-1-
عرّفنا التاريخ بالكثير الكثير من الجبابرة الذين صبغوا الأرض بالدماء … ولم تأخذهم هوادة في تطاير الأشلاء …
ومن هؤلاء ” تيمورلنك” الذي تجلّى فيه – على حد قول بعضهم – ( الله باسم المنتقم الجبّار)
-2-
وحدّثنا التاريخ أيضاً :
انّ الفطنة خانت (ابن خلدون) حين تحوّل الى مجرد (مدّاح) بعد أنْ جلس على مائدة (تيمور) ..!!
” ذهب اليه بلباسه المغربي ،
وزيّه الأنيق الرقيق ، … ”
وقال له :
{ رأيتُ الملوك ،
وشهدتُ مشارق الارض ومغاربها ،
وخالطتُ ملوكها وأمراءها ،
ولكن الله مَنْ عليّ بان أحياني حتى رأيت الملك على الحقيقة ،
وطعام الملوك إنْ كان يؤكل لدفع التلف ، فطعام مولانا يؤكل لذلك وللفخر والشرف }
بهذه النبرة التي ملؤها الملق ، استطاع ابن خلدون ان يُدخل السرور على قلب تيمور ..!!
ولعلَّ ذلك كان من الأسباب التي دعت الراحل الدكتور علي الوردي ان يطلق عليه لقب (الانتهازي) ..!!
-3-
ولنقارن الآن بين (ابن خلدون) المنبطح أمام يتمور وبين عالم آخر ، وهو ابن الشحنة – الذي توّلى القضاء في حلب –
فقد دُعي الى مجلس (تيمور) ، وبحضور عبد الجبار المعتزلي – الذي اختاره تيمور إماماً له – ،بعد ان فتح (تيمور) (حلب) واستولى على قلعتها ، ضمنَ مَنْ دعاهم من القضاة والعلماء ، فتوجّه المعتزلي بالسؤال قائلاً :
سلطاننا يقول :
إنه بالأمس قُتل منّا ، وقُتل منكم ، فمن الشهيد :
قتيلُنا أم قتيلكم ” ؟
من الواضح ان السؤال من الاسئلة المحرجة ، ولا ينجي من الموقف الحرج الا الفطنة العالية والذكاء المتوقد .
ماذا يقول ابن الشحنة ؟
هل يقول (لتيمور) : قتلاكم شهداء ، فينافق ؟
أم يقول : قتلانا الشهداء فتضرب عنُقه ؟
وحين وجم العلماء والقضاة جميعاً ، قال ابن الشحّنة :
{ هذا سؤال سُئِلَ عنه رسول الله (ص) وأجاب عنه }
فاستشاط (تيمور) غضبا …
كيف يسخر ابن الشحنة من كلامه ؟!
واستغرب الحاضرون مِنْ (ابن الشحنة) حتى لقد ظن بعضهم انه فقد عقله..!!
وارتسم في الاذهان :
كيف سئل رسول الله (ص) ؟
وكيف أجاب ؟
وهنا قال ابن الشحنة :
” جاء أعرابي الى رسول الله وقال :
يا رسول الله
ان الرجل يقاتل حَمِيّةً ،
ويقاتل شجاعة ،
ويقاتل لنرى مكانُه ،
فأينا في سبيل الله ؟
فقال رسول الله :
” من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو الشهيد ”
قيل :
” فَسُرّ تيمور لهذا الجواب ،
وأعجب بدهاء الشيخ ولطف بديهته …”
لم يستطع (تيمور) بكّل ما يملك من سطوة وجبروت أنْ ينتزع من (ابن
الشحنة) ما انتزعه من (ابن خلدون) من كلمات المديح ..!!
إنَّ الفطنة والذكاء كانا سلاحه في ما حققّه من فوز في الخروج من عنق الزجاجة دون ان يدفع الثمن ..!!