مقدمة: سورة سيّدنا يوسف عليه السّلام، جميلة لمن يملك الصوت الحسن، وعذبة لمن أوتي الأذن الرقيقة.فهي تتحدث عن ..
أحوال العائلة، وما يحدث بين الأخوة من غيرة وحقد وتنافس. وعن أسرار القصور. وفضائح الفراش. وصناعة التهم، وسطوة السّجن المظلم. والوسيلة المناسبة لمواجهة الأزمات الاقتصادية. والقدر الذي يفر منه المرء، ليعود إليه طوعا. ورعاية الله الأبدية لفؤاد الأب، وبراءة الطفل.
سبق لصاحب الأسطر منذ سنوات، أن أفرد مقالا لصدق سيّدنا يوسف عليه السّلام، ومقالا آخر لكذب إخوة يوسف عليه السّلام.
وخلال هذا الأسبوع، ظلّ يستمع لقارئ سورة القرآن ، ويكررها في اليوم عشرات المرات، لعلّ ربك يفتح عليه، بفتحه المبين.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 1 ..
بدأت السورة، بفواتح السور العجيبة .. “الر ۚتِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ”، يوسف – الآية 1.
وفعلا، ضمت السورة، صورا عجيبة، لايدركها المرء لأول قراءة. في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 1 ..
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 2 ..
“نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ” يوسف – الآية 3.
فعلا كانت قصّة سيّدنا عليه السّلام، أحسن القصص من كل النواحي، سواء التي أدركها القارئ في حينها، أو التي لم يقف عليها بعد، لذلك تتطلب القراءة المتعددة، وفي كل قراءة يقف المرء على أنها أحسن القصص.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 3 ..
“قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ”، يوسف – الآية 5
سيّدنا يعقوب عليه السلام، حين حذّر إبنه يوسف عليه السلام من عدم عرض رؤياه على إخوته، إنّما كان يخشى عمل الشيطان، وأن يوقع بين أبناءه.
فالأب يجمع، ومن تمام لمّ شمل، أن يجنب إبنه من ذكر الخير لأخوته، إذا رأى في نشره مايسىء، ويفسد العلاقة.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 4 ..
مايميّز أبطال قصة سيّدنا يوسف عليه السلام، أن دورهم مهم جدا في القصة، بغض النظر عن الدور السّيء أو المشين الذي يؤديه هذا أو ذاك، ولا يمكن بحال الاستغناء عن واحد منهم مهما بدا للقارئ أول مرة، أن دوره ثانوي.
ومن بين هؤلاء الأبطال .. الأب، الإبن، الأخوة، الباعة، الملك، إمرأة العزيز، العزيز، الملك، النسوة، المعبّرين، الساقي، صاحب السجن، أصحاب الرؤيا في السجن.
الذئب، القميص،
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 5 ..
أخوة يوسف عليه السلام، كانوا حمقى، حين أعادوا نفس نصيحة الأب يعقوب عليه السّلام، التي حذّرهم منها، فقال لهم: ” قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ”، يوسف – الآية 13.
فأجابوه، بحمق وكذب: ” قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ”، يوسف – الآية 17.
إنه الحقد الذي يولّد الحمق.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 6 ..
أخوة يوسف عليه السلام، كانوا أخطر على سيّدنا يوسف عليه السّلام من الذئب، حين همّوا بقتله، ورميه في البئر.. ” قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ”، يوسف – الآية 14.
إذن خسران أخوة سيّدنا يوسف عليه السّلام، لاعلاقة له بالذئب البرىء، بل بالكذب ومحاولة قتل أخيهم.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 7 ..
سيّدنا يعقوب عليه السّلام، عاش محنتين أليمتين، فصبر صبرا جميلا ..
الأولى.. “قتل” إبنه يوسف عليه السّلام، وإبعاده عنه لمدة 40 سنة.
الثانية.. إبعاد إبنه الأصغر عنه، بتهمة السرقة.
وفي اللّحظة التي كان ينتظر فيها قدوم سيّدنا يوسف عليه السلام، إذ بخبر إعتقال إبنه ينزل عليه كاتلصاعقة .. وكأن المصيبة الأولى لم تكفه، فابتلاه ربك بالثانية.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 8 ..
سيّدنا يعقوب عليه السّلام، أبتلي إبتلاء كبيرا، فصبر صبرا جحميلا ..
أولا: حين رأى الأخوة ،ونظرتهم لسيّدنا يوسف عليه السلام. فقد كان يألمه ذلك، وهو الأب العادل، الذي يسعى دوما، لإقامة العدل بين الأبناء، وإشاعة الأخوة فيما بينهم.
ثانيا: حين هموا بقتله ورميه في البئر.
ثالثا: حين جاءه خبر سجن إبنه، بتهمة لايمكن تصورها أبدا، ومرفوضة سلفا.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 9 ..
“وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ ..” يوسف – الآية 21.
سيّدنا يوسف عليه السّلام، كان وفيا لمن أكرم مثواه، وهو طفل صغير، يلفت أنظار الجميع بحسن خلقه وأخلاقه، حين رفض إغراءات إمرأة العزيز التي لاتقاوم، فقال بإبآء ..” وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ”، يوسف – الآية 23.
تذكّر فضل ونعمة العزيز عليه، وهو يواجه أعلى مراتب الإغراء.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 10 ..
“وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ”، يوسف – الآية 22.
ومباشرة جاءه الابتلاء، ليبتلى في حكمته وعلمه، التي منحهما الله له، دون حول منه ولا قوة.. فكان البلاء العظيم: ” وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ”، يوسف – الآية 23.
فكان حكيما حين رفض الإغراء، وكان عليما، حين علم أن الحفاظ على فراش من أطعمه وسقاه من تمام الرجولة والمروءة، التي يجازى عليها المرء.
ومن كان حكيما في شهوته، كان حكيما في سطوته. ومن حافظ على فرش غيره، جاءه العرش حبوا.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 11 ..
سيّدنا يوسف عليه السّلام، لم يقل: ” قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي”، يوسف – الآية 26 ، إلا بعدما سبقته إمرأة العزيز بالتهمة، حين اتّهمته قائلة: ” وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”،يوسف – الآية 25.
فهو دافع عن نفسه، وردّ التهمة، ولم يكشف أمرها. ولو لزمت الصمت، لصمت سيّدنا يوسف عليه السّلام.
فكان أن فضحت أمرها، من حيث أرادت إتّهام البريء.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 12 ..
أدى الشاهد حقّ الشهادة بحق .. “وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ”،يوسف – الآية 26.
إلتزم الحياد، ولم يقدّم تفسيرا يناسب سيّده الذي أطعمه وسقاه، وله حق عليه حقّ الطاعة والولاء والستر. فالشاهد يشهد بما رأى وسمع. فكانت نتيجة شهادته الصادقة، أن أكرمه العزيز، ولم يعاتبه أويوبّخه، لأنه لم يكن في صفّه، ولم يقدّم تفسيرا يلائم الفضيحة التي أوقعته فيها إمرأته.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 13 ..
الشاهد إلتزم الصمت. الزوج إلتزم الصمت.
سيّدنا يوسف عليه السّلام إلتزم الصمت. إمرأة العزيز إلتزمت الصمت.
وهؤلاء جميعا شهود على الواقعة، بالتحريض، والفرار، والشهادة، والاتفاق على عدم نشر الفضيحة.
لكن النسوة تفننوا في نشر الخبر، بسرعة فائقة، رغم أنهم لم يكونوا طرفا فيه: ” وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ”،يوسف – الآية 30 .
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 14 ..
لايفضح المرأة غير المرأة. لم تكتفي النسوة بنشر الخبر، بل قدّموه في ثوب لايقاومه السّامع، والمحب لنشر الفاحشة..
فهي ليست إمرأة عادية، بل إنها إمرأة العزيز. وهي راودت فتى صغيرا، بمثابة إبنها. ولم يكفها ذلك، بل كانت تعشقه إلى حدّ أن راودته مرارا. ثم إنها ليست العاقلة الحكيمة، كما يتبيّن للنّاس، بل هي الضالة ضلالا مبينا واضحا وجليا لمن لايعرفها، ويعرف خباياها.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 15 ..
يوسف عليه السّلام، وبعد التهمة، دعا ربه قائلا: “قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ”، يوسف – الآية 33.
فاستجاب له ربه: “فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”،يوسف – الآية 34.
إن الله إستجاب له بصرف كيد النّسوة عنه. فهل السّجن من باب إجابة الدعوة، أم من الابتلاء؟، الذي يجب أن يمر به سيّدنا يوسف عليه السّلام.