17 نوفمبر، 2024 6:42 م
Search
Close this search box.

الغطس في ألمياه في أساطير ألتكوين

الغطس في ألمياه في أساطير ألتكوين

إنّ أسطورة ألنشكونية ألمعروفة أكثر بين شعوب آسيا ألوسطى وألشمالية هي أسطورة منتشرة عالميا تقريبا، مع أنّها تحت مظاهر متباينة إلى حد ما. وإنّ قدمها وأنتشارها ألبارز خارج آسيا قد تأكد في ألهند ألآرية وما قبل ألآرية وفي جنوب شرق آسيا وفي أمريكا ألشمالية.

إنّ ألتغييرات ألمتعددة ألتي تلقتها ألأسطورة عبر ألعصور جعلت من هذه ألأسطورة واحدة من أكثر ألمسائل تشويقا بألنسبة لمؤرخ ألاديان.

لكي نبرز ألخصائص ألمميزة للترجمات ألآسيوية ألوسطى للأسطورة وكذلك ألترجمات لأوربا ألشرقية، نبرز بدئيا ما يمكن إفتراضه بأنّه ألأشكال ألأولى للأسطورة، فألمشهد دائما هو ذاته:

ألمياه ألكبرى قبل ألخلق (نلاحظ وجود ألمياه ألأولى قبل ألخلق في ألأساطير ألبابلية وأليهودية وألإسلامية:

“في تلك ألأزمان ألأولى. لم يكن سوى المياه”…… أسطورة بابلية.

“في ألبدء خلق ألله ألسموات وألأرض وكانت ألأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح ألله يرّف على وجه المياه”……ألتوراة-سفر ألتكوين-1.

“وهو ألذي خلق ألسموات وألأرض في ستة أيام وكان عرشه على ألماء”……ألقرآن – سورة هود، ألآية-7.).

إنّ ألسيناريو في هذه ألأسطورة ألمتضمنة ألغطس في ألمياه أثناء ألخلق يتضمن مفارقات:

1-ألإله، تحت شكل حيوان يغطس في عمق أللجة بهدف إستخراج قليل من ألطين أو ألطمى ليصنع ألعالم.

2-أو أنّه يرسل حيوانا برمائيا (طائر مائي).

3-أو يغطس كائنا (أحيانا خلد ألماء)،ألذي كان يجهل حتى ذلك ألحين ألوجود وألذي يتضح ضده فيما بعد.

وفي ألهندوسية ” إله كبير- براجاباتي-براهمان، فيشنو- ممسوخا بشكل خنزير بري، ينزل في اعماق المياه ويرفع ألأرض ( في ألعقيدة ألرائيلية يتم تفجير قاع ألمحيطات بقنابل ذرية من قبل كائنات قادمة من ألفضاء لغرض تكوين أليابسة والقارات ).

وألجدير بألذكر عدم وجود تعارض بين ألحيوانات ألغاطسة والخالق في ألآساطير ما قبل ألآرية وألأساطير في أميركا ألشمالية.

في اسطورة بورياتية للشعوب ألتركية نجد سومبال- بوركان (إسم ألإله) واقفا على ألمحيط ألبدئي ويراقب طائرا مائيا ويطلب إليه أن يغوص في ألأعماق، ومن ألطين ألذي ينقله ألطير من ألأعماق يصنع ألأرض.

وحسب روايات أخرى مختلفة، يصنع بوركان ألإنسان فيما بعد ودائما من ألطين.

وفي أسطورة لدى ألتتار أنّ لبيد (بجع أبيض) يغطس بناء على أمر ألإله ويحمل له قليلا من ألتراب في منقاره، ومن هذا ألتراب صنع ألإله ألارض مسطحة وزلقة، وبعد وصول ألشيطان يصنع ألمسنقعات.

