الغبن
أحد أهم اسباب تفاقم الطائفية هو الشعور النفسي الكبير بالغبن، و الذي أتاح المجال لتقبل خطاب طائفي في الحوار السياسي الوطني على مختلف المستويات و في كل بقعة على الخريطة السياسية العراقية، بشكل عام انعكس هذا الخطاب و بشكل مباشر على حوارات ابناء الشعب العراقي و سلوكياتهم، حتى جعلنا ننسى عراقيتنا وأننا ابناء شعب واحد بل أصبحنا مذهبيين و طائفيين و شوفينيين و نؤكد في كل حواراتنا ما قاله علي الوردي ” الانسان العراقي اقل الناس تمسكا بالدين وأكثرهم انغماسا بين المذاهب الدينية فتراه ملحدا من ناحية و طائفيا من ناحية أخرى.
وسائل الاعلام
تسلط وسائل الاعلام و كثير من مواقع التواصل الاجتماعي الضوء أكثر الاخبار غرابة و في الفترة الاخير وضعت بعض الاشخاص و الجهات المؤيدة للدولة الاسلامية تحت عدسة التكبير وسلطت الضوء عليها ، وهذا أمر طبيعي من الناحية الاعلامية لكنه يثير مخاوف الناس و ريبتهم بابناء ملتهم. ويترتب على هذه الريبة حوار فيه الكثير من الكره يتسم بالتعميم، على سبيل المثال لم يعد أحد يقول أهل الموصل أو الموصليون بل يسمونهم الداعشيون. ووصلت بنا المواصيل الى درجة أننا نرى أن قنبلة قتلت ثلاثة أطفال من مذهب معين لا تعني شيئا في عين ابناء مذهب آخر في العراق لطالما لديهم جريمة ابشع طالت ابناء مذهبهم. هذا النوع من الحوار في العراق و خلال كل السنوات الاخيرة جاء بنتيجة واحدة لا غير ، كره العراقيين لبعضهم البعض و عدائية لا مبرر لها، المبرر الوحيد لها أننا مصابين بالعمى الطائفي فلم نعد نرى من هو العدو و من هو الصديق، و نتج عن هذه الاجواء حركات متطرفة و خطابات متطرفة أحيانا مذهبية و أحيانا شوفينيه ، كان هذا الخطاب دافعا حقيقيا لكثير من حالات العنف و القتل، مثالها خلاف المالكي و النجيفي و ما تبعها من حالات عنف شعلت بغداد باسرها و توقفت بعد توافقهم و الامثلة كثيرة في اقحام الصراعات السياسية في الحياة المدنية، ليتحمل المواطن المدني تبعاتها على يد الاحزاب أو الميليشيات أو على يد الجهاز التنفيذي الذي فقد ولائه للوطن.
كيل الاتهامات
من خلال توجيه الضوء في وسائل الاعلام ((المملوكة)) لجهات سياسية على نشاطات الميليشيات الشيعية و السنية أو الاتهامات التي يوجهها السياسيين لبعضهم البعض يخلقون بيئة خصبة للعداء ما بين فئات الشعب الواحد. هذه المشاعر الجياشة التي تخلقها هذه الخطابات يتم استغلالها و الحقيقة التي شاهدناها خلال كل الحقب هي: أن هذا الخطاب الطائفي لم ينفع العراق لا من قريب و لا من بعيد.
المشاعر الخلاقة
أحد أهم اهداف الخطابات هي تحريك المشاعر ليترتب عليها سلوك معين، وكلما استطاع الخطيب أن يحرك المشاعر السلبية من الغضب الى القهر و الشك و الخوف الخ عند الجمهور كلما زادت قوة رد الفعل و لو لا حظنا خطاب السياسيين العراقيين فنادرا ما جاءنا خطاب يخلو من مثل التعابير الطائفية حتى لو قيلت بشكل غير مباشر كشعارات معظم الاحزاب ( لا للطائفية ). أو المدافعين عن حقوق ابناء الشيعة أو ابناء السنة و التطرف في خطاب الدفاع عن الحقوق أساء للعراق كدولة و لعراقيتنا كشعب و بالرغم من وجود اصوات معتدلة تماما لكن يضيع صداها في دوامة الصراعات.
نظريات المؤامرة
الكثير من الاحزاب السياسية تشكك في مصداقية الغرب في انقاذ العراق و بالذات أمريكا و لهم الحق في شكوكهم، لكن تأليب الرأي العام في هذا الوقت الذي ضاع فيه ثلث العراق على يد منظمة متطرفة ربما يكون من خلقها هو من يحاول القضاء عليها الآن، لكن رغم كل المبررات لا يحق للسياسيين في هذا الوقت بالذات أن يقسموا الشعب لعدة أقسام جديدة، قسم يوافق على دخول ابناء مذهبه الى الجيش و آخر سيتهمهم بالعمالة للغرب. العراق بحاجة ليقف بقوة بوجه هذا الهجوم الهمجي كجبل واحد و أن يعي لما يجري حوله، ليكون يد واحدة تضرب العدو بدلا من أن تضرب نفسها, وهذا الأمر يتطلب خطابا سياسيا جماهيريا موحدا من قبل السياسيين الذين لم يبدوا الى حد اليوم فداحة خسارة العراق و العراقيين.
الحوار الجديد
نحن بحاجة لحوار واعي، يعي حجم مأساة المرحلة ويستطيع أن يجمع شتات الناس في وقت فتت الشعب و شرد. يذكرني قول حكيم للأستاذ برهم صالح في أعوام الطائفية القاسية كان بهذا المعنى لو استمر العنف الطائفي بهذا الشكل فسنضطر للنزول في خنادق الطائفية” و ما أشبه اليوم بالبارحة و في بعض الاحيان للقلم و الكلمة تأثير أقوى من المدفع.
نحن بحاجة لصحوة فكرية و طنية ثقافية، يقودها من بقي من مثقفين العراق و العرب واعيا و مدركا لمجريات الاحداث في المنطقة وواعيا بأننا كلما ابتعدنا عن اسباب وحدتنا و تمسكنا باسباب انشقاقنا فنحن فعلا نشق انفسنا.