30 أبريل، 2025 10:51 ص

  داعش الشيعة وداعش السنة .. تختلف الطوائف والإرهاب واحد

  داعش الشيعة وداعش السنة .. تختلف الطوائف والإرهاب واحد

  

بينما يهيمن التحالف الذي كونته واشنطن مع البلدان الأوروبية والعربية، لضرب تنظيم الدولة الإسلامية، على التعاطي الإعلامي، تم التغافل عن الميليشيات الإيرانية التي هي في الأصل نسخة شيعية عن تنظيم داعش السنّي، فكلاهما يريق الدماء ويتباهى بحمل الرؤوس المقطوعة ويغذّي فيروس الطائفية التي يدفع، في النهاية، ثمنها المكوّن العراقي بانتماءاته وطوائفه وهوياته المتعدّدة.

واستقواء الميليشيات الشيعية المتخفّي خلف الاهتمام المسلّط على التنظيم الإرهابي السنّي، هو أمر يكسب أطروحة الكاتب البريطاني جورج مونبيوت مزيدا من الوجاهة حين تساءل لماذا التوقف عند تنظيم الدولة الإسلامية وماذا عن ضرب الميليشيات الشيعية الإيرانية التي باتت تتحدّث صراحة عن عمليات تطهير في العراق تقوم بها تنظيمات شيعية مشابه لتنظيم القاعدة السني.

انبثقت في أوائل الثمانينات من القرن الماضي أولى بؤر الميليشيات الشيعية العراقية في العاصمة الإيرانية طهران، حيث أُسس فيلق بدر من قِبل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي كان يتزعمه محمد باقر الحكيم.

أُسندت مهمة قيادة الفيلق الميليشياوي إلى هادي العامري، وهو شخص مُحمّل بحقد طائفي تجاه المكوِّن السُني، فلا غرابة أن يصطف إلى جانب القوات الإيرانية ويقاتل العراقيين من أبناء وطنه الذين كانوا يتصدّون للعدوان الإيراني على الأراضي العراقية متذرعا بالفتوى التي أصدرها المرجع الشيعي محمد باقر الصدر عام 1979 والتي تقرّ بمواجهة نظام الرئيس الراحل صدام حسين واعتبار هذه المواجهة واجبا شرعيا.

على الرغم من صحة هذه الفتوى أو عدَمِها فإن فكرة تأسيس هذا الفيلق المليشياوي تعود للخميني وبعض المستشارين المختصين في الشؤون الأمنية والعسكرية الذين شدّدوا على أهمية قيام هذا الفيلق بالتعرّض للقطعات العسكرية العراقية خلال سنوات الحرب المشتعلة آنذاك، والقيام بالاغتيالات داخل الأراضي العراقية.

ماهي “عقيدة” فيلق بدر؟

كانت ميليشيا فيلق بدر ولا تزال تعتمد على الذهنية التدميرية التي تحاول تخريب كل ما أنجزه النظام السابق من أمن، وازدهار اقتصادي، وحياة مدنية متطوِّرة. كما ناصبت كل البعثيين العداء، واعتبرت المكوِّن السُني هو الحاضنة الأم للنظام السابق الذي لم يكن طائفيا في حقيقة الأمر، لكنه كان يقف على مسافة بعيدة من النهج الديمقراطي المعروف في الدول المتقدمة.

وفق هذه الرؤية التدميرية تفاقمت شهية الانتقام لدى الميليشياويين في فيلق بدر، وهو ذات الفيروس الذي سيضرب غالبية الميليشيات الشيعية إن لم أقل كلها. فقد اشترك معظمها في أعمال القتل الطائفي والتصفيات الجسدية لضباط الجيش العراقي السابق والطيارين والعلماء والأطباء وأساتذة الجامعات في محاولة يائسة لإفراغ العراق من كل طاقاته الإبداعية الخلاقة.

وحينما انشق العامري عن المجلس الأعلى وانضم إلى التحالف الوطني مُبقيا معه العناصر الميليشياوية التي راهنت عليه، ظل القسم الآخر تحت راية المجلس الأعلى الذي يقوده عمّار الحكيم، لكن الطرفين المنشقّين يزاولان مهمة واحدة وهي الفتك بالمكون السُني. ولعل المجازر الأخيرة التي أرتُكبت في جوامع محافظة ديالى هي دليل ناصع على إيغال فيلق بدر الميليشياوي في انتهاكاته الخطيرة التي ترقى إلى أعمال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي للمكوِّن السُني في المحافظات العراقية الست المنتفضة بما فيها العاصمة بغداد التي شهدت فظائع كثيرة منذ عام 2003 وحتى الوقت الراهن.

 

من هي ميليشيا “جيش المهدي”؟

إذا كان تعداد ميليشيا فيلق بدر قد بدأ بعشرة آلاف مقاتل يمتهنون التطهير الطائفي والقتل على الهُوية فإن جيش المهدي الذي أُسس عام 2003 بحجة مقاتلة جيوش الاحتلال قد بلغ تعداده في أثناء التأسيس نحو خمسين ألف مقاتل ثم تزايد هذا العدد ودخل في معركة شرسة مع الجيش الأميركي في عام 2004 والقوات العسكرية والأمنية العراقية في عام 2008، لكنه اضطر إلى تجميد هذه الميليشيا بعد تورّط بعض منتسبيها في عمليات التطهير العرقي ضد المكوّن السُني، وهذا هدف غير مُعلن يكاد يشترك فيه معظم الميليشيات الشيعية العراقية. على الرغم من اشتراك التيار الصدري في العملية السياسية إلا أن عناصر ميليشيا جيش المهدي لم تكن منضبطة وقد ارتكبت مثل شقيقتها ميليشيا فيلق بدر خروقات فاضحة لحقوق الإنسان وعمليات تطهير عرقي يندى لها الجبين، غير أن مقتدى الصدر كان ينأى بنفسه عن هذه الجرائم التي أوشكت أن تشعل غير مرّة حربا طائفية لكن القوات الأميركية كانت تتدارك الموقف وتطفئ مثل هذه الحروب المحتملة.

