23 ديسمبر، 2024 6:53 م

أوباما والعودة الی مبدأ نیكسون في العراق

أوباما والعودة الی مبدأ نیكسون في العراق

لولا فضیحة “واترغیت” لما رحل الرئیس السابع والثلاثین للولایات المتحدة بهذه البساطة من البیت الأبیض عام 1974 في مطلع ولايته الثانية، ورغم ان الأفعی الأميركیة معتادة علی تغییر جلدتها بین حین وآخر، الاّ ان المبدأ الذي اتبعه ریتشارد نیكسون (1913 – 1994) أنقذ أميركا من حرب فیتنام اولاّ، وفتح امامها آفاق التعاون مع الصین بما زاد من الستار الحدیدي الذي ضربه الغرب حول الاتحاد السوفیتي السابق، وكانت له تأثيراته على منطقتنا بعد حرب 1973 وتوقيع اتفاقية فك الاشتباك بين مصر والكيان الاسرائيلي في جنيف يناير 1974…
والظروف التي جاء فیها الرئیس الأميركي الحالي باراك أوباما في 2009 شبیه بالحالة التي مرت بها أميركا قبیل مجئ نیكسون في مطلع 1969 خلفاً لـ” لیندون جونسون”، وكان نیكسون نائباً للرئیس دوایت آیزنهاور في الفترة 1953-1961 وهزم مقابل المرشح الرئاسي الدیمقراطي جون كینیدي بأختلاف بسیط في الاصوات عام 1960، لیترك العمل السیاسي حتی 1986 عندما عاد مرشحاً للحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية.

 أهمية نيكسون او كما سمته الصحافة الأميركية عام 1986 “الملك” تكمن في تبني باراك أوباما لسیاساته علی صعید السیاسة الخارجیة مع بعض التعدیلات التي تفرضها المتغیرات الزمكانیة، علماً ان الرئیس الرابع والاربعین (أوباما) محامي ایضاً مثل نیكسون!
فكان علی أوباما ان ینتشل الجنود الأميركان من مستنقعي العراق وافغانستان، الأمر الذي تحقق في العراق مع نهایة 2011 والخروج من افغانستان نهایة العام الحالي 2014.. وان یزید من محاصرة روسیا والصین من خلال تمدد الناتو نحو الشرق واحكام السيطرة على مصادر الطاقة وخطوط التبادل التجاري في ظل الحدیث عودة الحرب الباردة.. وان یواجه ضعف الاقتصاد الأميركي ونهایة الاحادیة القطبیة، اي ان یتحول كما هو الحال في مبدأ نیكسون من الهیمنة الی المشاركة.. وان يضاعف من الحصار المفروض على ايران منذ انتصار ثورتها في فبراير 1979 بواسطة دبلماسية العقوبات الذكية، لخلق أجواء الانفتاح عليها في المرحلة اللاحقة كما حصل مع الصين مطلع سبعينيات القرن الماضي.

وما یهمنا اكثر هنا، هو مبدأ “الدعامتین” الذي أعتمده نیكسون في منطقتنا والذي یحاول أوباما الیوم اعادة صیاغته من خلال “ثلاثة دعامات” تختلف احداها عن الدعامتین الآخرتین، لكنه یرید من خلال الاتفاق(النووي) اشراكها في الأمن والترتیبات الاقلیمیة، لانه ببساطة لا یستطیع تجاوزها (المقصود هنا ایران!)…
أما الدعامتین الآخرتین فهي القواعد الأميركیة المنتشرة في المنطقة وتركیا، اما السعودیة التي كانت احدى دعامتي نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر، فقد استبعدت لتباین قدراتها مع ایران وتركیا اولاً، وافول نجمها العقائدي بعد تحول عقیدتها الدینیة الی مدرسة للارهاب لا یمكن للأميركي الاستناد الیها في مشروعه الذي عنوانه “الحرب ضد الارهاب والتطرف”!

أما لو أسقطنا مبدأ أوباما الذي یقوم علی المشاركة المیدانیة وتوازن القوی وحصار القوی المعادیة مع مسحته الواضحة في الاعتماد على القوة الناعمة وتجنب استخدام القوة العسكرية بسبب تبعاتها في الداخل الأميركي علی الحالة العراقیة، سنری ان الموضوع واضح من خلال تأكید نائب الرئیس (جو بایدن) علی مسألة الفیدرالیة وتقسیم العراق الی ثلاثة اقالیم (كردي، سني وشیعي) وخلق قوة عسكریة في الاقلیمین الكردي (البیشمركة) والسني (الحرس الوطني) وهذا الأخير یستدعي في المخیلة العراقیة الحرس القومي والحرس الجمهوري في حكومة البعثیین عام 1963 ، 1968 – 2003 وقد تكون التسمية مقصودة لخلق حالة من الضغط النفسي، لموازنة قوة الحكومة الاتحادیة التي یشكل أبناء الأغلبیة السكانیة (الشیعة) عمادها بحكم الدیموغرافیا.
اذاً، الاستراتیجیة الأميركیة في العراق وهي النسخة المعدلة لمبدأ نیكسون، تقوم على:
1- موازنة القوة الشیعیة المتمثلة بالمساحة والسكان والاقتصاد والقوة العسكریة، بالاقلیمین الكردي والسني والامتیازات التي تعطي الیهما.
2- المشاركة في العملیات العسكریة بهدف التأثیر في القرار الأمني وبالتالي القرار السیاسي، بما ینقص من سیادة الدولة دون احتلالها واستشعار اهلها بذلك النقص.
ولأن التواجد العسكري سیكلف الولایات المتحدة اقتصادیاً وبشریاً فانها (اي أميركا) تتبع سیاسة الضربات الجویة والمستشارین.. وهنا تكمن أهمیة الأرهاب في خلق الذرائع للقوات الأميركیة بالانتشار والتواجد في البلدان الاخری، بل ونقض سيادتها، كما يحصل مع باكستان واليمن، علما ان باكستان ـ مثلاً ـ تعتبر قوة نووية ولديها جيش منظم وقوي، لكن الارهاب الذي صنعته المخابرات الأميركية والغربية بالتعاون مع استخبارات الجيش الباكستاني وبعض الأنظمة العربية أصبح اليوم هو المبرر والذريعة التي تستخدمها أميركا لنقض السيادة الباكستانية.

3. افشال مشروع الحشد الشعبي في مواجهة الارهاب من خلال خلق ضد نوعي وحشود شعبية موالية للخارج (أميركا وبعض الأنظمة الاقليمية الداعمة للارهاب) وبهدف اضعاف دور المرجعية وضربها باعتبارها من أهم نقاط القوة في المشروع الوطني العراقي.. وقد يستوجب الأمر من وجهة نظر أميركا تركيز الجهد الارهابي ضد قوات الحشد الشعبي وقواعده الجماهيرية، ولعل ذلك ما يبرر ارتفاع منسوب الأعمال الارهابية في المناطق الشيعية مؤخراً.

4. محاصرة الجمهورية الاسلامية من خلال اضعاف حلفاءها وزيادة اعداد القواعد العسكرية والمحطات الاستخبارية والفعاليات العسكرية بالقرب من حدودها، ومن خلال قطع خطوط الاتصال بين بلدان محور المقاومة.

وعلى اساس ما تقدم، سيكون الوضع في العراق شبيه بالوضع الباكستاني، بل وأسوء منه لضعف الحالة العراقية الرسمية، من خلال انتهاك السيادة العراقية بحجة الارهاب الذي تقول الولايات المتحدة ان القضاء عليه يتطلب ثلاث سنوات!
وقد يحتاج الى وقت اطول، كما احتاج مكافحة الارهاب في افغانستان الى تواجد عسكري استمر 14 عاما دون ان ينهي الارهاب الذي أصبح اليوم أقوى وأوسع انتشاراً عما كان عليه في 2001، بل صارت له دولة خلافة وأرض في قلب الشرق الاوسط وتجارة خارجية وأضحى مصدراً للبترول!
فما دامت أميركا تحتاج الى مبرر لشرعنة تواجدها العسكري سيكون الارهاب والتطرف هو الذي يوفر لها ذلك!