حسب اساطير تتار ألألطاي، في ألبدء حيث لم يكن يوجد سوى ألماء، سبح ألإله وألإنسان سوية تحت شكل أوزات سوداء فأرسله ألإله ليبحث عن ألطمي ولكن ألإنسان أحتفظ بقليل منه في فمه، وعندما أخذت ألأرض في ألنمو، بدا ألطمي ينتفخ فأضطر لبصقه وبهذا تولدت ألمستنقعات. فقال له ألإله:

لقد أذنبت وسيكون أتباعك أشرار أمّا أتباعي فسيكونون أنقياء، وسيرون ألشمس والنور وسأدعى كوربيستان (= اوهرمازد)، وأنت ستكون أيرليك، وهذه ألأسطورة تروي أيضا خلق ألإنسان، فإيرليك خان يطلب ألمزيد من ألتراب ألذي يستطيع تنظيمه بألعصى، فيضرب ألارض وتظهر ألحيوانات ألضارة، وأخيرا يرسله ألإله تحت ألأرض، إنّ ألعداوة بين إيرليك وألإله لا تشير بألضرورة إلى مفهوم ثنائي (إله وشيطان) وفي نقوش صخرية نلاحظ بأنّ إيرليك هو إله ألموت.

إنّ ألتوليفة في هذه ألأسطورة مع ألأفكار ألإيرانية واضحة، ولكن ألسيناريو للغاطس ألنشكوني قد حوفظ عليها بكاملها تقريبا،إنّ ألتماهي بين ألإنسان وسيد ألجحيم (إيرليك خان) تفسر في ألواقع أنّ ألإنسان ألأول (ألجد ألأسطوري)، كان كذلك ألرجل ألأول وأنّ ألجد ألأسطوري كان أيضا أول ميّت ( وهذه اسطورة مؤكد عليها بشكل واسع في ألعالم).

إنّ ألغطس ألنشكوني قد تأكد لدى ألفنلنديين ألأغريين ولدى ألسلاف ألغربيين وفي أوربا ألشرقية.

تبرز ألاساطير حول خلق ألإنسان ألدور ألمحزن للعدو أو ألضد- فكما في كثير من ألميتولوجيات، يخلق ألله ألإنسان من ألطين وينفخ فيه ألروح (كما في ألأساطير أليهودية وألمسيحية وألإسلامية)، ولكن ألسيناريو في آسيا ألوسطى وألشمالية، يتطلب مشهدا مأساويا:

فبعد أن صنع أجساد ألبشر ألأول، ترك ألإله كلبا لحمايتها وصعد للسماء من أجل أن يفتش لها عن روح، وأثناء غيابه يحضر إيرليك (إله ألموت) ويعرض على ألكلب ( ألذي كان عاريا حتى تلك أللحظة) جزة صوف، فيما إذا دعاه يقترب من ألبشر وفعلا يقبل ألكلب ألعرض ويقترب إيرليك من ألبشر ويلوث بلعابه أجسادهم.

ويعتقد ألبوريات أنّه بدون توسيخ شولم (ألضد) أو إيرليك أجساد ألبشر فإنّ ألبشرية لم تكن تعرف ألأمراض والموت ( يمكن مقارنة توسيخ إيرليك أجساد ألبشر بلعابه بحكاية إغواء ألشيطان ألإنسان ليعصي أمر ألخالق بـالأكل من ألشجرة ألمحرمة في ألأسطورة ألتوراتية ، فالنتيجة متشابهة وهي فقدان خاصية ألخلود).

وحسب مجموعة روايات آلتية، فإنّ إيرليك، مستفيدا من غياب ألإله ومضللا ألكلب، أحيا ألأجساد البشرية.

وألمقصود في هذه الحالة ألأخيرة إعفاء أو حل ألاله من وجود ألأمراض وموت ألأنسان وكذلك إعفاءه من شقاوة ألروح ألبشرية وتحميل هذه ألأتهامات على عاتق إله ألموت، وكما يحصل لدى ألمؤمنين بألديانات الأبراهيمية حيث يكون إبليس شماعة لتعليق جميع شرور ألبشر وتبرئة ألله منها.

مصادر البحث:
تأريخ ألمعتقدات وألأفكار ألدينية…… ميرسيا إلياد
ألمترجم
ألمحامي: عبدألهادي

أحدث المقالات