من بديهيات الامور التي يفهمها الجميع , ان الهدف من الترشيح الى عضوية مجلس النواب هو لتمثيل الشعب , وبموجب القياسات المعتمدة في بلدنا فان كل عضو لمجلس النواب يمثل ( 100) الف من السكان , واعتمادا على هذه القياسات يتم تحديد عدد اعضاء مجلس النواب ويتم اختيار الاعضاء من قبل الناخبين الذين يولون الثقة بالعضو لكي يمثلهم من خلال الانتخابات التي تجري مرة كل اربع سنوات , ويعني ذلك ان من يرشح لمجلس النواب ويصرف الاموال للدعاية الانتخابية ويطلق الوعود لجمهوره يجب ان يركز جهوده لخدمة بلده وناخبيه عندما يفوز , فهم من اوصلوه للمجلس وفضلوه على الاخرين ويعولون عليه في بلوغ تطلعاتهم والمحافظة على حقوقهم التي نص عليها الدستور والقوانين التي تنظم امور البلاد .
لقد أشر واقع الحال في الدورات البرلمانية الماضية سعي بعض الاعضاء للتخلي عن عضويتهم في مجلس النواب للحصول على مناصب في السلطة التنفيذية , وتفاقمت هذه الحالة في الدورة الثالثة لمجلس النواب التي تمتد للسنوات 2014 – 2018 فقد خرج عدد كبير من الاعضاء ليكونوا وزراء وبذلك تخلوا عن العضوية في مجلس النواب استنادا الى نص التسلسل ( سادسا ) من المادة 49 من الدستور التي تقول ( لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس النواب وأي عمل أو منصب رسمي آخر ) كما نصت على ذلك المادة 15 من النظام الداخلي لمجلس النواب التي ذكرت (يعد عضو المجلس الذي يصبح عضوا في مجلس الرئاسة او في مجلس الوزراء مستقيلا من عضوية المجلس ولا يتمتع بامتيازات العضوية ) .
وفي الوقت الذي يظهر فيه البعض تخوفات من انفلات هذه الحالات لتتحول الى ظاهرة بتحول اعضاء آخرين الى رؤوساء للهيئات المستقلة وربما القبول بمناصب أقل من وزارة فانهم يطرحون تسؤلات مشروعة مفادها اذا كان عضو مجلس النواب يسعى للحصول على منصب تنفيذي فلماذا يرشح لعضوية مجلس النواب ويهدر أصوات الناخبين وهم ليسوا مستقلين ؟ ولماذا يفضل البعض المواقع التنفيذية على العضوية في المجلس رغم ان :
– الامتيازات المادية من حيث الراتب والمخصصات والمعنوية من حيث المكانة الاجتماعية وغيرها في عضوية مجلس النواب هي أكثروافضل من المناصب التنفيذية .
– عضو مجلس النواب يتمتع بالحصانة التي نصت عليها المادة 63 من الدستور في الفقرات (أ,ب,ج ) من ( ثانيا ) والمادة 20 من النظام الداخلي لمجلس النواب .
– ألمهام التي يؤديها العضو في المجلس هي أسهل من المهام التنفيذية واقل مسؤولية من حيث التعرض للمحاسبة والضرر والمخاطرة كما ان لها فوائد لعموم الشعب .
– هناك امكانية للاستفادة من خبرات العضو وتخصصه من خلال عمله في رئاسة أو عضوية لجان المجلس البالغ عددها 24 والتي نصت عليها المادة 70 من النظام الداخلي للمجلس .
