يرى جوزيف ناي المفكر الاستيراتيجي وصاحب نظرية(القوة الناعمة)،ان الحرب ليست قدرا محتوما، وان امريكا لن تكرر اخطاء الماضي،ليطرح مفهوما جديدا ،هو مفهوم القوة الناعمة ،حيث يقدم فيه انتصار قوة النموذج على نموذج القوة ،ويؤكد ان امريكا هي نموذج القوة الحضارية الواحدة ،جاء ذلك في كتابه المهم (القوة الناعمة) ،الذي يتحدث فيه عن العدوان الامريكي على العراق،في حين اثبتت الوقائع على الارض،بطلان نظرية فوكوياما (نهاية التاريخ)،وعدم تماسكها امام الاحداث الدراماتيكية التي خلخلت بنية العالم ،واحادية النظرة الهنتغتونية لصموئيل في كتابه المثير للجدل (صدام الحضارات)،حتى يبرز كتاب جوزيف ناي ذائع الصيت القوة الناعمة ونظريته الجديدة التي تقوم ادارة اوباما بتطبيقها الان في العراق خاصة،والعالم عموما ،واليكم ما تطرحه رؤية جوزيف ناي من اراء وافكار ملحة ،في سياق السياسة الخارجية الامريكية التي يعتبرها جوزيف ناي ،هي مقتل قوة النموذج امام نموذج القوة ،حيث تفقد امريكا مصداقيتها في اللهاث وراء المصالح الاستيراتيجية الخارجية ،وتترك نموذج القوة في الداخل امام المأزق الامريكي في الثقافة والتعددية والديمقراطية ،بوصفهما بعدا حضاريا امريكيا راقيا في العالم ،لاتريد امريكا ان يتهدم في نظر الاخرين ،وسنطبق هذا على العراق ،والسياسة الامريكية التي تمارسها ادارات امريكا بعد الغزو الوحشي له عام 2003،فأحتلال العراق حصل بأكذوبة ودون موافقات الامم المتحدة ومجلس الامن ،وكان الهدف من وراء الغزو والاحتلال ،ليس القضاء على برامج العراق التسليحية المحظورة والتي تسمى اسلحة الدمار الشامل ،التي اثبت المفتشون الدوليون ان العراق لايمتلكها ،ودحض (كذبة المجرم بوش) وجلاوزة ادارته من ديك تشيني وكولن باول وريتشارد بيرل وبوب وولف ويتز وكونداليزا رايس وغيرهم ،وانما كان الهدف الرئيسي من غزو العراق هو ضمان امن اسرائيل والاستحواذ على منابع النفط في العراق والخليج العربي ،وهذه اول اختبار فاشل لامريكا في تقديم قوة النموذج وفشلها في العراق ،امام نموذج القوة ،او ما تسمى القوة الناعمة في ادارة الحرب ،انتهى برحيل القوات الغازية من العراق ،اليوم نحن امام سيناريو امريكي جديد،واختبار امريكي جديد ،في اثبات قوة النموذج في الحرب الناعمة للقوة ،لايبدو من ادارة اوباما فهم نتائج الحرب المستقبلية المغرية لها الان في الشرق الاوسط عموما والعراق خاصة،في تقديم حرب القوة الصاعدة على القوة الناعمة ،لذلك هي تغوص الان في مستنقع العراق ،بعد ظهور قوة عسكرية خارقة امامها وهي (الدولة الاسلامية )،وكذلك الميليشيات الايرانية الطائفية ،التي تتصارع فيما بينهما لاسباب دينية تاريخية ،في حين تقود امريكا وتحالفها الدولي حربا تصفه (حربا على الارهاب الدولي)،وتمثل هذا الارهاب (الدولة الاسلامية في العراق والشام حسب التوصيف الامريكي)،في حين تتحالف مع (الميليشيات العراقية والايرانية في العراق)،وتعتبرها جيشا عراقيا ،بوادر هذا التحالف وضروراته ،ظهرت بعد تقدم الدولة الاسلامية وسيطرتها على نينوى وصلاح الدين واجزاء كبيرة من كركوك وديالى والانبار وحزام بغداد ،وهكذا اعلنت امريكا قيادتها لتحالف دولي للقضاء على ما تسميه هي ب(داعش)،اختصار لكلمتي (الدولة الاسلامية في العراق والشام)،وهذا التحالف ابعدت امريكا عنه (ايران وروسيا وسوريا)،اطراف الحرب العالمية الثالثة التي تدق طبولها الان (حسب كيسنجر)،والمتابع للتصريحات الامريكية لادارة اوباما والكونغرس واعضاء التحالف الدولي ،كلها تؤكد ان حربا ستشعلها ادارة اوباما سماها البيت الابيض امس(معركة الموصل)البرية ،فيما يتحمس الجانب الفرنسي والالماني والبريطاني للدخول لهذه الحرب ،ويفضلها برية ،بعد ان كانت (جوية بامتياز)،بطلعاتها الالفية على مواقع ومقرات واهداف الدولة الاسلامية في نينوى والانبار وكركوك وغيرها ،شاركت فيها طائرات التحالف الدولي بكثافة،وبعد ان فضل الجانب الامريكي الحرب الناعمة ،جوية كانت ام سياسية اعلامية وتصريحات نارية تحذيرية ،وبعد ان اثبتت هذه القوة عدم فاعليتها المرجوة منها،بسبب تقدم الدولة الاسلامية وتهديدها المصالح الامريكية الستراتيجية في العراق والمنطقة،وتوسعها السريع نحو العاصمة بغداد والمحافظات الاخرى ،وتسجيلها انتصارات حاسمة مقلقة لدول التحالف وامريكا في اكثر من مكان في العالم ،وفي مقدمته كوباني(هي تريد توريط تركيا في كوباني) والانبار وصلاح الدين وابو غريب وغيرها ،اصبحت (نغمة ادارة اوباما)، هي الاصرار على استخدام القوة البرية،وانزال قواتها في بيجي والانبار وايقاف تقدم عناصر الدولة الاسلامية فيها ،والتحضير بجدية فورية والاستعداد لمعركة الموصل القادمة ،وما تصريحات كيري ووزير دفاعه تشاك هيغل واعضاء الكونغرس وقادة التحالف الدولي وتحديدا وزير خارجية بريطانية لحرب برية كبيرة (وحاسمة كما سماها كيري)، هو العمل القادم ،ولكن ماذا عن ميليشيات المالكي الطائفية والحشد الطائفي والجيش المتراجع والمنسحب في اكثر من موقع مهم (عين الاسد مثلا)،هل هؤلاء جزء من الحل ام هم جزء من المشكلة ،مؤكد هم المشكلة كلها وليس جزء منها ،لانها من اهم اسباب ظهور الفصائل المسلحة وظهور ساحات الاعتصامات في المدن المقصية والمهمشة /واصرار نوري المالكي وبضغط طائفي انتقامي ايراني ،على ادخال العراق في حرب طائفية اهلية حذرناه منها مبكرا ،لتنفيذ اجندة ايرانية في تمدد مشروعها الكوني الصفوي الذي نراه الان في العراق ولبنان واليمن والبحرين وسوريا وغيرها،هذه الحرب التي يقودها التحالف الامريكي، تأخذ ابعادا اخرى يمكن ان تدخل في الحسابات السياسية الانية،وهناك معطيات على الارض تؤكدها ،ان رفض طهران هذا التحالف يقابله رفض امريكي ادخال ايران في هذا التحالف وكذلك الجانب السوري ،مما يؤشر حقية اخرى هي تقليم اظافر ايران في العراق بعد تنامي نفوذها وهيمنتها ،والان تريد امريكا اضعاف وانهاء هذا النفوذ الذي يهدد مصالحها ليس في العراق وحده وانما في المنطقة،وتصريحات قادة ايران ومنهم وزيرالدفاع وغيره الاستفزازية ضد امريكا تثير شهية امريكا وتحفزها على تقطيع اوصالها في العراق وسورية ،فامريكا تدعم الفصائل المسلحة الاسلامية في سوريا ضد النظام وكذلك الجيش الحر وغيره ،في حين تحارب في العراق ثوار العشائر والفصائل المسلحة ،اضافة الى ان ايران الان تعمل من خلال اذرعها في العراق المالكي واعوانه ،في افشال حكومة حيدر العبادي المدعومة امريكيا ودوليا ،وتعمل ايران بكل قوتها على الاطاحة بها لاعادة المالكي الى الحكم ،وهذا ما اعترف به العبادي نفسه ،بعد ان قام باجراءات مهمة جدا افزعت نوري المالكي واجلسته على الحديدة ،ومنها الغاء مكتب القائد العام واحالة الضباط الموالين له الى التقاعد وهم في مواقع حساسة جدا ،واجرات اخرى ،تؤكد استهداف المالكي وماكنته الاعلامية والعسكرية الموالية له لحد الان ،اذن ماتراه ادارة اوباما في استخدام قوة النموذج في العراق قد لايصلح الان ،الا لتنفيذ مصالها العليا فقط ،وهذا مؤشر على فشل هذا القوة الناعمة التي اكد عليها جوزيف ناي ،امام تفتح شهية ادارة اوباما وقادته العسكريين للحرب على الدولة الاسلامية انطلاقا من الموصل للقضاء عليها كما تتوهم وتعلن ،ولكن الهدف هو ابعد من هذا بكثير ،لانها ستفتح عليها ابواب جهنم هي وتحالفها الدولي ،وستكون المعارك في شوارع باريس وواشنطن ولندن وزبرلين وغيرها ،لان فتح جبهات متعددة في وقت واحد ،يرهق القوة العسكرية والادارية والمالية،وامريكا والدول المتحالفة معها ،لم تستطع اعلان الحرب المتعددة الرؤوس ،والاوقات والاهداف والاجندات،لهذا نحذر ادارة اوباما من فتح اكثر من جبهة للحرب ،لانها ستفقد مقعدها كدولة عظمى في العالم في المدى المنظور…معركة الموصل اذا حصلت ستكون اخر المعارك التاريخية لامريكا في الشرق الاوسط،لانها ستكون امريكا فقط وليست امريكا الدولة العظمى …؟