لا غروَ في أن إيران التي شجّعت على تأسيس فيلق بدر ودعمته ماديا وعسكريا هي نفسها التي كانت تدعم مقتدى الصدر بالأموال والأسلحة والخبرات، بل إن استعراضه الأخير لقطعاته الميليشياوية قد أذهل المراقبين بتسليحه الثقيل المتمثل بصواريخ “مقتدى واحد” وهم يعرفون جيدا أن إيران تُشكِّل المصدر الرئيس لتسليحه وتدريب عناصره التي ضمّت خليطا غير متجانس من الناس البسطاء وأصحاب السوابق وآلاف العاطلين عن العمل الذين تورطوا بدماء الشعب وارتكبوا فظائع كثيرة في عدد من المدن العراقية كالقتل، والاعتداء على المواطنين، وترويع الأقليات الدينية.

 

كيف نشأت “عصائب أهل الحق”؟

مثلما انشقت ميليشيا فيلق بدر انشق جيش المهدي عام 2007 فأنجب مسخا مشوّها أسموه بـ “عصائب أهل الحق” وهي تسمية بعيدة كل البُعد عن الحق وعن بقية المفاهيم الإنسانية السمحاء. وعلى الرغم من أن قيس الخزعلي هو زعيم هذه الميليشيا الجديدة إلا أنها تعمل بتوجيه مباشر من قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، المتورط في اغتيال القادة والضباط والبعثيين الكبار في العراق.

تميزت هذه الميليشيا بوحشيتها وفتكها بأهل السُنة في العراق حتى أن الصدر نفسه قد اعتبر العديد من أعمالها جرائم طائفية وطالب إيران بتجفيف دعمها المادي. ولكي يصفّي المالكي حساباته مع الصدر فقد قرّب الخزعلي إليه مُغدقا عليه الأموال والأسلحة. كما أطلق له العنان في المدن السنية حيث أذاق أهلها سوء العذاب. وأكثر من ذلك فقد سمح له ولميليشياته بالقتال إلى جانب النظام السوري، الذي يفتك هو الآخر مع حليفه الطائفي حسن نصر الله، بسُنة سوريا الذين يشكّلون الغالبية العظمى في البلاد إضافة إلى المكوِّنات الأخرى التي لا تختلف كثيرا عن مكوّنات الشعب العراقي الذي يعاني من سطوة هذه الميليشيات التي أعادت العراق إلى العصور المظلمة.

وقد ارتكبت ميليشيات عصائب أهل الحق انتهاكات فظيعة في محافظة ديالى وحزام بغداد حيث أعدمت العشرات من الناس الأبرياء، وفجرّت منازلهم، وقوّضت مساجدهم.

فهذه الميليشيات لا تريد للعراق أن يبني دولة مدنية ديمقراطية يسودها القانون، بل هي تبني سلطة طائفية يتناوب عليها قادة طائفيون يقننون سرقة المال العام ويكبّلون البلد بحالة متواصلة من الفلتان الأمني الذي يضمن لهم نهب ثروات البلد بشكل مُنتظم.

 

ما دور ميليشيات إيران في سوريا؟

لم تكن العصائب هي المليشيا العراقية الوحيدة التي وقفت إلى جانب نظام بشار الأسد الطائفي ضد المكوِّن السُني في سوريا، فهناك لواء أبو الفضل العبّاس الذي يقوده علي الكعبي الذي اصطف إلى جانب النظام العلوي وارتكب مجازر كبيرة بحق المواطنين السوريين الأبرياء بحجة الدفاع عن مرقد السيدة زينب، وهي ذات الذريعة التي يستعملها النظام الثيوقراطي في إيران للتدخل في الشؤون الداخلية العراقية بحجة الدفاع عن العتبات المقدسة، لكن هذه الميليشيا الإرهابية انسحبت إلى العراق لدرء تهديد العناصر الإرهابية للدولة الإسلامية التي وصلت إلى مشارف بغداد لولا طائرات التحالف الدولي التي أوقفت جنون هذه المنظمة الإرهابية التي أرعبت أميركا وأوروبا الغربية على وجه التحديد.

 

هل دخل حزب الله على الخط؟

وصلت تجليات حزب الله اللبناني إلى العراق حيث أسّس جيش المختار، فرع العراق، بزعامة واثق البطاط الذي أربك الوضع ليس في العراق حسب، وإنما أراد أن ينقل المعركة إلى المخافر السعودية حينما قصفها بالصواريخ.

لكن الحكومة العراقية وضعت حدا لجنونه واحتجزته في سابقة غير مألوفة، فقادة الميليشيات الشيعية يسرحون ويمرحون في المدن العراقية، بل ويستعرضون فيها بقطعاتهم الميليشياوية الخارجة عن القانون.

وقد ارتكبت عناصر هذا التنظيم الإرهابي جرائم كبرى بحق المكوِّن السُني من خلال عمليات القتل الطائفي الذي تصاعدت حدته في السنتين الأخيرتين من ولاية المالكي الثانية.

المُلاحظ أن غالبية الميليشيات الشيعية تنقسم على نفسها لسببين وهما السلطة والمال لكنها تتفق جميعا على “شيطنة” المكوِّن السُني برمته باعتباره حاضنة للتنظيمات الإرهابية المتطرفة مثل القاعدة وتنظيم داعش أو حتى التنظيمات المحلية المناوئة للعملية السياسية مثل “النقشبندية” و”كتائب ثورة العشرين” و”جيش المجاهدين” وسواها من التنظيمات السُنية المعروفة المتضررة من هيمنة الميليشيات الشيعية التي تبطش بالمواطنين الأبرياء وتتلاعب بمقدراتهم.

