19 ديسمبر، 2024 8:00 ص

نحن والاسلام.. مسلم بن عقيل والدواعش.. للحق كلمة وردود. (9)

نحن والاسلام.. مسلم بن عقيل والدواعش.. للحق كلمة وردود. (9)

لنا عودة في البداية الى موضوع الرافضة قبل الخوض في بلاء الدواعش.

فقد رد بعض الاخوة وكان احدهم مهذباً رغم اساليب الاخرين المتشنجة حول رأيي في ظهور مصطلح الرافضة وقد ثبته زمن ظهور معاوية بناءً على ما بينته في الحلقة السابقة من حقائق منطقية وعملية اضافة الى السرد التاريخي وليس الاعتماد على العامل الاخير فقط.

غير ان البعض زعم ان الامام علي (ع )هو من بدء بسن السنة السيئة في استخلاف ولده الحسن، وهو من بدء اللعن على معاوية.

ورغم ان الاخ سعيد رد عليهم مشكوراً فانني ارد كرامة له والا لا اراني بحاجة الى الرد عليهم، اولاً لانتفاء الحاجة لان الامور واضحة وثانياً لا ابتغي السقوط في اساليب متشنجة وثالثاً لادراكي بمستوى قراءنا الاعزاء وتمييزهم للغث من السمين. هذا بلحاظ ان دفاع الاخ سعيد عن معاوية لايستقيم رغم ماذكره من تاريخ نعرفه بغض النظر عن صحته او جزء منه فهذا موضوع يعتبر من جزئيات الامور في القضية انما القضية الاساسية هي تبني معاوية لاستراتيجية معادية لخليفته بعد التمرد عليه واطنب في ايغاله بمنهجه المصلحي في تعيين ابنه وسنه سنة سب الامام علي بدلاً من وجوب محاولته النزول عن نزواته وجبروته والتفاهم مع خليفته.

هذا وكنت اتمنى على الاخ سعيد ان ينئى بنفسه عن اسلوب التسقيط الذي يسلكه اتباع المذاهب ضد اي منهم عندما يتحول الى المذهب الآخر وكأنهم عملياً اعداء بينما يدّعون انهم اخوة في الاسلام كما بينا في الحلقة السابقة فلا اتفق معه جملةً وتفصيلاً في وصف الشيخ الكبيسي بالمتخلف لانه راى رايه الحق في معاوية فعلينا ان نثبت مصداقيتنا في التحضر كي لانكون من المتخلفين فعلاً.

فاما موضوع اللعن وكيف ان معاوية استمر به حتى وصل الامر الى الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي استنكر ذلك والغاه فهو امر مشهور ومعروف لدى ابسط الناس ولا يستحق الرد.

لكن ربما هنالك نسبة من الحاجة لتوضيح الامر الآخر، فاقول لنفترض عدم وجود ماقاله الاخ سعيد وهو صحيح، الم يكن معاوية قد وافق على خلافة الحسن من بعده؟، ثم الم يبرم معه صلحاً وقد تضمن بنوداً وجب عليه الالتزام بها؟ لكنه ضربها عرض الحائط مجهراً بذلك عمداً.

فماذا يعني ذلك؟، انه يعني مما يعني من امور كثيرة لاحاجة للتطرق اليها هنا كي لايقول احدهم باني اتفلسف كما ذكر.

قطعاً ان الامام الحسن مارس حسن نية وابتغى القاء الحجة على معاوية لكي يظهر على حقيقته لانه يعلم ما هي سريرته وحبه للسلطة من خلال المواجهة مع ابيه الامام علي رغم انه كان خليفة المسلمين اضافة الى حفظ بيضة ودماء المسلمين، هذا وهو لم يقبل بيزيد خليفة للمسلمين باي حال، ولكن قبول معاوية كان قبولاً

شكلياً يظمر كسب الوقت لغرض الاستحواذ على السلطة والتمكين اكثر للتمهيد الى جعلها في بني امية حيث خلف ابنه رغم علمه بفساده كما اسلفنا.

على كل حال هذا امر انتهى وولى ولكن اردنا فقط تبيان ان المنطق العقلي والتأريخي ينطبق على رفض الشيعة لحالة اصّلت الى انحراف المسيرة الاسلامية الامر الذي يعد نكسة حقيقية في تاريخ الاسلام اثرت عليه سلبياً ولم يستقم الامر الى يومنا هذا. وليس لمجرد رفض عاطفي لحالة معينة او ظرف عابر مر في تلك المرحلة الاسلامية.

