عندما كان المجتمع العربي يشكل مركزا للحضارة في العالم وخاصة في العصر العباسي الذهبي كان هذا السؤال مطروحا من قبل المجتمعات فيما وراء المحيطات وبالشكل التالي (ما الذي يدفع المجتمع الاوربي للنهوض ؟) , وهذا السؤال لم يأتي جزافا بل له مصاديق واضحة تؤشر رقي المجتمع العربي انذاك ما جعله مطلبا للتأسي والنموذج , فبغداد لوحدها على سبيل المثال كان فيها (26 حماما عموميا) , اي اكثر من عدد الحمامات الموجودة في اوربا قاطبة , وتعتبر هذه نتيجة منطقية تتلائم مع حجم الوعي النهضوي المحمول , وعلى نحو حركة التشكيل (النسق) وليس على نحو النبوغ والابداع الفردي , فما الذي حصل ؟ ما الذي جعل التدوين يحل محل التاليف والذاكرة محل العقل ؟ حيث ووفقا لهذه التحولات بدات المجتمعات العربية بالتراجع الواضح حتى اصبحت تدريجيا تشكل طرفية الحضارة لا مركزا لها كالسابق , مرة ثانية , ما الذي حصل ؟ هل اسأنا فهم النهضة وفقا للمستجدات الحاصلة في حركة العالم اليوم ؟ وما الذي يميز النهضة عن الحداثة حسب القناعات العربية المحمولة ؟ هل فهمت المجتمعات العربية ان النهضة في دور من ادوارها الرئيسة تعمل على عقلنة الحداثة الداخلة اليها باخضاعها الى معايير عقلية واجتماعية واخلاقية ؟ وهل نستطيع ان نعد ربط التاريخ بالحضارة وتحرير الوعي التاريخي العربي من اشكالياته الماضية هو من اولى خطوات النهضة ؟ ثم هل يعرف اصحاب الشأن ان الحضارة الصادرة من جيب النهضة لا يمكن ان تكتسب وتستوعب الا بتأكيد الذاتية , بينما الحضارة الخارجة من جيب الحداثة لا تتم الا بالقضاء على التراث , وعليه يجب ان نعرف اين نحن بين مستويات النهضة والحداثة ؟ بمعنى هل نحن نعيش تحديث ام نهضة ؟ ما الذي يدفع المجتمع العربي للنهضة ؟
وهل ان ادراك المجتمع العربي لمحدوديته وانه لا يمثل محور العالم وانه حامل مشعل الحضارة والمدنية , يدفعه للنهضة ؟ ثم هل نستطيع القول ان اصل اللانهضة والتخلف واللامعاصرة واللافاعلية لا ينبع من استمرار وجود وتأثير التراث علينا , وانما من بقاء هذه الحداثة نفسها غريبة ومغربة واداة تفكيك وتقسيم ؟ ثم ما رأينا مما يراه البعض من ان الجدال التاريخي الدائم بين القديم والحديث لا يهدف فعلا الى حل مشكلة الحضارة ولا الذاتية ولا الى ايجاد نظرية في النهضة ولكنه يؤكد بالعكس غيابها وغياب الوعي النهضوي ؟ موانع الفكر من فهم الواقع وبالذات السجال الايديولوجي الذي يعمل وظيفيا على انتاج هذا الشقاق الشامل في الوعي والمجتمع , هل لها دور في تقييد النهضة ؟ انفصال الفكر عن الواقع او ما يسمى العقلية السكولستيكية هل له دور في تقييد وتضييق منطلقات النهضة ؟ ابتسار الواقع او تجزئته والهرب من المسؤولية الفكرية والتقلب الدائم , هل يعد غياب مثل هذه الاعراض سببا رئيسا للنهضة ؟ هل نستطيع القول ان صاحب المنطق العصري والدعوة الحديثة الذي وقف على ارضية الثقافة الغربية ومفاهيمها لن يقبل ان يحاور الاصولي او التراثي على ارضية المفاهيم التقليدية الدينية او القومية وبالتالي يمثل هذا الموقف حجر عثرة في دوران عجلة النهضة ؟ ثم هل ان طبيعة العلاقة القائمة بين الايديولوجيات الموجودة والممارسة السياسية والاجتماعية هل تحدد توجهات النهضة وفعاليتها ؟ وما دور العوامل الذاتية المتعلقة ببنية المجتمع وثقافته والقيم السائدة في نهضة المجتمع من عدمها ؟ هل ان اخفاق العرب وعدم نهضتهم عائد الى قصورهما عن تحقيق القفزات العلمية والتكنولوجية التي حققتها الامم الغربية ؟ ثم هل ان الثقافة العربية صالحة ومؤهلة في ايجاد نهضة حقيقية ؟ اسئلة تحتاج الى اجوبة ..