لا شك في أن حزب الدعوة الحاكم قد انقسم غير مرة تنظيما وميليشيات. وعلى الرغم من أن المالكي كان يقرّب هذه الميليشيا أو تلك بحسب الفظائع التي ترتكبها بحق المكون السُني في عموم المدن العراقية إلاّ أن حزب الدعوة كان يتكئ على تنظيمين ميليشياويين وهما “ميليشيا حزب الدعوة”، ويقوده إبراهيم الجعفري الذي لا يقل طائفية عن المالكي، وميليشيا حزب الدعوة، فرع العراق، الذي يتزعمه عبدالكريم العنزي.

 ولأن قادة حزب الدعوة لا يحتاجون إلى هذه الميليشيات طالما هم على رأس السلطة وأن ما يسمى بالفرق الذهبية أو فرق الموت هي طوع بنانهم في كل حين، فإنهم يركنون ميليشياتهم الحزبية لساعات الضيق عندما يجدون أنفسهم في العراء بعيدا عن هذه الفرق الطائفية التي تلبّي حاجاتهم الحزبية والشخصية، كما أنها تنكِّل بالمكونات الأخرى للشعب العراقي.

في السياق ذاته يمكن أن نضع ميليشيا جمعية مكافحة الإرهاب، التي يقودها موفق الربيعي، في هذا الإطار لأن وظيفته كمستشار للأمن الوطني تحتّم عليه الدفاع عن هذه العملية السياسية التي تبني سلطة ولا تشيّد دولة عصرية حديثة تعتمد على مؤسسات مدنية تدير البلد، وتوفر لأبنائه الخدمات الضرورية والعيش الرغيد كما هو الحال في البلدان الغنية والمرفهة اقتصاديا.

ما من حزب شيعي بلا ميليشيا إرهابية، فحتى الشخصيات التي تحمل مؤهلا علميا مثل أحمد الجلبي قد سارع أولا إلى تأسيس “البيت الشيعي” تاركا المعاناة الحقيقية للشعب العراقي وحاجته الماسة للأمن والاستقرار.

وقد صبّ جُلّ اهتمامه على ميليشيته التي تحمل اسم “المؤتمر الوطني” كي يدافع عن حياض تكوينه السياسي ومصالحه الحزبية والشخصية على الرغم من استمتاعه بمقولة “إنه لا يحكم، لكنه يتحكّم”!

ثمة ميليشيات شيعية غريبة مثل “ميليشيا غسل العار” التي يترأسها جعفر الرغيف وتنحصر مهمتها بقتل الشيعة الذين “تسننوا”، أي تحوّلوا إلى المذهب السُني! وهناك “ميليشيا حسينية البراثا” المختصة ببث السموم الطائفية، والعزف على الوتر المذهبي ليلا نهارا، أما زعيمها فهو جلال الدين الصغير!

لا يمكن الوقوف عند كل الميليشيات الشيعية الإرهابية التي تتناسل موسميا أو تنشق عن بعضها بعضا وقد جاوزت الأربعين ميليشيا حتى الآن. وهي في مجملها عصابات خارجة على القانون تفتك بالمكون السُني ولا تجد ضيرا في التقاتل والاحتراب فيما بينها من أجل تحقيق المكاسب السلطوية والمادية.

وقد ارتكبت غالبية هذه الميليشيات مجازر وحشية بحق المكون السُني، ومارست القتل على الهوية، وانتهكت حقوق الإنسان على مدى عشر سنوات أو يزيد، ومع ذلك فإن واشنطن والمجتمع الدولي برمته ما يزالان صامتين إزاء هذه الفظاعات التي تُرتكب بحق المكون السُني والتي ترقى إلى مستوى التطهير العرقي وجرائم الإبادة الجماعية التي تهدد السلم الوطني في العراق أو تسعى إلى تقسيمه إلى ثلاث دويلات صغيرة في أقل تقدير.

 

 

داعش الشيعة وداعش السنة .. تختلف الطوائف والإرهاب واحد

بينما يهيمن التحالف الذي كونته واشنطن مع البلدان الأوروبية والعربية، لضرب تنظيم الدولة الإسلامية، على التعاطي الإعلامي، تم التغافل عن الميليشيات الإيرانية التي هي في الأصل نسخة شيعية عن تنظيم داعش السنّي، فكلاهما يريق الدماء ويتباهى بحمل الرؤوس المقطوعة ويغذّي فيروس الطائفية التي يدفع، في النهاية، ثمنها المكوّن العراقي بانتماءاته وطوائفه وهوياته المتعدّدة.

واستقواء الميليشيات الشيعية المتخفّي خلف الاهتمام المسلّط على التنظيم الإرهابي السنّي، هو أمر يكسب أطروحة الكاتب البريطاني جورج مونبيوت مزيدا من الوجاهة حين تساءل لماذا التوقف عند تنظيم الدولة الإسلامية وماذا عن ضرب الميليشيات الشيعية الإيرانية التي باتت تتحدّث صراحة عن عمليات تطهير في العراق تقوم بها تنظيمات شيعية مشابه لتنظيم القاعدة السني.

انبثقت في أوائل الثمانينات من القرن الماضي أولى بؤر الميليشيات الشيعية العراقية في العاصمة الإيرانية طهران، حيث أُسس فيلق بدر من قِبل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي كان يتزعمه محمد باقر الحكيم.

أُسندت مهمة قيادة الفيلق الميليشياوي إلى هادي العامري، وهو شخص مُحمّل بحقد طائفي تجاه المكوِّن السُني، فلا غرابة أن يصطف إلى جانب القوات الإيرانية ويقاتل العراقيين من أبناء وطنه الذين كانوا يتصدّون للعدوان الإيراني على الأراضي العراقية متذرعا بالفتوى التي أصدرها المرجع الشيعي محمد باقر الصدر عام 1979 والتي تقرّ بمواجهة نظام الرئيس الراحل صدام حسين واعتبار هذه المواجهة واجبا شرعيا.

