5 نوفمبر، 2024 12:28 م
Search
Close this search box.

حكاية الإرهاب ومكافحيه

حكاية الإرهاب ومكافحيه

في إحدى القرى المسيحية وفي صباح عيد الفصح تقدم جميع أطفال القرية من الخوري للاعتراف بخطاياهم وتناول القربان المقدس بحسب الطقس الكنسي. وهكذا تقدم الطفل تلو الآخر ليعترف للكاهن بأنه اعتدى على شمعون. وفي النهاية تقدم طفل بتباطؤٍ وانكسار وعندما سأله الكاهن عن خطيئته التي اقترفها قال الصبي: أنا هو شمعون!!!

قد لايجد هذا الشمعون مكاناً له في حكاية الإرهاب الحالي ومكافحية الكثر في سوريا والعراق في غياب ذلك الخوري، والسبب لأن لون الإرهاب وطعمه في أيامنا هذه، يختلفان من متذوق لآخر. أما رائحته فيشمها المكتوي بناره من بعد آلاف الكيلومترات بأنفه العاري وبدون الحاجة لأية أجهزة فائقة الدقة للتحسس والتصوير والمراقبة مثل تلك التي تحملها طائرات التحالف الدولي المستنفرة لمكافحة الإرهاب.

أربعون دولة اجتمعت يارجل!!! ما يشكل ثلاثة أضعاف عدد الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. هذا كله مقابل بضع عشرات الآلاف من المسلحين المتنقلين طولاً وعرضاً في صحراء مفتوحة؟؟؟ وإذا أضفنا إليها الحرب التي قال النظام السوري وحلفاؤه أنهم يشنونها على الإرهاب منذ خمسة وأربعين شهراً، وكانت نتائجها كمن يحرق البيت بكل مافيه ومن فيه ليقتل بعوضة دخلته، لخرجنا بنتيجة مفادها أن هذا الإرهاب الذي يستشري في المنطقة ماهو إلا أحجية كبيرة صنعتها جهات وهي مدركة تماماً لما ترمي إليه وللمدى الذي يمكن أن تصل إليه، وتريد إيهامنا الآن بأنها تحاول فك طلاسم هذه الأحجية، بعد أن أوهمتنا بأنها صدقت تلك الكذبة التي أطلقتها.

هذا أمر غريب بالطبع. لكن الأغرب أن هذا المارد الذي اجتمعت كامل الكرة الأرضية لمحاربته، مازال يتمدد ويتوسع ويزداد قوة وتسليحاً ويسيطر على المزيد من الأراضي والمدن في سوريا والعراق، ومازالت تهديداته تطال الجميع بلا استثناء!!! وكأننا أمام فيلم هوليوودي بطله هذه المرة ليس من فصيلة العيون الزرقاء بل من قوم (الأبوات) الذين باستثناء مخرج الفيلم لا أحد يعرف أسماءهم الحقيقية. وهم كلما ضُربوا من إحدى تلك الجهات التي تكافحهم كلما تزايدت أعدادهم أكثر مما قبل!!

الحكومات والشعوب والحركات والأديان والأحزاب والمنظمات جميعها تعلن وتؤكد رفضها ومحاربتها لهذه الوحوش المتنكرة بهيئات آدمية. وهذا أمر طبيعي ومنطقي بالنظر إلى مجاهرة هؤلاء بعدائهم لكل مايمت للإنسانية بصلة، وبالنظر إلى سلوكياتهم التي تتعفف أشرس الحيوانات عن فعلها. ومع ذلك نراهم يحصلون على كل الأسلحة والمركبات والوسائل اللازمة لحربهم الكونية هذه وهم محاطون من كل الجهات بأعداء مفترضين وليس لهم منفذ واحد على العالم الخارجي. ثم يتقدمون بهدوء وثبات ويوسعون في حدود دولة الخلافة التي أعلنوها دون أن يثنيهم عن مقصدهم عائق.

طائرات الحلفاء تقصف كما يقولون تجمعاتهم ومراكز القيادة والسيطرة وخطوط الإمداد، وفي الوقت ذاته ورغم كل هذا القصف نرى هؤلاء يوسعون مجال سيطرتهم في محافظة الأنبار العراقية وفي مدينة كوباني السورية رغم المقاومة الكردية المستميتة في الدفاع عن المدينة.

كوباني ليست المدينة الأولى التي جرى فيها مانشاهده الآن، كما لن تكون الأخيرة وإن كنا نأمل غير ذلك. فقد سبقتها الموصل من قبل وسنجار ومناطق السريان الآشوريين الكلدان في سهل نينوى. ومن قبلها كانت الرقة ومن ثم البوكمال ودير الزور والقرى المحيطة بها. وكأن مكافحي الإرهاب كانوا

ينتظرون حتى يقوى ويستحكم هذا التنظيم الإرهابي ومن ثم يحاربوه. لأنه كما تقتضي شيم الرجولة والبسالة يكون الانتصار محل افتخار إذا تم على عدو قوي. أما غلبة عدو ضعيف فلا يعتد به وسيكون موضوع تندر لنساء الحي وحرائره في ليالي سمرهن وهن ينتظرن عودة رجالهن البواسل حاملين بشائر النصر الكبير.

