كتب عبد الجبار العتابي: سألنا اكثر من 400 مواطن عراقي عن تاريخ اليوم الوطني للعراق الذي يصادف اليوم الجمعة فلم يجب احد منهم بالشكل الصحيح بقدر ما اصيبوا بالدهشة ، بل ان الكثيرين اشاروا الى ان العراق لا يحتاج الى عيد وطني لانه بلد احزان .
واستغرب الكثير من المواطنين العراقيين من السؤال عن تاريخ العيد الوطني للعراق ، وراحت الاجوبة تتراوح ما بين الاشارة الى يوم 14 تموز / يوليو تاريخ اسقاط الملكية في العراق عام 1958 ، وبين 9 نيسان / ابريل ، يوم اسقاط نظام صدام حسين عام 2003 فيما كانت الاجابات الاغلب انهم لا يعرفون حقيقة هذا (العيد) الوطني ، فيما اشار البعض ان العراق لا يملك يوما وطنيا لانهم لم يسمعوا عن احتفالات مثل التي تقوم بها دول العالم في مناسبات كهذه .
اختبار مفتوح
فمنذ نحو اسبوع وانا احاول ان اختبر معلومات البعض في معرفة العيد الوطني للعراق ،كنت اسأل من اشاء على اختلاف اعمارهم ومهنهم ، لكن الغريب ان اكثر من 400 شخصا طرحت السؤال عليهم لم اجد بينهم من يعرف انه يوم 3 تشرين الاول / اكتوبر .. وحتى حين كنت اذكر لهم هذا التاريخ يستغربون ذلك كونهم لا يعرفون المناسبة فيما حاول البعض ان يحتج غاضبا لانه يريد ان يكون العيد الوطني مميزا ومن زماننا المعاصر لا ان يكون قبل نحو مئة عام.
، وهناك من وجد ان مناسبة التاسع من نيسان / ابريل هي المناسبة الحقيقية لان فيها سقط نظام صدام حسين الذي وصفه بأنه (اعتى دكتاتورية) ، فيما وجد اخرون ان يوم 14 تموز هو الافضل كونه بداية تأسيس النظام الجمهوري وسقوط النظام الملكي ، فيما وجد البعض ان يوم خروج الاميركان من العراق في 31 كانون الاول / ديسمبر عام 2011 يستحق ان يكون عيدا وطنيا لان فيه خرجت القوات الاميركية من العراق وهو اليوم الذي اطلق عليه (يوم العراق) ، لكن الظريف في الامر ايضا ان هناك من اعترضوا على تلك المناسبات واقترحوا في الاخير ان لا يكون للعراق عيد وطني لانه وطن مشبع بالاحزان والحروب والمشاكل التي لا تنتهي .
لم يعرف اعرف به ولم يسمع
فقد اكد ل احمد علوان ، طالب في المرحلة الرابعة /جامعة بغداد، انه يسمع لاول مرة بشيء اسمع اليوم الوطني العراقي ، وقال : لا اعرف ان للعراق عيد وطني يحتفل به الناس ، منذ ثلاث سنوات في الجامعة وانا لم اشهد اي مظاهر احتفالية لهذا اليوم بل انني لم اسمع بذلك .
واضاف : اذا تريد رأيي من الجميل ان يبقى العراق بلا عيد وطني ، فماذا نفعل به وكل ايامنا سود على المستوى الرسمي والشعبي ، نحن لا نعرف معنى الفرح والاعياد ، وحتى الاعياد الدينية مجرد مجاملات لان الحزن الساكن فينا ليل نهار يمعنا من ان نفرح .
الاحزان و 8 / 8 / 1988
اما منتظر مهدي ، موظف حكومي، فقد اكد انه لا يعرف عيد ميلاده فكيف يعرف العيد الوطني للعراق، وقال : هل تريدني ان اضحك ام ابكي ؟ انا لا اتذكر يوم ميلادي ، ثم هل لدينا عيد وطني حقا ؟ (ثم استدرك) نعم .. اعتقد يوم 9 شباط / فبراير ، يوم قتل البعثيين الزعيم عبد الكريم قاسم .
واضاف : والله الضيم والقهر لم يتركا لنا مجال لتذكر الاشياء الجميلة في حياتنا ، اعتقد ان العيد الوطني الحقيقي عندما نتخلص من الارهاب وداعش واخواتها ، حينها اعاهدك انني سأخرج الى الشارع لاحتفل واغني وارقص واقول انه عيدنا الوطني الحقيقي وللعلم انا خرجت ورقصت عندما انتهت الحرب العراقية الايرانية في 8 / 8/ 1988 في ساحة الاحتفالات لان ذلك اليوم كان عيدا فعلا للعراقيين .
من الافضل عدم الاحتفال
من جانبه اشار الصحافي زهير الفتلاوي الى ان العراق لا يحتاج الى عيد وطني لان مناسباته غير وطنية ، وقال : الدول التي تحتفل باعيادها الوطنية تكون مناسباتها مهمة وتحمل ذكرى عظيمة ، ولكن في العراق لا اعتقد ان هناك مناسبة طيبة وجميلة تستحق ذلك ، فكلها حروب ودماء وقتل .
واضاف : انا اعتقد ان العراقيين انفسهم لا يتفقون على يوم محدد ، فإن قلنا 14 تموز يظهر لك من يقول قتلوا فيه العائلة المالكة ، وان قلنا يوم 9 نيسان سيخرج لك من يقول انه الاحتلال ، اما اذا اقترح احدهم يوم ثورة العشرين فأيضا هناك قتل ودم ودمار .
وتابع : الافضل ان لا نحتفل وان يختار كل مواطن يومه الخاص مثل عيد ميلاده او زواجه او ناسبة ترفيع وظيفية ، فهي افضل من مناسبة عيد وطني غير متفق عليها .
عيد زواجي .. عيد الوطني!!
اما الكاتب مصطفى سعدون ، فقد اعتبر عيد زواجه عيدا وطنيا له ، وقال : العيد الوطني في العراق هو يوم الاستقلال الذي تتخلص فيه الشعوب من الاستعمار والوصاية التي تفرض عليها، لكننا في العراق لا اعتقد جميعنا نتفق على ان العيد الوطني هو الرابع عشر من تموز، عندما اصبح العراق جمهورية بعد انتهاء حقبة من الحكم الملكي.
واضاف : جميع دول العالم تتفق على يوم واحد كعيد وطني، لكن اختلاف الرؤى والمواقف من الايام في العراق، فلكل جهة اصبح عيد وطني، فمن كان يريد الحكم الملكي لايعتبر السابع عشر من تموز عيداً وطنياً، وهكذا، خاصة في السنوات الاخيرة اصبح كل حزب وجهة تطلق اسماء لايام تعنيها ولاتعني الاخر، لذلك لم يكن لاي شئ من تلك الايام والمسميات طعماً.
وتابع : انا شخصياً اعتبر عيدي الوطني هو التاسع والعشرين من ايلول في كل عام، وهو يوم زواجي واقتراني بمن احب، بسبب عدم وجود عيد وطني حقيقي بمعنى الوطن نتفق عليه جميعاً، لذلك فان تلك الاختلافات تؤكد ان الوطن لم يعد هو الاسمى في حياتنا، بل مسميات وغايات جوفاء تمليها علينا القومية والمذهب والاحزاب، ولكن اتمنى ان نتفق جميعاً وان نحترم هذه البلاد ونخصص من ايامنا السوداء يوما ابيض واحدا ننحني فيه لهذا الوطن الذي يحتضننا ونقول له “جميعنا لك”، لا ان نبقى منخرطين وراء مسميات غير الوطن والانسانية.
تجاذبات ومن ثم اقرار
يذكر ان مجلس الحكم العراقي الذي تأسس عام 2003 كان قرر ان يكون التاسع من نيسان / ابريل يوم سقوط النظام السابق يوما وطنيا ، لانه انهى حقبة دكتاتورية في العراق ، كما جاء في وصف مجلس الحكم للاختيار حينذاك ، وهو الامر الذي اعترض عليه العديد من الشخصيات السياسية والدينية والاجتماعية اذ اعتبروه يوما لاحتلال العراق ، ولا يمكن لاي بلد اعتبار مثل هذا اليوم عيدا للاستقلال ، لذلك كان طرح اختيار يوم الرابع عشر من تموز / يوليو ذكرى ثورة عبد الكريم قاسم عام 1958 عيدا وطنيا ، كونه بداية العهد الجمهوري وسقوط الملكية ، وهو كذلك جوبه بأعتراضات بأعتباره تسبب في مقتل العائلة المالكة واسالة الدماء البريئة ، كذلك كانت هناك مقترحات بأعتماد يوم الثلاثين من حزيران / يونيو ذكرى ثورة العشرين ضد البريطانيين ، وهو لم يتم الاتفاق عليه .
كما اقتراح العديد من الايام التي لم يؤخذ بها مثل تاريخ إبرام الاتفاقية الامنية مع الولايات المتحدة ، او يوم الجيش العراقي ، مما حدا بالحكومة الى اختيار يوم 3 تشرين الاول من عام 1932 الذي فيه تم قبول العراق عضوا في عصبة الامم المتحدة وتم انتهاء الانتداب البريطاني عليه ، والذي بدأ منذ انتهاء الحرب العالمية الاولى عام 1918 ، وبذلك اصبح العراق العضو 57 في العصبة الاممية، واقرته الحكومة العراقية ذلك في 6 شباط / فبراير عام 2008 يوما وطنيا للعراق بعد مناقشات مطولة وتجاذبات بالاراء.