على الرغم من صحة هذه الفتوى أو عدَمِها فإن فكرة تأسيس هذا الفيلق المليشياوي تعود للخميني وبعض المستشارين المختصين في الشؤون الأمنية والعسكرية الذين شدّدوا على أهمية قيام هذا الفيلق بالتعرّض للقطعات العسكرية العراقية خلال سنوات الحرب المشتعلة آنذاك، والقيام بالاغتيالات داخل الأراضي العراقية.

ماهي “عقيدة” فيلق بدر؟

كانت ميليشيا فيلق بدر ولا تزال تعتمد على الذهنية التدميرية التي تحاول تخريب كل ما أنجزه النظام السابق من أمن، وازدهار اقتصادي، وحياة مدنية متطوِّرة. كما ناصبت كل البعثيين العداء، واعتبرت المكوِّن السُني هو الحاضنة الأم للنظام السابق الذي لم يكن طائفيا في حقيقة الأمر، لكنه كان يقف على مسافة بعيدة من النهج الديمقراطي المعروف في الدول المتقدمة.

وفق هذه الرؤية التدميرية تفاقمت شهية الانتقام لدى الميليشياويين في فيلق بدر، وهو ذات الفيروس الذي سيضرب غالبية الميليشيات الشيعية إن لم أقل كلها. فقد اشترك معظمها في أعمال القتل الطائفي والتصفيات الجسدية لضباط الجيش العراقي السابق والطيارين والعلماء والأطباء وأساتذة الجامعات في محاولة يائسة لإفراغ العراق من كل طاقاته الإبداعية الخلاقة.

وحينما انشق العامري عن المجلس الأعلى وانضم إلى التحالف الوطني مُبقيا معه العناصر الميليشياوية التي راهنت عليه، ظل القسم الآخر تحت راية المجلس الأعلى الذي يقوده عمّار الحكيم، لكن الطرفين المنشقّين يزاولان مهمة واحدة وهي الفتك بالمكون السُني. ولعل المجازر الأخيرة التي أرتُكبت في جوامع محافظة ديالى هي دليل ناصع على إيغال فيلق بدر الميليشياوي في انتهاكاته الخطيرة التي ترقى إلى أعمال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي للمكوِّن السُني في المحافظات العراقية الست المنتفضة بما فيها العاصمة بغداد التي شهدت فظائع كثيرة منذ عام 2003 وحتى الوقت الراهن.

 

من هي ميليشيا “جيش المهدي”؟

إذا كان تعداد ميليشيا فيلق بدر قد بدأ بعشرة آلاف مقاتل يمتهنون التطهير الطائفي والقتل على الهُوية فإن جيش المهدي الذي أُسس عام 2003 بحجة مقاتلة جيوش الاحتلال قد بلغ تعداده في أثناء التأسيس نحو خمسين ألف مقاتل ثم تزايد هذا العدد ودخل في معركة شرسة مع الجيش الأميركي في عام 2004 والقوات العسكرية والأمنية العراقية في عام 2008، لكنه اضطر إلى تجميد هذه الميليشيا بعد تورّط بعض منتسبيها في عمليات التطهير العرقي ضد المكوّن السُني، وهذا هدف غير مُعلن يكاد يشترك فيه معظم الميليشيات الشيعية العراقية. على الرغم من اشتراك التيار الصدري في العملية السياسية إلا أن عناصر ميليشيا جيش المهدي لم تكن منضبطة وقد ارتكبت مثل شقيقتها ميليشيا فيلق بدر خروقات فاضحة لحقوق الإنسان وعمليات تطهير عرقي يندى لها الجبين، غير أن مقتدى الصدر كان ينأى بنفسه عن هذه الجرائم التي أوشكت أن تشعل غير مرّة حربا طائفية لكن القوات الأميركية كانت تتدارك الموقف وتطفئ مثل هذه الحروب المحتملة.

لا غروَ في أن إيران التي شجّعت على تأسيس فيلق بدر ودعمته ماديا وعسكريا هي نفسها التي كانت تدعم مقتدى الصدر بالأموال والأسلحة والخبرات، بل إن استعراضه الأخير لقطعاته الميليشياوية قد أذهل المراقبين بتسليحه الثقيل المتمثل بصواريخ “مقتدى واحد” وهم يعرفون جيدا أن إيران تُشكِّل المصدر الرئيس لتسليحه وتدريب عناصره التي ضمّت خليطا غير متجانس من الناس البسطاء وأصحاب السوابق وآلاف العاطلين عن العمل الذين تورطوا بدماء الشعب وارتكبوا فظائع كثيرة في عدد من المدن العراقية كالقتل، والاعتداء على المواطنين، وترويع الأقليات الدينية.

 

كيف نشأت “عصائب أهل الحق”؟

مثلما انشقت ميليشيا فيلق بدر انشق جيش المهدي عام 2007 فأنجب مسخا مشوّها أسموه بـ “عصائب أهل الحق” وهي تسمية بعيدة كل البُعد عن الحق وعن بقية المفاهيم الإنسانية السمحاء. وعلى الرغم من أن قيس الخزعلي هو زعيم هذه الميليشيا الجديدة إلا أنها تعمل بتوجيه مباشر من قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، المتورط في اغتيال القادة والضباط والبعثيين الكبار في العراق.