الأهم من كل هذا أن المكونات الدينية والأثنية التي هُجِّرت من مواطنها التاريخية في الموصل وسهل نينوى وسنجار وغيرها، لم يتم بذل أي جهد لإعادة السكان إلى بيوتهم، لا بل أن موجة الهجرة مازالت مستمرة رغم أن التحالف الدولي والحكومة العراقية تعلن أنه تم دحر التنظيم من بعض المناطق؟؟ وهذا يعني إفراغ تلك المناطق من سكانها الأصليين وإفقاد المنطقة عموماً تنوعها الذي تميزت به عبر التاريخ.

تساؤلات عديدة تثيرها الوقائع على الأرض. منها مثلاً كيف يحارب النظام السوري الإرهاب وهو يمطر المدنيين السوريين ببراميل الموت في حلب وحماه ودرعا في الوقت الذي يناشد العالم وكأنه طرف خارجي لاعلاقة ولا مسؤولية له بما يحصل لتخليص كوباني من داعش متجاهلاً أنها مسؤوليته بالدرجة الأولى؟؟؟ كما إنه لم يقدم لسكان المدينة أي دعم من أي نوع كان.

وقائع أخرى تتعلق بسلوك التحالف الدولي والأهداف التي تقصفها طائراته، والأهداف الأبعد التي ينشدها كل طرف من خلال مشاركته في هذا التحالف. ففي موقع معين يكون الإرهابي هدفاً مشروعاً للقصف، أما في موقع آخر قد يبعد عدة كيلومترات فهو ليس كذلك!!

طوال أسبوعين وتنظيم داعش يستقدم التعزيزات وهو يطوق مدينة عين العرب-كوباني في أرض مكشوفة تماماً، لم يقم التحالف الدولي بأية خطوة جدية تعيق تقدم التنظيم حتى دخلوا المدينة وبات أمر القصف أصعب بكثير. ومن جهة أخرى نرى الدبابات التركية تتمركز على بعد مائتي متر من المدينة في استعراض لايخلو من المغزى تجاه الأكراد دون القيام بأي عمل يخفف من معاناة المدينة والمدافعين عنها.

من بديهيات مكافحة الإرهاب أن تعالج الأسباب التي ساعدت على نشوئه. والعالم كله يعرف وفي مقدمتهم الأمريكان أنفسهم وبتصريحات علنية من وزير خارجيتهم أن نظام الأسد هو الذي استقدم الإرهابيين وأطلق سراح قادتهم من السجون في سوريا والعراق بالتعاون مع شريكه المالكي ليقوموا بما قاموا به. ولهذا كان يجب البدء مع نظام الأسد ليكون لمكافحة الإرهاب معنى ملموس وتأثير حقيقي على أرض الواقع. لقد أعلن المسؤولون الأمريكان منذ بداية الثورة السورية وعلى رأسهم أوباما، أن بشار الأسد فاقد للشرعية وعليه التنحي، لكنهم لم يقوموا بأي جهد لتحقيق ذلك. لابل على العكس. فعندما كان الثوار (ولم يكن حينها متطرفون بعد) يتقدمون على الأرض عندما باتت أيام الأسد معدودة، تدخلت أمريكا لحجب الدعم عن الثوار وتفريق صفوفهم بمختلف الوسائل والحجج، لكي تتذرع بذلك لإبقاء نظام بشار الأسد قائماً ريثما تتمكن من ترتيب أوراق اللعبة بشكل أفضل خدمة لأمن إسرائيل وإمعاناً في إضعاف سوريا وإدخالها نفق الحرب الأهلية.

قال الرئيس أوباما بأن المعارضة السورية عبارة عن مجموعة من المزارعين وأطباء الأسنان ولا يمكنهم هزيمة نظام الأسد. وهو الآن يجيِّش 40 دولة إضافة إلى كل إمكانات أمريكا كدولة عظمى لهزيمة مجموعة من المراهقين والموتورين دينياً وثقافياً يمثلون العمود الفقري لمقاتلي داعش. فهل هؤلاء بهذه القوة الخارقة مقارنة مع نظام الأسد؟ والآن يأتي أوباما نفسه ليعتمد عملياً على تلك المجموعة من المزارعين وأطباء الأسنان لدحر إرهاب داعش. فهل غيَّر أوباما رأيه بالمعارضة السورية، أم أنه لكل مقام مقال؟

تساؤل آخر… ولن يكون الأخير في معرض التساؤلات المحيرة لدى السوريين. ذلك أن التقديرات الأولية لكلفة الحرب على الإرهاب تقدر ما بين 70 إلى 100 مليار دولار. وقد تطول هذه الحرب لسنوات عديدة. في حين أنه لو خصص 10% من هذا المبلغ لدعم المعارضة السورية قبل أن يجري تفتيتها وتمزيقها لصالح القوى المتطرفة،عن سابق تصور وتصميم، مع التأكيد على تحييد النظام ومنع تدخله، لو تم ذلك، لما احتاجت هذه المعارضة سوى لبضعة أشهر لدحر كل القوى المتطرفة آنذاك، وإحلال نظام معتدل ومتماسك في المناطق المحررة من الأرض السورية. وهنا تقع مسؤولية كبيرة على الدول الخليجية التي بادرت لدعم المعارضة السورية كل على طريقتها وهواها ومقاصدها، مما زاد من التفتت والشرذمة لقوى المعارضة، حيث باتت سياسة شراء الولاءات هي السائدة عوضاً عن تشجيع المعارضين على توحيد صفوفهم وجعل ذلك شرطاً موجباً لأي دعم يتم تقديمه.

نأمل ألا يكون حال سوريا وشعبها صورة أخرى من شمعون الذي اعتدى عليه رفاقه في هذه القرية العالمية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات