول إليه.. كما لو كان الماء واقعا تحت نيران العدو. وهذا يسقط المسافة المنصوص عليها في الرسائل العملية …
* قد يضطر المجاهد في بعض الحالات الحرجة إلى أن لا يخلع حذاءه وثيابه المتلوثة بالدم ولا سيما حال اشتداد المعركة، فهنا لا يجب عليه أن يخلعها بل تصح الصلاة فيها ولا شيء عليه..
*قد يضطر بعض المجاهدين إلى التصرف في أموال الآخرين وممتلكاتهم كالنوم في بيت له مالكون ولكنه فارغ وغير ذلك من الأمثلة فهل يجوز لهم ذلك ومتى؟ …..
يجيب الإمام الخميني على هذا السؤال بأنه إذا اقتضت ضرورة الدفاع عن الحق مثل هذا التصرف، فإنه لا يلزم إجازة المالك ….. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موضوع آخر وهو الفرار من المعركة …* هل يجوز الفرار من المعركة بحال من الأحوال؟
الجواب :…. * لا يجوز الفرار من المعركة في أي صورة من الصور ومهما حصل فإن البقاء في المعركة أمر واجب …. والفرار من الزحف عده العلماء من الكبائر.- تحرير الوسيلة، ج1، ص92. وهناك أبواب يجوز فيها الفرار من المعركة … ما هي الاستثناءات..؟
يقول الكليني :. قال : قال أمير المؤمنين(ع) : وليعلم المنهزم بأنّه مسخط ربّه ، وموبق نفسه ، وأنّ في الفرار الذلّ اللازم ، والعار الباقي ، وإنّ الفار غير مزيد في عمره ، ولا محجوز بينه وبين يومه ، ولا يرضي ربّه ، ولموت الرجل محقاً قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتلبس بها ، والإِقرار عليها.
عن الإمام الرضا (ع) كتب جواب سؤال عن الفرار , قال : حرم الله الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدين ، والاستخفاف بالرسل والأئمّة العادلة ، وترك نصرتهم على الأعداء والعقوبة لهم على ترك ما دعوا إليه من الإِقرار بالربوبيّة ، وإظهار العدل ، وترك الجور وإماتة الفساد ، لما في ذلك من جرأة العدوّ على المسلمين ، وما يكون في ذلك من السبي والقتل وإبطال دين الله عزّ وجلّ وغيره من الفساد…..
{ عواقب الفرار من الزحف .والتعرّف على بعض الآثار السلبية لترك الجهاد.}
معنى الفرار من الزحف وضوابطه:
هناك اثار تبقى في نفوس الناس , ولها آثاره على الفرد والمجتمع، وأهمها الحرص والخوف على النفس والمال وحب الدنيا , هذه الأمور تحول بين الإنسان وبين أداء هذا الواجب المقدس. ولو فرضنا أن أحداً ما وقع في شرك هذه الموانع التي تصدّ عن ساحات الوغى، وبالتالي صار عرضة للحرمان من هذا التوفيق العظيم، في هذه الحالة تسوّل له نفسه بترك الجهاد والقعود مع زمرة القاعدين، هذا القعود والترك الذي يصطلح عليه في الإسلام بالفرار من الزحف. “والفرار من الزحف هو الهروب من المعركة، وهو من أكبر الكبائر إذا لم يكن له داع شرعي”1. قال الله تعالى ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا لَقيتُمُ الَّذينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ
الْأَدْبارَ﴾….. بيّن وليّ أمر المسلمين السيد علي الخامنئي الأحكام الشرعية في الفرار من الزحف بالقول:
– “لا يجوز الفرار من جبهة القتال في أي حال من الأحوال” …”لا يجوز الانسحاب من أرض المعركة على خلاف الأوامر الصادرة من القيادة، إلا في بعض الموارد الاستثنائية التي تقتضيها الضرورة وكان الانسحاب من أرض المعركة من صلاحيات الإخوة المجاهدين” .. وللفرار من الزحف آثار سلبية وعواقب وخيمة جداً وردت في الآيات الكريمة والروايات الشريفة نذكر منها:…… العذاب الأليم:
الفرار من الزحف يعد من الكبائر التي وعد الله تعالى أصحابها سوء العاقبة في الدنيا والآخرة. في الدنيا عاقبة المتخلّفين عن ركب المجاهدين والشهداء الخزي والعار والفضيحة، وفي الآخرة العذاب الأليم ونار الجحيم. لأنهم خالفوا أمر الله ورسوله وركنوا إلى الملذّات الفانية والشهوات الزائلة. ولم يكتف الفارّون الذين وصفهم الحق تعالى بالمنافقين بالهروب , بل عملوا على إعانة الأعداء من خلال بثّ اليأس والخوف في قلوب المؤمنين لمنعهم عن أداء واجبهم، علّهم يجدون بذلك من يشاركهم قعودهم وتخلّفهم فترتاح نفوسهم قليلاً من عذاب الوحدة الموحشة … ونظرات الناس المؤلمة إليهم. وهو ما كان يصبّ في مصلحة العدو،
حيث وجد له أعواناً من داخل صفوف المسلمين يثبّطون العزائم ويبثّون الشائعات المفرّقة والمشتّتة للصفوف، لذا كان عذابهم أليماً وعاقبتهم سيّئة جداً. قال الله تعالى عنهم في كتابه العزيز ﴿يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ .
تستمرّ هذه السلسلة من الآيات في الحديث عن الأعمال الشيطانية للمنافقين، وتزيح الستار عنها الواحد تلو الآخر، وتحذّر المسلمين من الانخداع بريائهم أو الوقوع تحت تأثير كلماتهم المعسولة. وهذه الآيات نزلت في جماعة من المنافقين يبلغ عددهم ثمانين رجلاً، أمر النبيّ الأكرم {ص} لمّا رجع من غزوة تبوك أن لا يجالسهم أحد ولا يكلّمهم. فلمّا رأى هؤلاء هذه المقاطعة الاجتماعيّة الشديدة بدئوا يعتذرون عمّا بدر منهم، فنزلت هذه الآيات لتبيّن حال هؤلاء وحقيقتهم، وتأمر النبي {ص} بأن لا يقبل اعتذارهم ولا يصدّقهم، لأنّ الله تعالى قد فضح أمرهم وأخبر عن كذبهم ونفاقهم فيما يعتذرون منه، وأن الله ورسوله يشاهدان ما يعملون ولا يخفى عليهما شيء، وأنهم سوف يردّون إلى الله الذي يعلم الغيب والشهادة في يوم القيامة فيخبرهم بحقائق أعمالهم ونيّاتهم. …
ثم تبيّن الآية الكريمة إيمان المنافقين الكاذب وتنبّه المسلمين إلى أن هؤلاء لن يتورّعوا عن اليمين الكاذبة لتغفروا لهم خطيئاتهم وتصفحوا عنهم وتعرضوا عما فعلوه، ثم تخاطب المؤمنين بلسان الحال: عليكم في هذه الحالة أن تعرضوا عنهم، ولا تعاتبوهم أو توبّخوهم لأنهم أرجاس لا ينفع فيهم التأنيب ولا يقبلون الطهارة. ومصيرهم النار لأنها المكان الطبيعي لهم الذي سوف يتكفّل بأمرهم، وكل ما سيلقونه هناك هو نتيجة ما كسبوه بأيديهم في الحياة الدنيا. ولشدّة نفاقهم فإنهم سيحلفون لكم لكي يجلبوا رضاكم بدل أن يكون همّهم كسب رضا الحق تعالى. آية أخرى يقول تعالى مبيّناً عاقبة من يتولّى عن الجهاد ﴿قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ … وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا﴾6.
الاستبدال: . يحذّر الله تعالى أن من يرتدّ عن دينه والإيمان الصادق به ويكفر بتعاليمه وبأنبيائه ورسله، ولا يطيعه في أمره ولا يلتزم بأحكامه الجهادية وغيرها ولا يعمل بإرادته، بل يستغني ويتولّى معرضاً عن الدين الحنيف والملّة الحقّة، فسوف يستبدل الله به من هو أحقّ منه بهذه المكرمة.{ والان في الجبهات شباب ليس لهم سابقة في الاسلام وغير محسوبين على المتدينين … هؤلاء استبدلهم الله باهل المسابح والمحابس .
الله يستبدل المنافقين بهؤلاء من يحبّون الله ويحبّون أن يعبد في أرضه، ولا يرتدّون عن دينه، ولا يتخلّفون عن الجهاد والتضحية بكل ما يملكون في سبيله، بل يقبلون على الجهاد بصدر رحب وقلب مستبشر بلقاء الله ورضوانه، لا يخافون من لوم الناس والمنافقين عند أدائهم لواجباتهم والدفاع عن الحق.
إن هؤلاء المستبدل بهم على ثقة بالله وبدينه الحق. وعليه فإن المستبدَلين لن يضرّوا الله شيئاً بل هم المتضرّرون لأنهم حرموا من هذا الفضل العظيم والنعمة الكبرى. يقول عزّ وجلّ في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾7.
المقت الإلهي: معناه أَبْغَضَهُ أَشَدَّ البُغْضِ { كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ } رجل عمل لا قول …
روى في كتاب «الغارات» قال: كانت غارة الضحاك بن قيس بعد الحكمين، وقبل قتال النهروان، وذلك أن معاوية لما بلغه أن عليّاً(عليه السلام) بعد واقعة الحكمين بدء يعبيْ أنصاره ، هاله ذلك، فخرج من دمشق معسكراً، وبعث إلى كور الشام، فصاح بها: إن عليّاً قد سار إليكم، فتجهزوا للحرب بأحسن الجهاز، وأعدوا آلة القتال! فاجتمع إليه الناس من كلّ كورة وأرادوا المسير إلى صفين، فاستشارهم، ثم دعا الضحاك بن قيس الفهري، وقال له: سر حتى تمر بناحية الكوفة وترتفع عنها ما استطعت، فمن وجدته من الأعراب في طاعة عليّ فأغر عليه، وإن وجدت له مسلحة أو خيلا فأغر عليها، وإذا أصبحت في بلدة فأمس في اُخرى، ولا تقيمن لخيل بلغك أ نّها قد سرحت إليك لتلقاها فتقاتلها. فسرحه فيما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف. فأقبل الضحاك، فنهب الأموال وقتل من لقي من الأعراب، حتى مر بالثعلبية فأغار على الحجاج، فأخذ أمتعتهم، ثمّ أقبل فلقي عمرو بن عميس، وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود، صاحب رسول الله{ص} فقتله في الطريق وقتل معه عددا من أصحابه.
فلما سمع الإمام{ع} الخبر خرج إلى الناس، وهو يقول على المنبر: يا أهل الكوفة، اخرجوا إلى العبد الصالح عمرو بن عميس، وإلى جيوش لكم قد أصيب منهم طرف، اخرجوا فقاتلوا عدوكم، وامنعوا حريمكم إن كنتم فاعلين…. فردوا عليه ردّاً ضعيفاً، ورأى منهم عجزاً وفشلا، فقال: والله لوددت أن لي بكلّ ثمانية منكم رجلا منهم! ويحكم اخرجوا معي، ثمّ فروا عني ما بدا لكم، فو الله ما أكره لقاء ربي على نيتي وبصيرتي، وفي ذلك روح لي عظيم، وفرج من مناجاتكم ومقاساتكم. ثمّ نزل… فخرج يمشي حتى بلغ الغريين، ثمّ دعا حجر بن عدي الكندي، فعقد له على أربعة آلاف.
فخرج حجر بن عدي حتى مر بالسماوة ـ وهي أرض كلب ـ فلقي بها امرأ لقيس بن عدي ـ وهم أصهار الحسين بن عليّ{ع} فكانوا أدلاءه في الطريق وعلى المياه فلم يزل مغذاً في أثر الضحاك، حتى لقيه بناحية تدمر، فواقعه فاقتتلوا ساعة، فقتل من أصحاب الضحاك تسعة عشر رجلا، وقتل من أصحاب حجر رجلان، وحجز الليل بينهم. فمضى الضحاك، فلما أصبحوا لم يجدوا له ولأصحابه أثراً. وكان الضحاك يقول بعد: أنا ابن قيس، أنا أبو أنيس! أنا قاتل عمرو بن عميس.
وكان علي {ع} يقول : «أَيُّهَا النَّاسُ، الْمجْتَمِعَةُ أبْدَانُهُمْ، الُمخْتَلِفَةُ أهْوَاؤُهُمْ، كَلامُكُم يُوهِي الصُّمَّ الصِّلابَ، وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الأعداء! تَقُولُونَ فِي الَمجَالِسِ: كَيْتَ وَكَيْتَ، فَإذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ: حِيدِي حَيَادِ! مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ، وَلاَ اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ، أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ، دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ المَطُولِ، لاَ يَمنَعُ الضَّيْمَ الذَّلِيلُ! وَلاَ يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلاَ بِالْجِدِّ! أَيَّ دَار بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ، وَمَعَ أَىِّ إِمَام بَعْدِي تُقَاتِلُونَ؟ المَغْرُورُ وَاللهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ، وَمْنْ فَازَ بِكُمْ فَازَ بَالسَّهْمِ الاْخْيَبِ، وَمَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ نَاصِل أَصْبَحْتُ وَاللهِ لا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ، وَلاَ أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ، وَلاَ أُوعِدُ العَدُوَّ بِكُم. مَا بَالُكُم؟ مَا دَوَاؤُكُمْ؟ مَا طِبُّكُمْ؟ القَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ، أَقَوْلا بَغَيْرِ عِلْم! وَغَفْلَةً مِنْ غَيْرِ وَرَع! وَطَمَعاً في غَيْرِ حَقٍّ؟!»
عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق :… لما نزل عليّ{ع} بالبصرة ووقف جيشه بإزاء جيش عائشة، قال الزبير: والله ما كان أمر قط إلاّ عرفت أين أضع قدمي فيه، إلاّ هذا الأمر، فإنّي لا أدري: أمقبل أنا فيه أم مدبر!
فقال له ابنه عبد الله: كلا ولكنك فرقت سيوف ابن أبي طالب وعرفت أن الموت الناقع تحت راياته. فقال الزبير: مالك أخزاك الله من ولد ما أشأمك!
وكان أمير المؤمنين{ع} ، يقول: مازال الزبير منا أهل البيت حتى شب ابنه عبد الله. وفي المعركة: خرج علي {ع} بين الصفين حاسراً، وقال: ليخرج إليَّ الزبير، فبرز إليه مدججاً ـ فقيل لعائشة: قد برز الزبير إلى عليّ(ع) فصاحت: وازبيراه! فقيل لها: لا بأس عليه ، إنه حاسر والزبير دارع ـ فقال له الإمام {ع} : ما حملك يا أبا عبد الله على ما صنعت! قال: أطلب بدم عثمان. قال: أنت وطلحة وليتماه، وإنّما نوبتك من ذلك أن تقيد به نفسك وتسلمها إلى ورثته.
ثمّ قال: نشدتك الله! أتذكر يوم مررت بي ورسول الله{ص} متكىء على يدك، فسلّم عليَّ وضحك في وجهي، فضحكت إليه، لم أزده على ذلك، فقلت: لا يترك ابن أبي طالب يا رسول الله زهوة! فقال لك: مه إنه ليس بذي زهو، أما إنك ستقاتله وأنت له ظالم! فاسترجع الزبير وقال: لقد كان ذلك، ولكن الدهر أنسانيه، ولأنصرفن عنك، فرجع، ثمّ أتى عائشة، فقال لها: إني ما وقفت موقفاً قط، ولا شهدت حرباً إلاّ ولي فيه رأي وبصيرة إلاّ هذه الحرب، وإنّي لعلى شك من أمري، وما أكاد أبصر موضع قدمي. فقالت له: يا أبا عبد الله، أظنك فرقت سيوف ابن أبي طالب، إنها والله سيوف حداد، تحملها فئة أنجاد، ولئن فرقتها لقد فرقها الرجال قبلك! قال: كلا، ولكنه ما قلت لك. ثمّ انصرف.
ومن كلام لأميرالمؤمنين(عليه السلام) لما أنفذ عبدالله بن عباس إلى الزبير قبل وقوع الحرب يوم الجمل ليستفيئه إلى طاعته: «لاَ تَلْقَيَنَّ طَلْحَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّوْرِ عَاقِصاً قَرْنَهُ، يَرْكَبُ الصَّعْبَ وَيَقُولُ: هُوَ الذَّلُولُ، وَلكِنِ القَ الزُّبَيْرَ، فَإِنَّهُ أَليَنُ عَرِيكَةً، فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ ابْنُ خَالِكَ: عَرَفْتَني بَالحِجَازِ وَأَنْكَرْتَنِي بِالعِرَاقِ، فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا!».قال جعفر الصادق، عن أبيه عن جدّه(عليهم السلام) قال: سألت ابن عباس عن ذلك، فقال: إنّي قد أتيت الزبير، فقلت له، فقال: قل له إنّي أريد ما تريد ـ كأنّه يقول: الملك ـ لم يزدني على ذلك. فرجعت إلى عليّ{ع} فأخبرته.. وكان يعرف غايته ؟؟؟
….ذكر صاحب الغارات , قدم النعمان بن بشير، وأبو هريرة على عليّ{ع} من عند معاوية، يسألانه أن يدفع قتلة عثمان إلى معاوية ، فقال أبو هريرة: يا أبا حسن، أن الله قد جعل لك في الإسلام فضلا وشرفاً، أنت ابن عم محمّد رسول الله(ص) ، وقد بعثنا إليك معاوية، يسألك أمراً تسكن به هذه الحروب، أن تدفع إليه قتلة عثمان ، فيقتلهم به، ويجمع الله أمرك وأمره، ويصلح بينكم، وتسلم الأمة من الفئة والفرقة. ثمّ تكلم النعمان بنحو من ذلك.فقال لهما: دعا الكلام في هذا، حدثني عنك يا نعمان: أنت أهدى قومك سبيلا؟ يعني الأنصار، قال: لا، قال: فكلّ قومك قد اتبعني إلاّ شذاذاً، منهم ثلاثة أو أربعة، أفتكون أنت من الشذاذ!
فقال النعمان: أصلحك الله، إنما جئت لان معاوية سألني أن أؤدي هذا الكلام، ورجوت أن يكون لي موقف أجتمع فيه معك، وطمعت أن يجري الله بينكما صلحاً، فإذا كان غير ذلك رأيك فأنا ملازمك وكائن معك. فأما أبو هريرة فلحق بالشام، وأقام النعمان عند عليّ {ع} فأخبر معاوية بالخبر، فأمره أن يعلم الناس، ففعل، وأقام النعمان بعده شهراً، ثمّ خرج فاراً من عليّ{ع} … اذن ليس كل من وقف او سمع الحق يمكنه ان يقف معه إلا الذين اختارهم الله .. يسميهم الإمام علي {ع} خاصة أولياءه ..
جهاد اصحاب الحسين {ع} وما جرى في ليلة العاشر من محرم :-
وروي عن السيدة زينب{ع} أنها قالت : « لما كانت ليلة عاشر من المحرم خرجت من خيمتي لأتفقد أخي الحسين وأنصاره ، وقد أفرد له خيمة ، فوجدته جالساً ، يناجي ربه ، ويتلو القرآن. فقلت ـ في نفسي ـ : أفي مثل هذه الليلة يترك أخي وحده ؟ والله لأمضين إلى إخوتي وبني عمومتي وأعاتبهم بذلك. فأتيت إلى خيمة العباس ، فسمعت منها همهمة ، فوقفت قليلا لأسمع ما يجري بين أخي العباس وأولاد إخوتي رايت العباس جاث على ركبتيه كالأسد على فريسته ؛ وهو يقول :يا إخوتي ! بني عمومتي ! إذا كان الصباح ما تقولون ؟
قالوا : الأمر إليك يرجع ،أنت قائدنا , نحن لا نتعدى لك قولاً. فقال العباس : إن هؤلاء ( أعني الأصحاب ) قوم غرباء ، والحمل ثقيل لا يقوم به إلا بأهله ، فإذا كان الصباح فأول من يبرز إلى القتال أنتم. نحن نقدمهم إلى الموت لئلا يقول الناس : قدموا أصحابهم ، فلما قتلوا عالجوا الموت بأسيافهم ساعة بعد ساعة. فقامت بنو هاشم ، وسلوا سيوفهم في وجه ابي الفضل ، وقالوا : نحن على ما أنت عليه !قالت زينب : فلما رأيت شدة عزمهم ، سكن قلبي ، ولكن خنقتني العبرة ، فرجعت للحسين لأخبره بذلك ، فسمعت من خيمة حبيب بن مظاهر همهمة , فوقفت لأسمع كلامهم , فسمعت الأصحاب على عليه بنو هاشم ، بينهم حبيب بن مظاهر ، وهو يقول : « يا اصحابي ! لم جئتم إلى هذا المكان ؟ أوضحوا كلامكم ، رحمكم الله ». فقالوا : أتينا لننصر غريب كربلاء ..! قال حبيب : فإذا كان الصباح فما أنتم فاعلون ؟ فقالوا : الرأي رأيك ، لا نتعدى قولاً لك.
قال : فإذا صار الصباح فأول من يبرز إلى القتال أنتم ، نحن نقدمهم للقتال ولا نرى هاشمياً مضرجاً بدمه وفينا عرق يضرب ، لئلا يقول الناس : قدموا ساداتهم للقتال ، وبخلوا عليهم بأنفسهم. فهزوا سيوفهم على وجهه ، وقالوا : نحن على ما أنت عليه. قالت زينب : ففرحت من ثباتهم ، ولكن خنقتني العبرة ، فانصرفت الى الحسين {ع} وتبسمت في وجهه. فقال :يا أختاه ! منذ رحلنا من المدينة ما رأيتك متبسمة ، أخبريني : ما سبب تبسمك ؟ فقلت له : يا أخي ! رأيت من فعل بني هاشم والأصحاب كذا وكذا.
فقال لي : يا أختاه ! إعلمي أن هؤلاء أصحابي من عالم الذر ، وبهم وعدني جدي رسول الله {ص}
فلما رأى الحسين حسن إقدامهم ، وثبات أقدامهم ، قال : إجلسوا رحمكم الله ، وجزاكم الله خيراً. ثم قال : ألا ومن كان في رحله إمرأة فلينصرف بها إلى بني أسد. فقام علي بن مظاهر وقال : ولماذا يا سيدي ؟ فقال : إن نسائي تسبى بعد قتلي ، وأخاف على نسائكم من السبي. فمضى علي بن مظاهر إلى خيمته ، فقامت زوجته إجلالاً له ، فاستقبلته وتبسمت في وجهه.فقالت : يا بن مظاهر ! إني سمعت غريب فاطمة ! خطب فيكم وسمعت في آخرها همهمة ، فما علمت ما يقول ؟ فاتخبرها بخبر الحسين ..فقالت : وما أنت صانع ؟ قال : قومي حتى ألحقك ببني عمك : بني أسد. فقامت وصارت ترجع قليلا قليلا الى وسط الخيمة , فمسكت عمود الخيمة وضربت راسها وقالت : « والله ما انصفتني يا بن مظاهر ، أيسرك أن تسبى بنات رسول الله وأنا آمنة من السبي ؟! أيسرك أن تسلب زينب إزارها من رأسها وأنا استتر بإزاري ؟! أيسرك أن يبيض وجهك عند رسول الله ويسود وجهي عند فاطمة الزهراء ؟! والله أنتم تواسون الرجال ، ونحن نواسي النساء ». فرجع علي بن مظاهر إلى الإمام الحسين ( عليه السلام ) وهو يبكي. فقال له الحسين : ما يبكيك ؟ قال : سيدي .. أبت الأسدية إلا مواساتكم !! فبكى الإمام الحسين لحال النساء ، وقال : جزيتم منا خيراً.
••نقل الشيخ المفيد الرواية التالية:«قال علي بن الحسين : إني لجالس في تلك اليلة وعندي عمتي زينب تمرضني، إذ اعتزل أبي في خباء وعنده جون مولى أبي ذر الغفاري، وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول:
يا دهـر أف لك من خـليل * كم لك بالاشراق والأصيل
من صاحب أو طالب قـتيل * والـدهر لا يقنع بالـبديل
وإنما الأمـر الـى الـجليل * وكـل حـي سـالك سبيلي
فأعادها مرتين أو ثلاثاً حتى فهمتها وعرفت ما أراد، فخنقتني العبرة فلزمت السكوت، وعلمت أن البلاء قد نزل، وأما عمتي فلما سمعت ما سمعت وهي امرأة، ومن شأن النساء الرقة والجزع، فلم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها ، حتى انتهت إليه فقالت: واثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن، يا خليقة الماضي وثمال الباقي. فنظر إليها الحسين فقال لها: يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان، وقال: لو ترك القطا لنام؛ فقالت: يا ويلتاه! افتغتصب نفسك اغتصاباً؟ فذاك أقرح لقلبي وأشد على نفسي. وخرت مغشياً عليها.فقام اليها الحسين وقال لها: يا أختاه! اتقي الله وتعزي بعزاء الله، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لا يبقون، وأن كل شيء هالك إلا وجهه..»
بعدها خرج ابا عبد الله {ع} بجوف الليل يتفقد عسكره فتبعه نافع بن هلال، فسأله الحسين عما أخرجه، قال: يا ابن رسول الله، يعز علي خروجك الى جهة معسكر هذا الطاغية، فتلطف الامام وقال له:ألا تسلك بين هذين الجبلين في جوف الليل وتنجو بنفسك؟.. فرمى بنفسه على قدمي الحسين وقال : ثكلتني أمي، إن سيفي بألف وفرسي مثله، فو الله الذي من بك علي لا أفارقك حتى يكلا عن فري وجري.ثم دخل الحسين خيمة أخته زينب ووقف نافع بازاء الخيمة ينتظره، فسمع زينب تقول لأخيها: هل استعلمت من أصحابك ثباتهم، فأني أخشى أن يسلموك عند الوثبة، قال لها: والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا من يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل الى محالب أمه. فلما سمع نافع كلمة الامام لم يملك وضعه وذهب الى حبيب بن مظاهر فحكى له ما سمع. ثم تستطرد الموسوعة فتقول:ومضى حبيب بأصحابه حتى شارف خيام النساء فصاح: يا اهل بيت النبوة ومعشر الرسالة , هذه سيوف فتيانكم آبوا أن يغمدوها إلا في رقاب أعدائكم ..فخرجت النساء أليهم، فضج القوم بالبكاء .. فسمع العباس , جاء حاسر الراس يركض نحو الخيمة فوجد الانصار وزينب تحشمهم , دخل الخيمة وضمها الى صدره وقال اخيه اتخافين وانا اخوك ..؟.
تكله انا خايفه لا تكول مدري …. انا خايفه ينتهك خدري … يكلها وحد عيناج لا يصفر لونك … شحدهم يزينب يوصللج .. انا اخيج وقرت اعيونك…. وجلست بين الحسين والعباس يهدئونها .. فقامت وخرجت الى خيمة الحسين .. وضعت يدها على راسها ونادت واخاه واحسناه ….
تعالي يسكنه ويا ام كلثوم … نتساعد علبواجي وكثرة اللوم … تراه اخوتي خطار هليوم … وباجر كلهم عنا يرحلون … باجر ينكتل اخوي عباس … وتتكطع جفوفه من الارجاس .. ويضربوه بعمد فوك الراس ..