اننا في تاكيدنا على هذا الامر ناخذ نصب اعيننا احترامنا لموقف ومكانة الامام علي وآخذين بالحسبان كل الملابسات التي اكتنفت تلك المرحلة.

اما الرد على من زعموا ان ظهور الدواعش كشف المسلمين على حقيقتهم الدموية الارهابية وانهم اناس متعطشون للدماء وهذا ما لاحظناه من بعض الاخوة الكتاب.

لنقول ان مصطلح الارهاب الذي جاء في القرأن لايعني التعدي والاعتداء على حرمات الناس واهانة آدميتهم فقوله تعالى ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ترهبون بها عدو الله وعدوكم ) هي في حدود الاستعداد وهو امر واجب من جهة وقد يؤدي الى نتائج ايجابية تنعكس على الجانب المعادي من جهة اخرى وهو ليس تفلسف مني انما من خلال استعراض كل ادبيات الفكر القرآني من جهة وحتى عموم الفكر الاسلامي من جهة اخرى حيث ان الاسلام وحدة واحدة لاتتجزء.

فهنالك حقيقة قوية هي ان الاسلام فكر نيّر وان الله تعالى جعله الفكر السليم والمنهج الصالح لعيش البشرية بشكل محترم متطور دون تعدي الانسان على حرمة اخيه الانسان ومحرزاً لطاعة الخالق استحصالاً لراحة الضمير وبالتالي راحة البال والوصول الى الطمأنينة التي تترك الانسان المسلم الصادق يعيش حلاوة الايمان النقي الحقيقي كما اراده الخالق.

لهذا فالاسلام حث المسلمين على ان يجاهدوا لنشره ليس لغرض التفرعن والتسلط على رقاب الناس وسبيهم انما لغرض الهداية اولاً فيجب على المسلم المحارب ان يتبين اسباب خروجه للدعوة الى الاسلام وآليات تحقيق هذا الهدف والا فان تحول هذا الامر الى غايات دنيوية فلن يكون من الاسلام وتحقيق الهدف النبيل الذي اراده الله. ومن مستلزمات تحقيق هذا الامر ان يكون المحارب مكتسباً للقوة ولكن في تحقيق هدفها الاولي هو ايقاع الرهبة في نفس العدو الذي ارتضى ان يقف موقفاً مضاداً من هذه الدعوة التي لاتريد الا اصلاحه بالمفهوم الذي بيناه، فلعله عندما يهاب قوة المسلمين سيرتدع ولاتاخذه العزة بالاثم ويتخلص من القيود والرغبات الشيطانية عندها ربما لاتكن هنالك حاجة الى المواجهة المسلحة ولكن يجب ان تتلو هذه الحالة حالة الاطلاع على المفاهيم والقيم الاسلامية كما نصت عليها النصوص القرآنية متكاملةً.

وفي حالة عدم قبول الاخر الدخول في الاسلم لايجب عليه شيء ويجب ان تحفظ كرامته كبشر خلقه الله وكرمه ووجب عليه فقط دفع الجزية مقابل توفير الحماية له ليعيش سعيداً مطمئناً والا كيف لنا ان ننسى تعامل الرسول مع جاره اليهودي بذلك الادب الرفيع الذي جعله يسلم؟.

فقد زخرت الايات القرآنية بالتركيز على احترام آدمية الانسان الى الحد الذي اعتبرته خليفة الله في ارضه، ورفدت ذلك بالكثير من القيم الاخلاقية حتى ان احد الاحاديث النبوية اختزل كل الدعوة الاسلامية بمكارم الاخلاق وشدد عليها بكل وضوح ( انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ) ولا حاجة لذكر الكثير من تلك الدلالات القرآنية، ولنا ان نكتفي بقوله تعالى ( وما ارسلناك الا رحمةً للعالمين ).

اما على الصعيد العملي فسيرة الرسول (ص) زاخره باسلوبه المعروف الذي ينص على عدم بدء العدو بقتال انما البدء بالموعظة اولاً وهو بمثابة خط ستراتيجي ميز الاساليب العسكرية للرسول (ص)، وكان الامام علي على نفس الخطى وله مقولة في قضية الارهاب كشاهد على ما ذكرناه من وقع ارهاب العدو في النفس حيث يقول ( ما برزت لاحدٍ الا واعانني على نفسه ) وهو ما يظهر هيبته في الحرب امام عدوه.

