من عجائب المصادفات أن الوحدة بين مصر وسوريا التي إنطلقت في (2221958) إنتهت في (2891961) وتوفى رائدها وقائدها وعميدها جمال عبد الناصر في (2891970) , القائد العربي الحضاري الثائر المقدام الذي أطلق الطاقات العربية , فوضع العرب في وعاء الصيرورة الوحدوية القوية , ولو قد درسنا تلك المحاولة وإستخلصنا منها مقومات النجاح , وتواصلنا معها وآمنا بها , لتمكنا من تحقيق السبق على الإتحاد الأوربي!!
“هي العروبة لفظ إن نطقت به
فالشرق والضاد والإسلام معناه
سل المعالي عنا أننا عرب
شعارنا المجد يهوانا ونهواه
ويح العروبة كان الكون مسرحها
فأصبحت تتوارى في زواياه”
وبعد نصف قرن وثلاث سنوات من تأريخ فشل الوحدة ما بين دولتين عربيتين , أصبح العرب أبعد ما يكونون عن الوحدة , لأن أوطانهم تشظت وتفتت كيانها الإجتماعي والوطني والعقائدي , حتى تحولت إلى حالات تقاتل نفسها وتتصادم مع بعضها , ككرات البليارد التي تدفعها عصا اللاعبين المتنافسين للفوز بأكثر عدد منها.
ولم تكن فكرة الوحدة خاطئة , وإنما صائبة مئة بالمئة!!
والسبب في وصول العرب إلى هذا الحال المتفرق , هو عدم إمتلاكهم مهارات وقدرات تطبيق الأفكار , وهذا يشمل جميع مناحي الحياة , كما أنهم من أكثر المجتمعات المؤهلة لقتلها بما تريد!!
أكثر من نصف قرن على فشل وحدة مصر وسوريا , وصلت سوريا إلى ما هي عليه اليوم , ومصر في وضعها الذي يستدعي الحيطة واليقظة والحذر, للحفاظ على اللحمة الوطنية وعدم الدخول في متاهات الضياع , التي دلفت فيها العديد من الدول المتساقطة في مستنقعات الوجيع العربي!!
فعلى مدى هذا الزمان الشاسع العنيف الثقيل , لم يتمكن العرب من إستخلاص الدروس والعِبر , وتوظيف الإمكانات لصناعة الوجود العربي القوي , وإنما سعت جميع الأنظمة والعقول إلى صناعة المستحيل الوحدوي , والترويج للمكن التفريقي والتناحري والتفتيتي , الذي أعطى أكُله في معظم الدول العربية , وعلى رأسها العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر وغيرها من الدول , الني وجدت نفسها أمام مأزق فقدان الوطن ككيان وقوة وهوية وصيرورة مجتمعية متلاحمة.
بعد ما يزيد عن نصف قرن , لم يتمكن العرب من حل محنة العلاقة ما بين السلطة والدين , وكأنهم لا يزالون يدورون في ذات الدوامة ويرددون ذات المفردات , ولا يريدون الإقرار بأن الأرض تدور وتتسبب بمتغيرات ومستجدات تستوجب المواكبة والإدراك.
وهذا يدل على أن المجتمع العربي منقطع عن حاضره ولا ينظر للمستقبل , وإنما يتدحرج إلى الوراء البعيد ويستحضر أجواءه النفسية والعاطفية , لينسف وجوده المعاصر نسفا مروعا.
فلا وحدة بعد فشل تجربة الوحدة , ولا قدرة على التحدي والمواصلة والإصرار على التفاعل المشترك , وطغيان التطرف والإرهاب والأحزاب الدينية المؤدلجة , وإمعانها في إستنزاف الطاقات وتدمير الثروات وتخريب البلاد وسبي العباد.
أكثر من خمسة عقود والعرب يمعنون في تشويه قيمهم وتقاليدهم ومعتقداتهم وهويتهم وعروبتهم وتأريخهم ويكرّهون الأجيال بالوحدة , حتى أصبحوا من أشد أعداء وجودهم وقوتهم وأوطانهم.
بعد هذه العقود صار العرب أعداء أنفسهم , ولا يعنيهم سوى التصاغر والهوان, وتنفيذ إرادة ومصالح الآخرين الطامعين بهم.
وكل ما يرفعونه من شعارات ويلقونه من خطابات إنما هو كذب وتضليل , فشعارهم الحقيقي يقول نحن الذين نحقق أهداف أعدائنا ونقضي على وجودنا ونترجم شعاراتهم الخالدة “فرق تسد ” و ” سعيد من إكتفى بغيره”!!
فما أسعد أعداء العرب بما يقوم به العرب!!