لقد شهدت الدورة الحالية لمجلس النواب خروج اعضاء لتولي مناصب تنفيذية رغم ثقلهم السياسي وما يشكلونه من دعم وقوة الى مجلس النواب وبشكل جعل البعض يرى بان السلطة التنفيذية باتت تضم صقورا , مما قد يوجد حالة من عدم التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية , فهم يعتقدون ان ذلك من شانه أن يضعف الدور الرقابي لمجلس النواب لأن في السلطة التنفيذية رؤوساء كتل واحزاب ومن المحرج استجوابهم ( مثلا ) من قبل اعضاء في كتلهم او احزابهم , ولا يتوقف الامر عند خروج الاعضاء من المجلس الى السلطة التنفيذية وانما بدخول الوزراء السابقين كأعضاء في مجلس النواب من خلال استبدالهم بالاعضاء الخارجين , فشروط الاستبدال بسيطة وتنحصر بشرطين وهما ان يكون مرشحا للانتخابات في الدورة الحالية وان يكون من نفس المحافظة ويتم ذلك من قبل رئيس الكتلة وبغض النظر عن عدد الاصوات التي حصل عليها في الانتخابات وهو ما قد يعني احيانا تكريم الفاشلين .
وقد تكون مسألة الخروج من مجلس النواب لتولي مناصب تنفيذية طبيعية عندما تكون بحدود حالتين أاو ثلاثة لتولي رئاسة الجمهورية او رئاسة الوزراء مثلا وهي حالة سائدة في معظم البرلمانات العالمية , ولكنها لا تبدو في حالتها الصحيحة والمرغوبة عندما يكون اكثر من نصف الذين يتولون المناصب الرئاسية والتنفيذية هم اعضاء من مجلس النواب , حيث ان ذلك من شانه ان يغير من تشكيلة وهيكلية مجلس النواب من جهة ويحرم الكفاءات الوطنية من التكنوقراط من فرص استلام المواقع التنفيذية , كما انه قد يؤدي الى حالة من الاحباط للناخبين بشكل يجعلهم يعزفون عن الاقتراع مستقبلا , اخذين بنظر الاعتبار ان اشغال المواقع التنفيذية لم يتم بالكامل على اساس التخصص والخبرات السابقة وانما استنادا الى الحصص في المواقع السيادية وغير السيادية بضوء توزيع النقاط لنتائج الانتخابات .
لقد كان الجمهور يأمل أن تكون المرحلة الحالية هي تطبيقا لهدف التغيير والتغيير يعني ترك الفرصة للكفاءات الوطنية لاشغال المواقع تحت مسمى وضع الشخص المناسب في المكان المناسب لخدمة العراق وهو يمر بمرحلة غاية في الصعوبة والتعقيد, ولكن واقع العملية السياسية هي التي حولت مجلس النواب الى بوابة للخروج الى الوزارات والعودة منها الى مجلس الوزراء , وفي جلسة امس (16/9) التي اخفقوا فيها العبادي في تمرير ثلاثة وزراء اثنين منهم للداخلية والدفاع , اعترض بعض الاعضاء في مجلس النواب على عدم تقديم السيرة الذاتية ( C.V) للوزراء المرشحين وعدم اتخاذ الاجراءات اللازمة للتحقق القانوني من صحة الترشيح , فأجاب السيد رئيس مجلس الوزراء بطريقة ترسل اشارات واضحة بفرض املاءات على تشكيل حكومته بقوله ( لا حاجة لهذا الاجراء لانهم جميعا اعضاء في مجلس النواب ) .
واذا كان ما يجري هو من ثمار التجربة الديمقراطية التي غرستها الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها بعد تحرير العراق من نظام صدام , فنسأل الله الستر بما ستأتينا به امريكا وتحالفها الدولي الجديد لتحرير العراق من الارهاب (من تجارب ) بعدما عقدوا العزم على تنفيذ ضربات جوية لتخليص العالم من الدواعش الذين يبلغ تعدادهم بحدود 30 الف خلال مدة غير قصيرة قد تمتد لسنين , رغم ان تحرير العراق الذي كان يضم جيشا تعداده أكثر من مليون وتنظيمات غير نظامية وفدائيين ورفاق عددهم لا يقل عن اربعة ملايين لم يستغرق سوى اسبوعين , فالتجربة بعد التحرير الثاني لم نعرف ملامحها بعد , لان كيري اثناء جولته في المنطقة لم يترك مجالا للتساؤلات عن التفاصيل فقد غمرنا بالامل من خلال تحقيق النصر حتى وان لم نعرف تداعياته فيما بعد.