كم هو رائع انتقاء الأشياء واصطفاء الجيد منها، والأروع ان يشمل هذا الانتقاء جنس الانسان من معيتنا، إن كان صديقا او شريكا أو زميل عمل او رأسا يترأسنا او مرؤوسا نترأسه، شريطة ان تكون وحدات القياس التي يتم على ضوئها الانتقاء موضوعية ومهنية، وتتناول اللب من الأساسيات وتترك القشور من توافه الأمور. ومما قيل في اختيار الأشخاص وانتقائهم ولاسيما القرين، قول الإمام علي عليه السلام:
واختر قرينك واصطفيه تفاخرا
إن القرين الى المقارن ينسب
تدور هذه الأيام في الأوساط السياسية وتحت قبب المجالس في عراقنا أمواج وتيارات، تعلو تارة وتشتد، وتخفت وتأخذ جانب السكينة والهدوء تارة أخرى، وقد تلاطمت منذ تشكيل الحكومة الحالية حتى اليوم أمواج زادت من ضبابية مستقبل البلاد، وما تلك الضبابية إلا وليدة التخبط في الانتقاء والاختيار. فالمهلة التي منحت الى رئيس الوزراء المكلف لتسمية وزراء حكومته كانت ثلاثين يوما كما نص عليها الدستور، وقد التزم بها الرجل خير التزام ووفى بتسمية أغلبهم قبيل نهايتها، بكثير من الصواب و-قليل- من الخطأ، ولكن..! بقيت -كالمعتاد- بعض الوزارات إثنان منها تعدان عصب الدولة المحافظ على سيادتها وأمنها وحدودها، وأخريات تسهم بإدارة مفاصل مهمة من البلاد، وشؤون شرائح كبيرة من المواطنين.
ومن يومها.. ووتيرة الصراع بين المرشحين تتصاعد، وتتصاعد معها طرديا تجاذبات الكتل والأحزاب، لتصل حد التسقيط والتشهير، وكشف -دفاتر عتيگة- للأعضاء والرؤساء فيما بينهم، وقطعا كل يروج لسلعته، والكل يطري على صاحبه المرشح ويثني على امتيازاته ومميزاته، ويمجد من تاريخه ويعظم من مواقفه، ويشيد بتاريخه المهني، فيما هو في حقيقة الأمر قد يكون (مايعرف الچك من البك). ولايفوت هؤلاء -الكتل والأحزاب- أن يسخّروا كل مامن شأنه التأثير على رئيس الوزراء المكلف، ووضعه أمام الأمر الواقع او تحت مطرقة المحاصصة، للموافقة على هذا المرشح او ذاك، من دون أخذ كفاءته وتاريخه المهني، او حتى اختصاصه بنظر الاعتبار.
أما الكتل الكردستانية فلها أسلوبها المختلف تماما بممارسة الضغوط، فهي تعرف من أين تؤكل الكتف، وتدرك جيدا مرمى الحجر، وهي كما يقول مثلنا (مبيتة المحبس).. فالـ (نفطات) تحت تصرفها، كما أن الاتفاقات معها والتي ألزمتها على اعتماد شركة سومو في تصدير النفط من الأراضي الكردستانية، لاتشكل قيدا والتزاما عليها. إذ بعودة الى تصريحات الجانب الكردستاني في نيسان المنصرم، لوجدناها تصرخ بالخط العريض لتقول نصا: “ان حكومة الاقليم توصلت الى قناعة تامة برفضها تصدير نفط الاقليم عبر شركة سومو لان الشركة من تأسيس نظام صدام حسين”. ولاتكتفي الكتل الكردستانية بهذه الضغوط.. فالمادة 140 من الدستور ورقة من أوراقها، والمناطق المتنازع عليها هي الأخرى ورقة ضغط، وحصة الـ 17% والمطالبة بزيادتها وسيلة ثالثة من وسائل الضغط، وقائمة الضغوطات تطول.
والحال ذاته لباقي الكتل والأحزاب.. فالكل يُخرج ما بجعبته من أوراق ضغط لينال بالنتيجة مبتغاه، وإن لم ينله فالطاولة جاهزة للقلب رأسا على عقب.
لهذه الأسباب نرى التقافز والتخبط باختيارات المرشحين، وتبديل بعضهم ببعض -محاصصاتيا وليس مهنيا- على قدم وساق.