تميزت هذه الميليشيا بوحشيتها وفتكها بأهل السُنة في العراق حتى أن الصدر نفسه قد اعتبر العديد من أعمالها جرائم طائفية وطالب إيران بتجفيف دعمها المادي. ولكي يصفّي المالكي حساباته مع الصدر فقد قرّب الخزعلي إليه مُغدقا عليه الأموال والأسلحة. كما أطلق له العنان في المدن السنية حيث أذاق أهلها سوء العذاب. وأكثر من ذلك فقد سمح له ولميليشياته بالقتال إلى جانب النظام السوري، الذي يفتك هو الآخر مع حليفه الطائفي حسن نصر الله، بسُنة سوريا الذين يشكّلون الغالبية العظمى في البلاد إضافة إلى المكوِّنات الأخرى التي لا تختلف كثيرا عن مكوّنات الشعب العراقي الذي يعاني من سطوة هذه الميليشيات التي أعادت العراق إلى العصور المظلمة.

وقد ارتكبت ميليشيات عصائب أهل الحق انتهاكات فظيعة في محافظة ديالى وحزام بغداد حيث أعدمت العشرات من الناس الأبرياء، وفجرّت منازلهم، وقوّضت مساجدهم.

فهذه الميليشيات لا تريد للعراق أن يبني دولة مدنية ديمقراطية يسودها القانون، بل هي تبني سلطة طائفية يتناوب عليها قادة طائفيون يقننون سرقة المال العام ويكبّلون البلد بحالة متواصلة من الفلتان الأمني الذي يضمن لهم نهب ثروات البلد بشكل مُنتظم.

 

ما دور ميليشيات إيران في سوريا؟

لم تكن العصائب هي المليشيا العراقية الوحيدة التي وقفت إلى جانب نظام بشار الأسد الطائفي ضد المكوِّن السُني في سوريا، فهناك لواء أبو الفضل العبّاس الذي يقوده علي الكعبي الذي اصطف إلى جانب النظام العلوي وارتكب مجازر كبيرة بحق المواطنين السوريين الأبرياء بحجة الدفاع عن مرقد السيدة زينب، وهي ذات الذريعة التي يستعملها النظام الثيوقراطي في إيران للتدخل في الشؤون الداخلية العراقية بحجة الدفاع عن العتبات المقدسة، لكن هذه الميليشيا الإرهابية انسحبت إلى العراق لدرء تهديد العناصر الإرهابية للدولة الإسلامية التي وصلت إلى مشارف بغداد لولا طائرات التحالف الدولي التي أوقفت جنون هذه المنظمة الإرهابية التي أرعبت أميركا وأوروبا الغربية على وجه التحديد.

 

هل دخل حزب الله على الخط؟

وصلت تجليات حزب الله اللبناني إلى العراق حيث أسّس جيش المختار، فرع العراق، بزعامة واثق البطاط الذي أربك الوضع ليس في العراق حسب، وإنما أراد أن ينقل المعركة إلى المخافر السعودية حينما قصفها بالصواريخ.

لكن الحكومة العراقية وضعت حدا لجنونه واحتجزته في سابقة غير مألوفة، فقادة الميليشيات الشيعية يسرحون ويمرحون في المدن العراقية، بل ويستعرضون فيها بقطعاتهم الميليشياوية الخارجة عن القانون.

وقد ارتكبت عناصر هذا التنظيم الإرهابي جرائم كبرى بحق المكوِّن السُني من خلال عمليات القتل الطائفي الذي تصاعدت حدته في السنتين الأخيرتين من ولاية المالكي الثانية.

المُلاحظ أن غالبية الميليشيات الشيعية تنقسم على نفسها لسببين وهما السلطة والمال لكنها تتفق جميعا على “شيطنة” المكوِّن السُني برمته باعتباره حاضنة للتنظيمات الإرهابية المتطرفة مثل القاعدة وتنظيم داعش أو حتى التنظيمات المحلية المناوئة للعملية السياسية مثل “النقشبندية” و”كتائب ثورة العشرين” و”جيش المجاهدين” وسواها من التنظيمات السُنية المعروفة المتضررة من هيمنة الميليشيات الشيعية التي تبطش بالمواطنين الأبرياء وتتلاعب بمقدراتهم.

لا شك في أن حزب الدعوة الحاكم قد انقسم غير مرة تنظيما وميليشيات. وعلى الرغم من أن المالكي كان يقرّب هذه الميليشيا أو تلك بحسب الفظائع التي ترتكبها بحق المكون السُني في عموم المدن العراقية إلاّ أن حزب الدعوة كان يتكئ على تنظيمين ميليشياويين وهما “ميليشيا حزب الدعوة”، ويقوده إبراهيم الجعفري الذي لا يقل طائفية عن المالكي، وميليشيا حزب الدعوة، فرع العراق، الذي يتزعمه عبدالكريم العنزي.

 

ولأن قادة حزب الدعوة لا يحتاجون إلى هذه الميليشيات طالما هم على رأس السلطة وأن ما يسمى بالفرق الذهبية أو فرق الموت هي طوع بنانهم في كل حين، فإنهم يركنون ميليشياتهم الحزبية لساعات الضيق عندما يجدون أنفسهم في العراء بعيدا عن هذه الفرق الطائفية التي تلبّي حاجاتهم الحزبية والشخصية، كما أنها تنكِّل بالمكونات الأخرى للشعب العراقي.

في السياق ذاته يمكن أن نضع ميليشيا جمعية مكافحة الإرهاب، التي يقودها موفق الربيعي، في هذا الإطار لأن وظيفته كمستشار للأمن الوطني تحتّم عليه الدفاع عن هذه العملية السياسية التي تبني سلطة ولا تشيّد دولة عصرية حديثة تعتمد على مؤسسات مدنية تدير البلد، وتوفر لأبنائه الخدمات الضرورية والعيش الرغيد كما هو الحال في البلدان الغنية والمرفهة اقتصاديا.

ما من حزب شيعي بلا ميليشيا إرهابية، فحتى الشخصيات التي تحمل مؤهلا علميا مثل أحمد الجلبي قد سارع أولا إلى تأسيس “البيت الشيعي” تاركا المعاناة الحقيقية للشعب العراقي وحاجته الماسة للأمن والاستقرار.

وقد صبّ جُلّ اهتمامه على ميليشيته التي تحمل اسم “المؤتمر الوطني” كي يدافع عن حياض تكوينه السياسي ومصالحه الحزبية والشخصية على الرغم من استمتاعه بمقولة “إنه لا يحكم، لكنه يتحكّم”!

ثمة ميليشيات شيعية غريبة مثل “ميليشيا غسل العار” التي يترأسها جعفر الرغيف وتنحصر مهمتها بقتل الشيعة الذين “تسننوا”، أي تحوّلوا إلى المذهب السُني! وهناك “ميليشيا حسينية البراثا” المختصة ببث السموم الطائفية، والعزف على الوتر المذهبي ليلا نهارا، أما زعيمها فهو جلال الدين الصغير!

لا يمكن الوقوف عند كل الميليشيات الشيعية الإرهابية التي تتناسل موسميا أو تنشق عن بعضها بعضا وقد جاوزت الأربعين ميليشيا حتى الآن. وهي في مجملها عصابات خارجة على القانون تفتك بالمكون السُني ولا تجد ضيرا في التقاتل والاحتراب فيما بينها من أجل تحقيق المكاسب السلطوية والمادية.

وقد ارتكبت غالبية هذه الميليشيات مجازر وحشية بحق المكون السُني، ومارست القتل على الهوية، وانتهكت حقوق الإنسان على مدى عشر سنوات أو يزيد، ومع ذلك فإن واشنطن والمجتمع الدولي برمته ما يزالان صامتين إزاء هذه الفظاعات التي تُرتكب بحق المكون السُني والتي ترقى إلى مستوى التطهير العرقي وجرائم الإبادة الجماعية التي تهدد السلم الوطني في العراق أو تسعى إلى تقسيمه إلى ثلاث دويلات صغيرة في أقل تقدير.

 

 

داعش الشيعة وداعش السنة .. تختلف الطوائف والإرهاب واحد

بينما يهيمن التحالف الذي كونته واشنطن مع البلدان الأوروبية والعربية، لضرب تنظيم الدولة الإسلامية، على التعاطي الإعلامي، تم التغافل عن الميليشيات الإيرانية التي هي في الأصل نسخة شيعية عن تنظيم داعش السنّي، فكلاهما يريق الدماء ويتباهى بحمل الرؤوس المقطوعة ويغذّي فيروس الطائفية التي يدفع، في النهاية، ثمنها المكوّن العراقي بانتماءاته وطوائفه وهوياته المتعدّدة.

واستقواء الميليشيات الشيعية المتخفّي خلف الاهتمام المسلّط على التنظيم الإرهابي السنّي، هو أمر يكسب أطروحة الكاتب البريطاني جورج مونبيوت مزيدا من الوجاهة حين تساءل لماذا التوقف عند تنظيم الدولة الإسلامية وماذا عن ضرب الميليشيات الشيعية الإيرانية التي باتت تتحدّث صراحة عن عمليات تطهير في العراق تقوم بها تنظيمات شيعية مشابه لتنظيم القاعدة السني.

انبثقت في أوائل الثمانينات من القرن الماضي أولى بؤر الميليشيات الشيعية العراقية في العاصمة الإيرانية طهران، حيث أُسس فيلق بدر من قِبل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي كان يتزعمه محمد باقر الحكيم.

أُسندت مهمة قيادة الفيلق الميليشياوي إلى هادي العامري، وهو شخص مُحمّل بحقد طائفي تجاه المكوِّن السُني، فلا غرابة أن يصطف إلى جانب القوات الإيرانية ويقاتل العراقيين من أبناء وطنه الذين كانوا يتصدّون للعدوان الإيراني على الأراضي العراقية متذرعا بالفتوى التي أصدرها المرجع الشيعي محمد باقر الصدر عام 1979 والتي تقرّ بمواجهة نظام الرئيس الراحل صدام حسين واعتبار هذه المواجهة واجبا شرعيا.

على الرغم من صحة هذه الفتوى أو عدَمِها فإن فكرة تأسيس هذا الفيلق المليشياوي تعود للخميني وبعض المستشارين المختصين في الشؤون الأمنية والعسكرية الذين شدّدوا على أهمية قيام هذا الفيلق بالتعرّض للقطعات العسكرية العراقية خلال سنوات الحرب المشتعلة آنذاك، والقيام بالاغتيالات داخل الأراضي العراقية.

ماهي “عقيدة” فيلق بدر؟

كانت ميليشيا فيلق بدر ولا تزال تعتمد على الذهنية التدميرية التي تحاول تخريب كل ما أنجزه النظام السابق من أمن، وازدهار اقتصادي، وحياة مدنية متطوِّرة. كما ناصبت كل البعثيين العداء، واعتبرت المكوِّن السُني هو الحاضنة الأم للنظام السابق الذي لم يكن طائفيا في حقيقة الأمر، لكنه كان يقف على مسافة بعيدة من النهج الديمقراطي المعروف في الدول المتقدمة.

وفق هذه الرؤية التدميرية تفاقمت شهية الانتقام لدى الميليشياويين في فيلق بدر، وهو ذات الفيروس الذي سيضرب غالبية الميليشيات الشيعية إن لم أقل كلها. فقد اشترك معظمها في أعمال القتل الطائفي والتصفيات الجسدية لضباط الجيش العراقي السابق والطيارين والعلماء والأطباء وأساتذة الجامعات في محاولة يائسة لإفراغ العراق من كل طاقاته الإبداعية الخلاقة.

وحينما انشق العامري عن المجلس الأعلى وانضم إلى التحالف الوطني مُبقيا معه العناصر الميليشياوية التي راهنت عليه، ظل القسم الآخر تحت راية المجلس الأعلى الذي يقوده عمّار الحكيم، لكن الطرفين المنشقّين يزاولان مهمة واحدة وهي الفتك بالمكون السُني. ولعل المجازر الأخيرة التي أرتُكبت في جوامع محافظة ديالى هي دليل ناصع على إيغال فيلق بدر الميليشياوي في انتهاكاته الخطيرة التي ترقى إلى أعمال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي للمكوِّن السُني في المحافظات العراقية الست المنتفضة بما فيها العاصمة بغداد التي شهدت فظائع كثيرة منذ عام 2003 وحتى الوقت الراهن.

 

من هي ميليشيا “جيش المهدي”؟

إذا كان تعداد ميليشيا فيلق بدر قد بدأ بعشرة آلاف مقاتل يمتهنون التطهير الطائفي والقتل على الهُوية فإن جيش المهدي الذي أُسس عام 2003 بحجة مقاتلة جيوش الاحتلال قد بلغ تعداده في أثناء التأسيس نحو خمسين ألف مقاتل ثم تزايد هذا العدد ودخل في معركة شرسة مع الجيش الأميركي في عام 2004 والقوات العسكرية والأمنية العراقية في عام 2008، لكنه اضطر إلى تجميد هذه الميليشيا بعد تورّط بعض منتسبيها في عمليات التطهير العرقي ضد المكوّن السُني، وهذا هدف غير مُعلن يكاد يشترك فيه معظم الميليشيات الشيعية العراقية. على الرغم من اشتراك التيار الصدري في العملية السياسية إلا أن عناصر ميليشيا جيش المهدي لم تكن منضبطة وقد ارتكبت مثل شقيقتها ميليشيا فيلق بدر خروقات فاضحة لحقوق الإنسان وعمليات تطهير عرقي يندى لها الجبين، غير أن مقتدى الصدر كان ينأى بنفسه عن هذه الجرائم التي أوشكت أن تشعل غير مرّة حربا طائفية لكن القوات الأميركية كانت تتدارك الموقف وتطفئ مثل هذه الحروب المحتملة.

لا غروَ في أن إيران التي شجّعت على تأسيس فيلق بدر ودعمته ماديا وعسكريا هي نفسها التي كانت تدعم مقتدى الصدر بالأموال والأسلحة والخبرات، بل إن استعراضه الأخير لقطعاته الميليشياوية قد أذهل المراقبين بتسليحه الثقيل المتمثل بصواريخ “مقتدى واحد” وهم يعرفون جيدا أن إيران تُشكِّل المصدر الرئيس لتسليحه وتدريب عناصره التي ضمّت خليطا غير متجانس من الناس البسطاء وأصحاب السوابق وآلاف العاطلين عن العمل الذين تورطوا بدماء الشعب وارتكبوا فظائع كثيرة في عدد من المدن العراقية كالقتل، والاعتداء على المواطنين، وترويع الأقليات الدينية.

 

كيف نشأت “عصائب أهل الحق”؟

مثلما انشقت ميليشيا فيلق بدر انشق جيش المهدي عام 2007 فأنجب مسخا مشوّها أسموه بـ “عصائب أهل الحق” وهي تسمية بعيدة كل البُعد عن الحق وعن بقية المفاهيم الإنسانية السمحاء. وعلى الرغم من أن قيس الخزعلي هو زعيم هذه الميليشيا الجديدة إلا أنها تعمل بتوجيه مباشر من قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، المتورط في اغتيال القادة والضباط والبعثيين الكبار في العراق.

تميزت هذه الميليشيا بوحشيتها وفتكها بأهل السُنة في العراق حتى أن الصدر نفسه قد اعتبر العديد من أعمالها جرائم طائفية وطالب إيران بتجفيف دعمها المادي. ولكي يصفّي المالكي حساباته مع الصدر فقد قرّب الخزعلي إليه مُغدقا عليه الأموال والأسلحة. كما أطلق له العنان في المدن السنية حيث أذاق أهلها سوء العذاب. وأكثر من ذلك فقد سمح له ولميليشياته بالقتال إلى جانب النظام السوري، الذي يفتك هو الآخر مع حليفه الطائفي حسن نصر الله، بسُنة سوريا الذين يشكّلون الغالبية العظمى في البلاد إضافة إلى المكوِّنات الأخرى التي لا تختلف كثيرا عن مكوّنات الشعب العراقي الذي يعاني من سطوة هذه الميليشيات التي أعادت العراق إلى العصور المظلمة.

وقد ارتكبت ميليشيات عصائب أهل الحق انتهاكات فظيعة في محافظة ديالى وحزام بغداد حيث أعدمت العشرات من الناس الأبرياء، وفجرّت منازلهم، وقوّضت مساجدهم.

فهذه الميليشيات لا تريد للعراق أن يبني دولة مدنية ديمقراطية يسودها القانون، بل هي تبني سلطة طائفية يتناوب عليها قادة طائفيون يقننون سرقة المال العام ويكبّلون البلد بحالة متواصلة من الفلتان الأمني الذي يضمن لهم نهب ثروات البلد بشكل مُنتظم.

 

ما دور ميليشيات إيران في سوريا؟

لم تكن العصائب هي المليشيا العراقية الوحيدة التي وقفت إلى جانب نظام بشار الأسد الطائفي ضد المكوِّن السُني في سوريا، فهناك لواء أبو الفضل العبّاس الذي يقوده علي الكعبي الذي اصطف إلى جانب النظام العلوي وارتكب مجازر كبيرة بحق المواطنين السوريين الأبرياء بحجة الدفاع عن مرقد السيدة زينب، وهي ذات الذريعة التي يستعملها النظام الثيوقراطي في إيران للتدخل في الشؤون الداخلية العراقية بحجة الدفاع عن العتبات المقدسة، لكن هذه الميليشيا الإرهابية انسحبت إلى العراق لدرء تهديد العناصر الإرهابية للدولة الإسلامية التي وصلت إلى مشارف بغداد لولا طائرات التحالف الدولي التي أوقفت جنون هذه المنظمة الإرهابية التي أرعبت أميركا وأوروبا الغربية على وجه التحديد.

 

هل دخل حزب الله على الخط؟

وصلت تجليات حزب الله اللبناني إلى العراق حيث أسّس جيش المختار، فرع العراق، بزعامة واثق البطاط الذي أربك الوضع ليس في العراق حسب، وإنما أراد أن ينقل المعركة إلى المخافر السعودية حينما قصفها بالصواريخ.

لكن الحكومة العراقية وضعت حدا لجنونه واحتجزته في سابقة غير مألوفة، فقادة الميليشيات الشيعية يسرحون ويمرحون في المدن العراقية، بل ويستعرضون فيها بقطعاتهم الميليشياوية الخارجة عن القانون.

وقد ارتكبت عناصر هذا التنظيم الإرهابي جرائم كبرى بحق المكوِّن السُني من خلال عمليات القتل الطائفي الذي تصاعدت حدته في السنتين الأخيرتين من ولاية المالكي الثانية.

المُلاحظ أن غالبية الميليشيات الشيعية تنقسم على نفسها لسببين وهما السلطة والمال لكنها تتفق جميعا على “شيطنة” المكوِّن السُني برمته باعتباره حاضنة للتنظيمات الإرهابية المتطرفة مثل القاعدة وتنظيم داعش أو حتى التنظيمات المحلية المناوئة للعملية السياسية مثل “النقشبندية” و”كتائب ثورة العشرين” و”جيش المجاهدين” وسواها من التنظيمات السُنية المعروفة المتضررة من هيمنة الميليشيات الشيعية التي تبطش بالمواطنين الأبرياء وتتلاعب بمقدراتهم.

لا شك في أن حزب الدعوة الحاكم قد انقسم غير مرة تنظيما وميليشيات. وعلى الرغم من أن المالكي كان يقرّب هذه الميليشيا أو تلك بحسب الفظائع التي ترتكبها بحق المكون السُني في عموم المدن العراقية إلاّ أن حزب الدعوة كان يتكئ على تنظيمين ميليشياويين وهما “ميليشيا حزب الدعوة”، ويقوده إبراهيم الجعفري الذي لا يقل طائفية عن المالكي، وميليشيا حزب الدعوة، فرع العراق، الذي يتزعمه عبدالكريم العنزي.

 

ولأن قادة حزب الدعوة لا يحتاجون إلى هذه الميليشيات طالما هم على رأس السلطة وأن ما يسمى بالفرق الذهبية أو فرق الموت هي طوع بنانهم في كل حين، فإنهم يركنون ميليشياتهم الحزبية لساعات الضيق عندما يجدون أنفسهم في العراء بعيدا عن هذه الفرق الطائفية التي تلبّي حاجاتهم الحزبية والشخصية، كما أنها تنكِّل بالمكونات الأخرى للشعب العراقي.

في السياق ذاته يمكن أن نضع ميليشيا جمعية مكافحة الإرهاب، التي يقودها موفق الربيعي، في هذا الإطار لأن وظيفته كمستشار للأمن الوطني تحتّم عليه الدفاع عن هذه العملية السياسية التي تبني سلطة ولا تشيّد دولة عصرية حديثة تعتمد على مؤسسات مدنية تدير البلد، وتوفر لأبنائه الخدمات الضرورية والعيش الرغيد كما هو الحال في البلدان الغنية والمرفهة اقتصاديا.

ما من حزب شيعي بلا ميليشيا إرهابية، فحتى الشخصيات التي تحمل مؤهلا علميا مثل أحمد الجلبي قد سارع أولا إلى تأسيس “البيت الشيعي” تاركا المعاناة الحقيقية للشعب العراقي وحاجته الماسة للأمن والاستقرار.

وقد صبّ جُلّ اهتمامه على ميليشيته التي تحمل اسم “المؤتمر الوطني” كي يدافع عن حياض تكوينه السياسي ومصالحه الحزبية والشخصية على الرغم من استمتاعه بمقولة “إنه لا يحكم، لكنه يتحكّم”!

ثمة ميليشيات شيعية غريبة مثل “ميليشيا غسل العار” التي يترأسها جعفر الرغيف وتنحصر مهمتها بقتل الشيعة الذين “تسننوا”، أي تحوّلوا إلى المذهب السُني! وهناك “ميليشيا حسينية البراثا” المختصة ببث السموم الطائفية، والعزف على الوتر المذهبي ليلا نهارا، أما زعيمها فهو جلال الدين الصغير!

لا يمكن الوقوف عند كل الميليشيات الشيعية الإرهابية التي تتناسل موسميا أو تنشق عن بعضها بعضا وقد جاوزت الأربعين ميليشيا حتى الآن. وهي في مجملها عصابات خارجة على القانون تفتك بالمكون السُني ولا تجد ضيرا في التقاتل والاحتراب فيما بينها من أجل تحقيق المكاسب السلطوية والمادية.

وقد ارتكبت غالبية هذه الميليشيات مجازر وحشية بحق المكون السُني، ومارست القتل على الهوية، وانتهكت حقوق الإنسان على مدى عشر سنوات أو يزيد، ومع ذلك فإن واشنطن والمجتمع الدولي برمته ما يزالان صامتين إزاء هذه الفظاعات التي تُرتكب بحق المكون السُني والتي ترقى إلى مستوى التطهير العرقي وجرائم الإبادة الجماعية التي تهدد السلم الوطني في العراق أو تسعى إلى تقسيمه إلى ثلاث دويلات صغيرة في أقل تقدير.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة