19 ديسمبر، 2024 9:43 ص

جذور المشروع الداعشي في العراق !!!

جذور المشروع الداعشي في العراق !!!

الحرب العراقية الإيرانية التي نشبت فعلاً في 22/9/1980.. والتي راح ضحيتها أكثر من مليون قتيل وجريح ومليارات الدولارات ، ناهيك عن إشغال منطقة الخليج بأزمة طال أمدها إلى الثمان سنوات ، نزفت خلالها دماء المسلمين ، وأستنزف معها الاقتصاد الإسلامي طاقته الإستراتيجية ، التي كانت الجماهير العربية والإسلامية في العالم تتطلع إلى قوّتين ظهرتا على ساحة النضال العربي القومي والجهاد ألأممي الإسلامي . تلكم الطاقات البشرية والاقتصادية ذهبت أدراج الرياح في 8/8/1988عندما وضعت الحرب أوزارها ، وعاد كل جيش إلى مواقعه التي كان عليها قبل بدء الحرب الطويلة تلك .. حربٌ لا خاسر فيها ولا رابح .. حربٌ أرهقت الحرث والنسل في الشعبين الجارين التاريخيين .. الشعب العراقي المسلم والشعب الإيراني المسلم .

إيران 1979 التي أنزلت العلم الإسرائيلي عن سفارة الكيان الصهيوني بطهران وطردت رعاياها ، لترفعَ علم الثورة الفلسطينية وتقيم أول سفارة لفلسطين المحتلة في العالم. والحالة هذه ؛ فلابد لسارية هذا العلم الفلسطيني الخفّاق الذي تآمرت على إسقاطه أمم الدنيا منذ مؤتمر بازل عام 1879 أنْ يُسقط ويسحقَ ويحلَّ محله العلم الأزرق ذو نجمة داود البيضاء . هكذا جمهورية إسلامية بمنطقة الخليج لا يمكن لها أن تعيش .. لو انطبقت السماء على الأرض ، حتى تسلّم الولايات المتحدة الأمريكية مفاتيح الأرض إلى السماء ؛ ومن هنا بدأ الخطرُ علينا !!!

في شباط 1979 يعلن الزعيم الروحي الإيراني آية الله الخميني إيرانَ جمهورية إسلامية ، ويعلن مشروع تصدير الثورة الإسلامية ، وإن طريق تحرير القدس يمر عبر الجهاد المقدّس . فجأة ً تتغير المعادلة السياسية في العراق ؛ ليعلن نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي تنحية رئيس مجلس قيادة الثورة رئيس الجمهورية القائد العام للقوات المسلحة المهيب الركن أحمد حسن البكر من كافة مسؤولياته الحزبية والرسمية والعسكرية ، لينصِّب نفسه رئيساً لجمهورية العراق ورئيساً لمجلس قيادة الثورة وقائداً عاماً للقوات المسلحة في ذات العام الذي أعلنت فيه الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد إسقاط الشاه محمد رضا بهلوي .. شرطي الخليج الأمريكي . بمعنى ؛ بعد أربعة أشهر من تولي الإمام الخميني الحكم في إيران . ألا يفسر ذلك ؛ بأن هنالك من هيّأ لحاكم جديد يقود العراق !؟

يقود العراق لأيّ ؟!

صدّام حسين كان حاكماً للعراق ، حتى والرئيس البكر حاكماً له . إلا أنه لم يكن قائداً عاماً للقوات المسلحة ، بينما كان البكر عسكرياً مهنياً ، لعله بخبرته العسكرية لا يرى في تكليف الأسياد خيراً ، بينما إغراءات السلطة التي يسعى إليها صدّام حسين تؤهله لقيادة العراق في مرحلة الخليج الإيراني الإسلامي الشيعي . فأوّل عمل قام به صدّام حسين بُعيد التكليف القيادي للمسوؤلية العليا للحكم الشمولي في العراق إعدام المرجع الديني السيد محمد باقر الصدر، الذي كان يمثل القيادة الروحية الثورية السياسية العليا لشيعة العراق الشباب . وبهذا أنهى القيادة الموجِّهة والمثوِّرة لقيادة الجماهير الشيعية في العراق.. المتعاطفة مع حكومة إيران الإسلامية ، وكذلك كان وأستمر على تسفير التبعية الإيرانية في العراق .. من عرب وفرس وأكراد(وكان

معظمهم تجّار في الشورجة .. السوق العراقية الكبيرة) ، وبهذا حقق هدفين؛ قطع الشريان الاقتصاد عن أي مشروع ثوري شيعي في العراق و ضمان عدم تواجد تعاطف داخل العراق مع إيران، خشية من طابور خامس في مشروعه الحربي القادم . كما قضى على المؤسسة السياسية الثورية الشيعية في العراق ، من خلال تدمير التنظيمات الإسلامية الشيعية الثورية ، وأهمها وأخطرها ؛ تنظيم حزب الدعوة الإسلامية ، والتي كانت و لا تزال متعاطفة أيدلوجياً من فكر الثورة الإسلامية في إيران . سيّما وأنه قد بذل الجهود الحثيثة لأجل تعجيل تبعيث العراقيين بشتى الوسائل ، من خلال عدم تعيين أي موظف في الجيش أو التربية والتعليم أو الدراسات العليا وبعض الكليات مالم يكونوا مؤيَّدين بتزكية من الرفاق في مقرات حزب البعث . كما أنه دعا كافة المواليد الشبابية إلى الانخراط بالجيش، وبهذا سحب الشباب عن الساحة السياسية وأشغلهم بالملاجئ والخنادق والسواتر تهيؤاً لخوض الحرب على إيران .

في 4/9/1980 يعلن صدّام حسين بدء التحرّش بالمخافر الحدودية الإيرانية ، ومن ثم يشن الحرب على إيران في 22/9/1980 ، فيهجم على العمق الإيراني والناس نيام في المحمرة و عبادان والمدن الحدودية الأخرى ، ليتغلغل في عمق الأراضي الإيرانية ، ممزقاً معاهدة الجزائر المبرمة بينه (شخصياً) وبين شاه إيران عام 1975.

الثورة الإسلامية الإيرانية الفتيّة لمّا تزل خطاها على أوّل الطريق .. جيشها ممزق بسبب تمرّد الثورة على الجنرالات الشاهنشاهية التي سحقت بدباباتها أجساد الثوار عبر تاريخ جهاد ونضال الشعب الإيراني المقارع لنظام الشاه .. القيادة الإسلامية الشيعية الجديدة لم تمارس الحكم منذ عام 40هـ بعد استشهاد رائد مذهبها الإمام علي بن أبي طالب (ع) .

الحكومة الإيرانية الجديدة إذن ؛ ثورية .. إسلامية شيعية .. لا شرقية ولا غربية .. جمهورية إسلامية !

أيعقل عاقل أن تعيش هكذا جمهورية ؛ ترفع شعار تحرير فلسطين .. تعتقد المذهب الشيعي الثوري ؟!

فلسطين التي تقوم عليها (دولة إسرائيل اليهودية) .. والمذهب الوهابي يحكم المملكة العربية السعودية .. هذا المذهب الذي أنفقت الإدارة البريطانية منذ عام 1710م الكثير لأجل انتشاره بين المسلمين،لكي يدمّر الإرث الإسلامي التاريخي المشرق على الأرض وفي صفحات التاريخ .

عندما نقرأ ما قيل على لسان قيادات حزب البعث الأولى .. كالمناضل القومي فؤاد الركابي وعلي صالح السعدي ..الذي كان مسؤولَ صدام حسين في الحزب ؛ الذي قال : ((جئنا بقطار ماكنته أمريكية))أو عندما يذكر وزير العدل الأمريكي الأسبق (رامز كلارك) في كتابه ((النار هذه المرّة)) من أن البعثيين جاءوا للحكم في عام 1963 بمساعدة المخابرات المركزية البريطانية ، وأنهم عادوا للسلطة في عام 1968 بمساعدة المخابرات المركزية الأمريكية . وعندما نتذكر ما حصل خلال الحرب العراقية الإيرانية ، وكيف أن الدول الغربية جعلت جسراً لإمداداتها الحربية دعماً للمؤسسة العسكرية العراقية بالخبرة والمصانع والعتاد والمعدات والصواريخ والرادارات المتطوّرة والتدريب القتالي والحربي والدعم اللوجستي المنقطع النظير .. طوال الثمان سنوات التي حصلت فيها الحرب . وكيف أن المملكة العربية السعودية دعّمت الاقتصاد العراقي ، وكيف

صارت المملكة الأردنية الهاشمية ممراً لعبور كل تلك الإمدادات الحربية دون كلل أو ملل أو تقاعس ، انطلاقاً من ميناء العقبة المحادد لإسرائيل .. بمرأى ومسمع إسرائيل ومخابراتها واستخباراتها في المنطقة ، دعماً لحرب صدّام حسين على إيران الإسلامية الشيعية الفتيّة.

ما أن وضعت الحربُ العراقية الإيرانية أوزارها في 8/8/1988حتى انقطعت كل تلكم الإمدادات حيال نظام صدّام حسين ، عندما وضعت له الدوائر الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة (جبنة الإسقاط) في قفص الفأر المنهك . فانطبقت المصيدة على (الجرذ البعثي الخطير) حالما وطئت أقدام جيشه أرضَ الكويت، فكانت مأساتنا والحصار ، ومن ثم حلّت الكارثة ، وبالتالي سقط العراق في وحل الغزو الأمريكي الآسن .

العراق الخارج في 8/8/1988من حرب الثمان سنوات ؛ يدخل في 2/8/1990 في حرب غزو جارته العربية الكويت .. ينهبها نهبا .. يشرّد شعبها تشريدا !!!؟

كيف يقوى أقوى جيش في العالم أن يخوض حرباً جديدة ، وقد رفع إصبعه عن الزناد توّاً ؟!!

العراق .. عراق صدّام حسين ؛ يغزو الكويت لماذا ؟!!! ..

هل نفطه قليل ؟!

هل الكويت تائهة ؟!

هل جيشه قوي ؟!

هل اقتصاده متين ؟!

هل نظامه مطمئن على شعب لن يتمرّد عليه ، وقد ذبح القاصي والداني ؟!

هل يتاح للعراق الشيعي ديموغرافياً ، أن يتوسع .. بحيث يتمدد من الجبل حتى البحر .. مروراً بالبحرين .. قبالة السواحل الإيرانية الشيعية ؟!

الجواب الغربي ـ الأمريكي ـ الإسرائيلي ؛ يجب أن يسقط نظام صدّام حسين حتماً !

فكانت مهزلة الأسلحة الكيميائية والجرثومية !!!

وكان إسقاط حكومة صدّام حسين !

لم تكن حرب غزو الكويت إلا مبرراً موضوعياً لنزول القوات الأجنبية الغربية والأمريكية في منطقة الخليج ، بحجّة حماية الكويت التي كانت بالأمس محميّة بريطانيا العظمى ، في عالم تزعمته الولايات المتحدة الأمريكية بدلاً عنها .. زعيمة ً لعالم اليوم .

ولم يكن الغرب حريصاً على العراق ؛ حتى يدعمه في حربه على إيران الإسلامية . إذ لو كان الغرب حريصاً على نظام حكم صدّام حسين لدعمه في غزوه للكويت أيضا، ولما صرّح صدّام حسين بقولته الشهيرة في حرب الكويت (( لقد غدر الغادرون)) !!!

المؤامرة أكبر مما يتصور الكثير ؛ فقد جعلت الدوائر الغربية ، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية من صدّام حسين شرطياً بمنطقة الخليج .. ظالماً تقتصُّ به وتقتصُّ منه .. أنّى تشاء، بعدما خسرت شرطيها الشاهنشاهي بالأمس القريب . حيث كانت تتوقع أنها قادرة على تكرار أحداث 1953 عندما أسقطت مؤامراتها حكومة الدكتور مصدّق ، بأنها قادرة على إسقاط الجمهورية الإسلامية في إيران ، جاهلة ً هذه المرّة ؛ بأنّ الثورة الإسلامية في إيران حيدريّة القيادة حسينية الجماهير .

المقصد في بحثنا هذا ؛ إنَّ المؤامرة التي دفع العراق ثمنها ، سببها إيران الإسلامية الشيعية .. سواء كانت بسبب الدعم الغربي الأمريكي الإسرائيلي إستراتيجياً ضدها ، أو بسبب الدعم الوهابي السعودي مذهبياً . وفي الحالين ؛ دفع العراق العربي ثمن ذلك ، ودفع العراق الشيعي الثمن أيضا .

العراق ؛ دولة نفطية غنيّة بثرواتها وبمواردها البشرية .. دولة ذات تاريخ حضاري يمتد إلى أكثر من ثمانية آلاف سنة من عمر التاريخ البشري .. أرض الأنبياء والمقدسات الدينية و الإسلامية والقومية والشيعية ، لا يمكن أن لا يكونَ لها عمقٌ تاريخيٌّ مع جارتها إيران الحضارة والإسلام والتشيّع .. إيران التي بنت قبور الأئمة الشيعة بالذهب الإبريز حتى ناطحت القباب مسار السحاب.

اليوم ؛ يعبر (داعشُ) حدود الشام قادماً إلى العراق من جهته الشمالية .. ساعياً كالأفعى الرقطاء نحو منابع التشيّع فيه .. يسعى إلى امتصاص الدم الشيعي ، على أمل أن يعبر العراق إلى إيران الإسلامية ، كي يجفف منابع الولاء لآل بيت رسول الله (ص) في العالم ، حتى إذا ما ظهر المهدي المنتظر الموعود(ع) ؛ فلن يجد له قاعدة جماهيرية ، ولن يعودَ محمدٌ جديدٌ يُسقِط حضارات الغرب التي أسقطها بالأمس .

ولا أستطيع أن أعلم الغيب ؛ إلا أنني أقول : لعلَّ هذه هي جذور (داعش) .. وهذه هي أهدافه أيّها الأخوة الكرام .. واللهُ أعلم ؛؛؛

أحدث المقالات

أحدث المقالات