الإبداع من يراه مسبوقاً بمادة وزمان أو إحداث شئ على غير مثال سابق أو إشتمال الكلام على عدة نواحٍ من الضروب أو هو إخراج من العدم الى الوجود ،ونرى أن مجمل النظريات التي عرفت الإبداع تتفق على أن المحرك الأساس في العملية الإبداعية هو تلك العلاقة الفردية التي ينشئها الشاعر بين موجوداته لتحقيق الرضا في النفس والتكاملية في إيصال المعنى ، ويقابل ذلك في العمل الشعري شتى الصعوبات لتحقيق هذا الغرض لتجاوز المعاني المنطقية ومخلفات الموروث وكشف النزاع الوجودي في النفس البشرية وتجنب مشاهدة الحقائق بمدركها الكلي وهذا يعني أن لابد من إمتلاك قوة النقيض للوصول الى المأزق الذي يدفع بتلك الأسباب لتتجاوز مرحلتها وجمودها وتسلك طريق وجودها الروحي ،إن المعطيات التي أتت من (دوائر مربعة ) تشير الى مجموعة من الدالات التي
عززت الجانب الإبداعي في مجمل الفعل البنائي للنصوص ومنها تأثير الشاعر على أداة الإيصال الشعري للتخلص من أفعال المفردات التقليدية أي أن لغة الشاعر تجدد نفسها أثناء العمل الإنتاجي وهناك أيضا مشاركة لحالات من التخيل الحر المقنن للسيطرة على التتابع المنطقي الذي تحاول أن تفرضه بعض الكلمات على النص بوجود (حالة عقلية )هيأ الشاعر بديلا مثمرا لتلافيها من خلال معاينة كوارث الإنسان وخساراته وإجراء فحص دقيق وشامل لهذه المعاينة فبدأت الذاكرة ملتصقة بحشد إنفعالاتها بدلا من حشد الأمكنة والأزمنة الفائضين ومن دالات الشاعر الإبداعية الأخرى في مجموعته الشعرية هذه
النمو الباطني كنتيجة للكبت في الحياة العامة ، وفق ذلك لابد أن تنحو النصوص للمعتقد الذاتي ومشاغلة مواضع العاطفة عبر تقدير كمياتها وحجومها وفعلها المتوقع ومن هنا بدأ الشاعر عملياته التحولية في أوج نشاطه النفسي المتنقل مابين الإفتنان بجمال الحياة وبين الهذيان على خرائب الحروب من أجل إعادة تأمل الذاكرة وتلك الأفعال جلها أفعال دُرجت ضمن مفاهيم الحداثة الشعرية ولاريب أن نصوص جابر محمد جابر قد إحتوت على بعدها الحداثوي من حيث الإختصار
والتركيز والمنحنى الإنساني وطقوس مواجهة الموقف من الإرتياب والنفور لتحقيق ماأسموه السرياليون بالاعجوبة ،فهنا ملاذ في بوصلة الترقب وملاذ في الفجيعة وملاذ في النخلة وخصر التفاح وملاذ في فم الهرة وكل موجودات الشاعر هي مواقع للرؤيا رؤيا اللغة قبل إستخدامها ورؤيا الصورة الشعرية قبل تصورها لذلك فأن التركيب التدفقي لقلقه الذي قدمه لنا الشاعر يشير بأنه بلغ حريته العظمى وبهذه الحرية نقلنا طواعية الى عالمه،
*[email protected]
هامش /دوائر مربعة / مجموعة شعرية للشاعر جابر محمد جابر/ إصدار دار جدل / دمشق 2012
