هناك الكثير من المؤشرات الدالة على أن أوراق التوت سوف تتساقط تباعاً عن عورة الكثير من الأطراف في المنطقة سواءً أولئك المعتاشون على الأزمات وخلط الأوراق في انتزاعهم للمواقف الدولية الداعمة أو هؤلاء المتعكزون على الشعارات والمبادئ المفرّغة من مضامينها لتجريد شعوبهم من حقها في الديمقراطية والحياة الحرة الكريمة.. وكما يقال، رُبّ ضارة نافعة، فرغم ما حملته (داعش) من قباحة و نتن وفساد وإفساد، لكن، على أنقاضها يولد الأمل. فما داعش الاّ الوجه الأقبح في المنطقة الذي تشكلت ملامحه الهجينة نتيجة تلاقح أفعال أولئك وهؤلاء.
وليس استباقاً للأحداث أو إطلاقا للأحكام الجاهزة أو تبرئة لأطراف دون أخرى، ألا أن واقع الحال ومسار الأحداث ينطق صارخاً في تأكيد التواطئ التركي مع تنظيم داعش الارهابي وخاصة في عملية مجابهة داعش لأكراد سوريا وإعاقة وصول الناجين منهم الى أماكن آمنة بعد الهجمات العدوانية الشرسة التي شنها التنظيم الارهابي على القرى والأحياء السكنية في كوباني، بل والضغط على حلفائها من بقية الكرد في النأي بأنفسهم عن الصراع الدائر بين داعش وأكراد سوريا.. وإذا ما أدركنا بأن العامل الطائفي الذي تنطلق منه السياسة التركية في تحديد كيفية التعاطي مع أكراد سوريا، بالإضافة للعامل القومي الذي يشكل صداعا مزمنا للساسة الأتراك خاصة وأن القيادات السياسية لهذه الأحزاب الكردية التي تستهدفها داعش اليوم لم تكن قد وصلت الى ما هي عليه عبر الوراثة لتطمح بإيصال سلالتها فيما بعد الى ذات الموقع وهو ما يجعلها بلا شك، في منأى عن الانخراط في مسلسل التنازلات المفتوحة التي تريدها تركيا من الآخر، هذه العوامل وغيرها تجعل من غير المستبعد أن يكون التواطئ التركي مع داعش ازاء اكراد سوريا مُتفقا عليه كشرط مسبق ضمن اطار عملية اطلاق سراح الرهائن الأتراك مؤخرا، والتي لم تفصح القيادة التركية عن تفاصيلها سوى نفيها المطلق عن ان تكون قد رضخت نتيجة ذلك لإبتزاز مادي أو ما شاكل..! إذن، ماذا كان البديل؟.
أن ذلك أقصى ما يمكن أن نتوقعه في هذا الشأن ازاء هذا “السلوك التركي الغامض” (حسب وصف الإندبندنت) .. والعابث في نفس الوقت في مشاعر أسر الضحايا الذين لقوا حتفهم على يد مجرمي داعش، ونقول ذلك تحاشيا لإستباق الأحداث وإلا فإن رؤيتنا في موضوع الرهائن قد أشرنا لها في مقالات سابقة عن أنها لا تتعدى عن كونها مسرحية سمجة لإستغفال مكونات المجتمع الدولي، وها نحن نرى بأن تطور الأحداث جعل من أردوغان ونهجه السياسي الامبراطوري رهينة حقيقية بيد داعش اليوم.. وإن حاول إبداء العكس إعلامياً فقط.
ليس ككل مرّة، فقد ذهبت داعش في ندائها الأخير بعيدا متجاوزة كل الحدود في شرعنتها قتل المدنيين من جميع الدول المتحالفة وفي أي مكان وبأية طريقة من إطلاق الرصاص حتى دسّ السُم للمدنيين العزّل .. وتلك هي أدنى مستويات الانحطاط الاخلاقي والسقوط القيمي، ولا يمكن ازاء هذا الحال استمرار تركيا في هذا النهج الغامض المُربك للجهود الدولية الموجهة لإيقاف الزحف الشرّير وإنهاء وجود الشر المطلق المتمثل في داعش.. فإن استمرار اغلاق الحدود بوجه اللاجئين الكرد من النساء والأطفال والشيوخ واستقبالهم من قبل القوات الأمنية التركية بالقنابل المسّيلة للدموع وخراطيم المياه لا يعني سوى ان داعش تُمثل الذراع العثماني الضارب لمشروع امبراطورية “تركيا الجديدة” الذي وعد به اردوغان شعوب المنطقة.. وما يؤكد مثل هذا التصور، أن الصحيفة التي أصدرها تنظيم داعش، تحمل اسم (دابق) وهو ذات الاسم الذي قرر التنظيم الارهابي اطلاقه على (الفضائية) المراد اطلاقها لتكون ناطقة بإسم «دولة الخلافة» المزعومة، نظرا لما يحمله هذا الاسم (دابق) من رمزية تاريخية كبرى، فهو اسم المعركة التي انتصر فيها العثمانيون ومهّدت لإحتلالهم العراق وبلاد الشام لأكثر من أربعة قرون، فضلا عن كونها (دابق) منطلقاً لـ(الجيوش الإسلامية) لقتال الروم والسيطرة على العالم.
والحال كذلك، فإن الوقوف في صفوف المتفرجين تجاه معاناة الشعب السوري وسكان مدينة «كوباني» أو المدن الأخرى فيما لو تعرضت لذات الحال، لا يعكس الفاعلية والتخطيط المسبق المفترض ان يكون عليه التحالف الدولي، فهي تداعيات ينبغي أن تكون محسوبة، سواء استخدام الغاز الكيمياوي (غاز الكلور) ضد الجيش العراقي من قبل داعش في الفلوجة أو إحتمال ارتكاب تنظيم داعش لجريمة ابادة جماعية للكرد في مدينة «كوباني» أو مناطق أخرى بالتعاون مع أطراف مؤيدة لها.. وفي هذا الخصوص نضم أصواتنا الى أي صوت شريف في دعوة دول الجوار وحكومة العراق خصوصا لتقديم ما يمكنها من مساعدات انسانية للشعب السوري وأكراد سوريا خصوصا العالقون منهم بين ارهاب داعش ورحمة المعابر التركية. فإن داعش قد بدأت تشعر اليوم وأكثر من أي وقت مضى، بجدية التوجه الدولي الذي الذي يحمل معه بداية نهايتها وزوال أثرها من المنطقة والعالم، مهما طال أمد المعركة، لذلك تحاول جاهدة إرباك الجهد الدولي بأي طريقة ممكنة، ومن مصلحة العراق في أن يكون أول الفاعلين في امتصاص زخم أزمات انسانية من هذا النوع، ودعوة المنظمات الانسانية لتكون مستعدة لذلك، لكي لا تكون مثل هذه الأزمات سببا في اطالة عمر الدواعش.
فيديو عناصر داعش تتنقل علنا في اسطنبول
https://www.youtube.com/watch?v=3f5-TM-67Gg