ليست الطائفية ومحاصصاتها وحدها تهدد العراق وشعوبه, بعد أن قطعت شوطاً نحو التجذر والتعمق, بل أن ظواهر مدانة أخرى راحت تطل برأسها كنتاج لها، منها المناطقية التي تتجلى في محافظة نينوى سيما الموصل منها وفي محافظات أخرى كذلك ولكن بدرجات متفاوتة فنينوى حسب طروحات نخبها السائدة تصور وكأنها غارقة في خصوصية حادة تعزلها ليس عن العراق فقط وإنما عن المثلث السني العربي ومن اجزاء في محافظة نينوى أيضاً والتي تتخذ فيها النزعة المناطقية كما تروج لها فضائياتها المحلية: الموصل ونينوى الغد، صوراً مثل:
[ عشائر نينوى تطالب الحكومة العراقية للأسراع بتشكيل المنظومة العسكرية من أبناء نينوى لأدارة الملف الأمني ..و.. قوة من أبناء الموصل فقط لمقاتلة داعش..و تكتل أفراد الشرطة في الموصل كفيل بطرد داعش والقضاء عليه.. و.. قوة تطوعية من أبناء الموصل فقط.. و.. نقبل فقط بدخول قوات عربية سنية الى الموصل..الخ]
ويبدو أن الطروحات المناطقية لنخب نينوى السنية العروبوية والأسلاموية هيمنت على عقول زعماء سنة آخرين من غير أبناء المحافظة، فها هو سليم الجبوري رئيس البرلمان العراقي يعزف على الوتر المناطقي الضيق نفسه قائلاً بـ (البدء عمليا بتشكيل منظومة عسكرية من أبناء نينوى…) الخ ويجاريه في العزف تحالف القوى العراقية السني الذي نادى بـ (الأسراع بتشكيل منظومة عسكرية من أبناء نينوى كفيل بحل الأزمة التي تطحن المحافظة منذ زمن)
ترى هل يعقل أن يطرد داعش من الموصل فالقضاء عليه على يد تكتل من أفراد الشرطة الموصلية في وقت يشك في قدرة التحالف الدولي الذي يجمع في صفوفه اكثر من (40) دولة على القضاء عليه ؟ ثم ألا يفسر أو يعد دخول قوات عربية سنية حصراً الموصل بأنه في منتهى العنصرية والطائفية والمناطقية؟ وسؤال ثالث: هل هناك قاعدة اجتماعية عربية سنية في الموصل يستند عليها المناطقيون في دعواتهم، وقد خضعت هذه القاعدة منذ العاشر من حزيران الماضي إلى سلطة داعش في الموصل وبلدات سنية اخرى في المحافظات السنية ؟ أما الموصليون الرافضون لداعش ويبلغ عددهم عشرات الألوف قأنهم يقيمون كلاجئين في كردستان قبل ذلك التأريخ وبعده، وهم الشريفة الوحيدة من بين اللاجئين لم تبدى الرغبة في أي يوم من الايام للأنتظام في فرق وكتائب مسلحة لمقاومة داعش بل وحتى تسيير مظاهرات أو تنظيم تجمعات احتجاجية ضده وذلك على الضد من الايزيديين والشبك والمسيحيين فهؤلاء تظاهروا واستنكروا داعش وشكلوا الوبة لمقارعة داعش ففي دهوك شكل الايزيديون قوة قوامها اكثر من 2500 مقاتل وتردد أن الشبك في طريقهم الى تأسيس قوة من 1500 مقاتل لأسترداد قراهم ومناطقهم من داعش.
ان الاهابات المفعمة بالنزعة المناطقية لسنة الموصل، لم تتعد الى الان الثرثرة (والعنتريات التي ماقتلت ذبابة) ناهيكم من أنها توحي بالعنصرية والطائفية، فمن شعاراتها مثلاً والتي بثتها تلك الفضائيات ان ( الشارع الموصلي رافض لداعش ومتخوف من عودة الجيش) ورفضت دعوات قوات البيشمركة الكردية ايضاً، فلقد هدد مسؤول المكتب العسكري لثوار العشائر من على صفحات جريدة الشرق الاوسط اللندنية ليوم 19-8-2014 البيشمركة من ان دخولها الموصل سيشير الموصليين اللاجئين في كردستان ويدفعهم للجوء الى أعمال تخريبية ضد حكومة الاقليم. ويعلم المتتبعون لثقافة وشعارات النخب العنصرية والطائفية السائدة في الموصل ان المناطقية الموصلية سابقة على احتلال داعش للموصل وما ترتب عليه من فكر انعزالي مناطقي فبعد الاسابيع الاولى لسقوط النظام العراقي في الموصل يوم 9-4-2003 فأن احزاباً وصحفاً موصلية طرحت افكاراً غاية في العنصرية ضد الكرد، غاية في المناطقية ، حين طالبوا بسحب قوات البيشمركة من الموصل ومن محافظة نينوى، ورفعت احدى الصحف الموصلية الشعار النازي بعد أن حورته وجعلته كالاتي: (الموصل فوق الجميع) وفي حينه رد كاتب هذه السطور على ذلك الشعار في مقال له.
وفي سعيهم الى تعميق التمايز بين الموصل وبقية المدن والمحافظات العراقية بما فيها السنية، تختلق النخب السنية المناطقية الموصلية تنظيمات وهمية زاعمة انها تقود الموصليين منها: ( كتائب الموصل) و (فدائي النبي شيت) و (حركة تحرير الموصل الابية- حتما)وأخيراً وليس اخراً (المجلس الوطني لتحرير نينوى).. الخ هب أن احداً سأل أين تقيم هذه المنظمات؟ وهل من المنطقي أو الصحيح أن تتعدد المنظمات النضالية والذي يدل على عدم اتفاق الموصليين كما يتبين على موقف موحد وكلمة واحدة؟
ان السؤال هذا ذكرني بتساؤل صحفي قبل شهور ومن باب النكتة طبعاً، ألا وهو: أين تقع مزبلة التأريخ؟ ومن الدعوات المناطقية الاخرى للنخب الموصلية السائدة المطالبة بأن تكون وزارة الدفاع العراقية من حصة محافظة نينوى فيما طالبت محافظات ما بان تكون لها حصص في الوزارات.. الخ من المطالبات المناطقية التي راحت تزاحم المطالبات الطائفية في العراق. مثل مطالبات البصريين بأقلمة البصرة أو اتحادها مع محافظتين نفطيتين جنوبيتين.
يقيناً ان الطائفية والعنصرية سيئان، لكن الاسوأ منها والاجهل منها هو المناطقية. الضيقة التي يدعو لها بعضهم عن قصد أو غير قصد وعلى وجه الخصوص في الموصل وبدرجة ثانية في محافظات اخرى، ففي الوقت الذي يدعو فيه المناطقيون الى معاملة الموصل ونينوى معاملة متميزة ويعملون على تقوية التمايز وتعميقها، يتجاهلون، انهم في محاولاتهم هذه لايمثلون الا فئة قليلة من السكان، لأن اكثرية سكان المحافظة من كرد مسلمين وايزيدية، ومن تركمان ومسيحيين يخالفونهم الرأي فهم في واد والمناطقيون في واد أخر، وكل العراقيين في واد والمناطقيون في واد اخر، وتبقى الدعوة الى المناطقية ثرثرة وبمثابة طبل فارغ. لدى المنادين بالمناطقية.