وقصة صلح الحديبية مشهورة في تنازل الرسول (ص) عن نعته برسول الله والاكتفاء بالصيغة ( هذا ما اتفق عليه محمد بن عبد الله وسهيل …الخ ) وعدم اتباع العنف عندما يرى طلباً معقولاً ومقبولاً من الطرف الآخر وليس كما يصر عليه البعثيون الدواعش من القضاء على كل من لايوافقهم الرأي والبيعة لهم، انهم “مسلمون” على طريقتهم المذهبية وليسوا محمديون كما مضى على طريقته (ص) وشتان بين هذه وتلك كما هو واضح فلا يمكن للمنصف تحميل الفكر الاسلامي همجية هؤلاء التي اصبحت معلومة الاهداف.

وقصة مسلم بن عقيل ليست ببعيدة عنا فقد ضرب المثل الاعلى في مصداقية الاخلاق الحربية كدلالة على الستراتيجية الحربية المحمدية كما بينا فكان بامكانه الانقضاض على عبيد الله بن زياد والقضاء عليه ببساطة في بيت هاني بن عروة وقد الح هاني عليه حينما كان مختبئاً ولكن باشارات شعرية حتى ان ابن زياد كاد يكتشف الامر ولكنه لم يفعل وعندما استفسر منه هاني عن سبب امتناعه لضرب عبيد الله اجابه بان هذا الاسلوب الغادر ليس من شيم الاخلاق الاسلامية .

ولكن لاحظ اخي القاريء سبحان الله ماذا فعلوا اعداءه بالمقابل بعدما ظفروا به قتلوا اولاده الصغار وهم بعمر الورود لايقدرون على شيء وقطعوا رؤوسهم في قصة داعشية يشيب لها قلب الوليد وهو الاسلوب الذي تميز به البعثيون منذ ان اصّل لذلك اوائلهم من بني امية والعباس.

هكذا هم البعثيون بلبوس الدواعش المختلق الجديد لاوجود لاي خطوط حمراء امام الوصول للسلطة ، والمهلكات الثلاث لديهم اساسيات مقدسة لايمكن التنازل عنها والكلام عن اخلاق اسلامية ازاءها ما هو الا هراء وهي كما ذكرنا ( المال والمرأة والسلطة ).

اذن ما يجب التاكيد عليه وفهمه ان الاسلام والمبادئ الاسلامية شيء والمسلمون شيء آخر.

لقد اراد الله المسلمين ان يكونوا امة واحده وهي الان عدة فرق واشهرها المذاهب الخمسة التي تفترق بدورها الى اعداد بالعشرات من الفرق وهو امر خطير بكل صراحة كونه لايحترم تحذير الرسول للمسلمين كما ذكرنا في الحلقات السابقة حين قال:

( ستفترق امتي الى ثلاثة وسبعين فرقة كلها في النار الا واحدة ) وانه ورد الحديث بذكر الاعداد بشكل مختلف ولكن مهما كان العدد سبعين او ستين او غيره لكن الامر قد ورد في كتب الفرق المذهبية سنة وشيعة وهو امر يدلل على اعترافهم بوجوده.

لهذا فالسؤال المهلك الذي يطرح نفسه وبشيء من النصيحة والتذكير الاخوي، لو اننا افترضنا ” مجرد افتراض” ان الشيعة بوجودهم الكبير كشيعة امامية اثني عشرية يدّعون انهم هم الفرقة الناجية حيث ان بقية فرق الشيعة تعد صغيرة لاتمتلك الساحة الواسعة ازاء الامامية، فماذا سيكون جواب السنة على هذا السؤال فمن منهم هي الفرقة الناجية فهم فرق اربعة كبيرة متقاربة مساحة تواجدها على الساحة الاسلامية ، هل هم الحنابلة ام الشافعية ام المالكية ام الحنفية ام سيقولون الفرقة المستجدة المتمثلة بالوهابية ؟.

انه لامتحان عسير لمن اراد حسن العاقبة والاتعاض بما حذر منه الرسول (ص) قبل فوات الاوان فكل نفس ذائقة الموت والحليم من يتعظ ، والله اعلم.

وهو تعالى من وراء القصد.

*[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات