يرى سيغموند فرويد بأن الجهاز النفسي للإنسان يتوارث سمات وخصائص وحشية من الأزمنة السحيقة , ويعني بها أزمنة الصيد والالتقاط أو المشاعية الأولى , حيث كان الأنسان يهيم بين النجود والسهول باحثاً عن المؤن مضطراً الى التعامل مع محيط مليء بالضواري والسباع ومفاجئات الطبيعة وكوراثها كالسيول والأعاصير التي تهدد وجوده النوعي على الأرض , ومن الطبيعي ان ينتخب الجهاز النفسي البشري وسط هذه الظروف سمة الوحشية لدواعي التكيف مع قساوة تلك الظروف , لذا كانت هذه السمة ملازمة للإنسان القديم تَقيه شرَ بيئته وتعينه على جمع قوته.
وعلى الرغم من غياب سمة الوحشية من ظاهر السلوك الإنساني في وقتنا الحاضر الا أن الوحشية لم تتلاشى تماماً من تركيبة جهازه النفسي بل استقرت كامنة في منطقة عميقة ومظلمة من الروح , وبقيت على أهبة الأستعداد للتحرر والأنطلاق وأعادة انتاج أنسان نيانديرتال بكل ما يحمله من عنف وقسوة وشبق للدموية متى ما أذنت لها الظروف بأن تتحرر من غلافها الحضاري الذي لايتجاوز عمره سبعة الاف سنة من عمر وجود الانسان الممتد مايقارب المليون عاما على وجه البسيطة.
ومن ناحية التعامل مع هذا الموروث الإنساني البدائي نستطيع أن نُحدد نمطين بشريين مهمين في عالم اليوم , النمط الأول يسير على هدي الحداثة , تضبط انفعالاته حزمة من القوانين الوضعية, ويرى بأن الاندماج مع وسائل الإنتاج الصناعية والتكنولوجية الحديثة التي تفضي الى الرفاهية تُحتم عليه أن يَجنح الى السلم الذي يوفر بدوره سقف عالي من التأمل من أجل خلق اللحظة الابداعية , وقد أثرَ الابتعاد كلياً عن الحلول العنفية أو على الأقل أتجه الى تصديرها الى خارج مناطق أنتاجه كي لا تلعب تلك الحلول دور العصا في عجلة تقدم مسيرته نحو الأمام.
أما النمط الأخر فقد أختار النكوص نحو النيانديرتالية , ومن الملاحظ بأن هذا النمط قد فشل فشلا ذريعاً في اللحاق بركب الأبداع والخلق بسبب تعويله على ايجاد الحلول لمعضلاته من داخل مرويات ثيوقراطية ضيقة و تعرض بسبب عزلته الى صدمة حضارية وهو يرى نظائره في دول العالم الأول قطعت أشواطا طويلة في مجال الصناعة والأبداع والرفاهية وحقوق الأنسان, بينما يقف هو عاجزا عن تقديم أي مُنجز يُمكن للإنسانية أن تحتفي به.
في هذا القسم المشلول من العالم يصبح افراز رمز يستدعي الروح النيانديرتاليه من الدهاليز المظلمة للنفس البشرية عملية ممكنة جدا , ويذهب الرمز هنا الى أستعارة ادوات الأنسان البدائي بعد ان يغلفها بغطاء قدسي سميك ليمنحها الشرعية ويصبح بالإمكان تمريرها على العقول المهزومة ثقافيا وحضاريا كمشروع خلاص كما هو الحال في مشروع الخلافة المطروح من قبل ابو بكر نيانديرتال البغدادي الذي لاشك بأن ألألوف من الأميين والمعدمين واليائسين من وجود حلول سليمة لواقعهم الاقتصادي والنفسي المتردي وجدوا ضالتهم فيه, لذا لم يجدوا بُداَ سوى الأنصياع لدعاوي الجهاد واقامة الخلافة التي وعدهم بها, لاسيما وأن الجهاد بشكله المطروح هذا اليوم يُحقق لهم وفرة من أهم غاياتهم المغيبة بسبب الكبت والفقر وغياب التنوير وهما المال والجنس وبوسيلة يرى البعض ان لا غُبار على شرعيتها وهي الجهاد في سبيل الخلافة.