ان مشكلة الشعوب التي تعيش حياة الاستبداد جراء هيمنة الطغاة عليهم هي ليست فقط تتعلق ببقائهم وانما حتى بعد رحيلهم ومغادرتهم لواقع الجيحم الذي سيذيقونه بمثل ما اذاقوا به مواطنيهم ,هي بتركتهم ثقافة رديئة وممسوخة ينتهجها من تاثر بفكرهم وممارسته مع الاخرين ,فلايزال البعض يتصور ويعتقد بأن دورالمفتش العام في الوزارات والمؤسسات الذي تأسس وفق الأمر (57) لسنة 2004,هو سلطة الأمن الظالمة والقمع,ورجل البوليس المنتزع الضميرالذي يسعى لإلحاق الأذى بالآخرين،والصاق التهم دون مبرر,وينتهج سياسات التسقيط والتشهير في عمله من خلال جولاته التفتيشية والميدانية على مقر الوزارة ودوائرها. انها رؤية قاصرة وغير دقيقة لمفهوم خاطئ،لمن يريدون السرقة في وضح النهار ,فأفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم ,فاثارة أسلوب الإشاعة من خلال نسج حكايات لاتمت بصلة للواقع عن عمل المكتب وموظفيه لتسقيط جهودهم المثمرة والبناءة في محاربة الفساد والمفسدين ,فوجوده أصبح من الضروريات المهمة في بناء منظومة الرقابية التي تعمل للحفاظ على اموال الدولة وممتلكاتها, فهو من الضروريات المكملة للعمل في المتابعة والمحاسبة والمساءلة لقطع الطريق أمام النفوس الضعيفة الذين يسرقون وبأساليب ملتوية،فهوعين الوزيرالذي يراقب بها عن كثب مجريات العمل بين اروقة وزارته ،والسند الداعم للنهوض بالأهداف المتوخاة ضمن خطة الوزارة ، فمهمة محاربة الفساد الاداري والمالي التي انيطت له بعد سقوط الصنم وفق الأمرالاداري (57)هي شاقة وجسيمة ومليء بالتحديات والمشاق ولعل مكافحة الرشوة والفساد هي الوجه الاخر للارهاب الذي يمزق احشاء الوطن،فقد تمكنت مكاتب المفتشيين العموميين من كشف
ملفات مهمة ,واسترجعت اموال طائلة لخزينة الدولة ,فمن السهولة الامساك بمن يقومون بالعمليات المسلحة وتقديمهم للعدالة ،والصعوبة البالغة كيف نحرر الانسان من ثقافة الفساد كفكر يؤمن به ،وهنا ياتي دور المفتش من خلال موظفيه الذين يمتلكون الخبرة العالية والكفاءة والمهنية في التدقيق ومراقبة الاداء وتقويمه بالشكل الصحيح،وشرح الابعاد المستقبلية للفساد وتأثيرها على المشاريع والانجاز والتقدم ،يأتي دور الخط الوقائي الذي يعمل عليه المكتب في اقامة المحاضرات والندوات والمؤتمرات للتعريف بالاثار السلبية للفساد وضررها على بناء منظومة الدولة والمجتمع والحكمة التي تقول (الوقاية خير من العلاج ) والخط العلاجي الذي يرصد به الخروقات الادارية والمالية لمن تسول لهم أنفسهم متعمدين تعطيل وانجاز معاملات المواطنين لأخذ مبلغ مالي منهم وكما نسميه (الرشوة ) ان المفتش لايستطيع العمل بمفرده فاليد الواحدة لا تستطيع التصفيق وعلى الاخرين الذين يؤمنون بالتغيير وبالمكتسبات عدم تركهم الفاسدين وتقديمهم الأدلة والإثباتات لمحاسبتهم وان تاخذ العدالة دورها في محاسبتهم لاتركهم يذهبون ومعهم اموال الشعب ,وعلى المواطن ان يساند المنظومة الرقابية من خلال الشكاوى والإبلاغ عن حالات الفساد سواء عن طريق الخطوط الساخنة ,اوالمواجهة المباشرة مع شخص المفتش العام،فزمن كم كمت الأفواه ذهب بغير رجعة،وذهبت معه سلطة بدلة الزيتوني المطلقة ,فثقافة المحاسبة سابقاً لاتعني المكاشفة والشفافية وطرح المشاكل بموضوعية ،إنما الغرف المظلمة التي يكون الفيصل بها للهراوات وتتعالى أصوات المظلومين ,ولا احد من مجيب ويستمر التعذيب،ويساق الناس على الظن للتهم دون التدقيق والتمحيص والشفاعة تأتي هنا للحزب والثورة ,والولاء للقائد الضرورة,ولعل الخراب الذي لحق بالبلد بعد 2003, هو لان الأحرار تركوا الأشرار يعبثون بمقدراتهم , فالكثير من المشاريع الوهمية غير الموجودة على ارض الواقع خصصت لها الاموال ،وأخرى غير مجدية هدرت أموال كان من الأجدر ان تصرف على مشاريع ذات فائدة المجتمع
بأمس الحاجة اليها ,والسبب هو تجاهل الذين يرون ويسمعون الفساد ولايبلغون عنه,فمن خسر ؟ الخاسر هو انا وأنت وحياة معطلة غير مطمئنة ,يلعب بها اللصوص كما يشاؤون وكما تشتهي اهوائهم الحقيرة ,فثقافة الخوف لاتزال تحاصر الكثير من افراد المجتمع ,وتطبق على حرية المرء وتمنعه من البوح وقول كلمة الحقيقة هي سارية المفعول بعد كل هذا التغيير, انها تركة ثقيلة وعلى الإنسان ان يتحرر من خوفه ويستيعد بناء ذاته, ليتمكن من الإفصاح والإبلاغ عن المجرمين الذين ينشرون ثقافة السرقة ويصدرونها للآخرين .