17 نوفمبر، 2024 5:40 م
Search
Close this search box.

“داعش” في الزوايا الحرجة!

“داعش” في الزوايا الحرجة!

مثلما غمر الحماس تنظيم “داعش” الارهابي في العاشر من شهر حزيران-يونيو الماضي، حينما سيطر على مركز محافظة نينوى بطريقة مفاجئة ودرامكاتيكية لم يكن هو نفسه يتوقعها، فأن الاحباط والخذلان احاط به من كل جانب في الحادي والثلاثين من اب-اغسطس الماضي، حينما نحج ابناء ناحية امرلي وبدعم واسناد قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي من فك الحصار الداعشي عن مدينتهم بعد اكثر من شهرين ونصف.
ومثلما لم يتوقع “داعش” السيطرة على نينوى بوقت قياسي، فأنه لم يتوقع ان يمنى بهزيمة قاسية ومذلة في امرلي، بل على العكس من ذلك فأنه كان يعد سقوط تلك المدينة بقبضته المفتاح الرئيسي للسيطرة على مدن ومناطق اخرى، تتيح له ترجيح ميزان القوى لصالحه.

  وبعيدا عن التنظيرات التي يسوقها البعض، فأن المشهد ما  بعد الحادي والثلاثين من اب-اغسطس، راح يتبدل شيئا فشيئا، لاسيما على صعيد الميدان، فبدلا من التمدد اخذ تنظيم داعش ينحسر، وبدلا من الحديث عن مكاسب وانتصارات، بات الحديث الطاغي هو عن الهزائم والانكسارات.

   فبعد فك الحصار عن امرلي خرجت ناحية سليمان بيك من قبضة داعش هي الاخرى، وخرجت قبلها وبعدها قرى عديدة ضمن الرقعة الجغرافية لهاتين المدينتين من قبضة داعش ايضا، فضلا عن تطهير مدن ومناطق في محافظة الانبار من فلول ذلك التنظيم، وتفكيك الكثير من الخلايا الارهابية النائمة في مناطق حزام بغداد التي كان “داعش” يراهن عليها لخلط الاوراق وارباك الاوضاع في العاصمة. 

   ويشير واحد من ابرز القادة العسكريين الميدانيين الذين ساهموا بوضع خطة فك الحصار عن امرلي وتنفيذها، الى ان الرقم الاصعب في صنع ملحمة امرلي هم رجال الحشد الشعبي، الذين لولاهم لما تعرض “داعش” لاسوأ هزيمة منذ ثلاثة شهور.

   ويضيف ذلك القائد العسكري الميداني، قائلا “ان الواقع الذي فرضته الارادة القوية والتخطيط السليم، وصدق النوايا، افرز حقائق على الارض، تجلت مصاديقها في اكثر من مكان، وما اتساع نطاق التعاون والتنسيق بين قوات الجيش العراقي، وتشكيلات الحشد الشعبي، وقوات البيشمركة الكردية، وابناء العشائر، الا واحدا من مصاديق الحقائق الجديدة على الارض بعد 31 اغسطس.

   الشيء المهم في ملحمة امرلي هو ان الجيش العراق والحشد الشعبي استعادا زمام المبادرة من تنظيم داعش، وهذا يمثل نقطة مهمة وجوهرية في علم وفن المعارك والحروب، والذي يؤكده خبراء الاستراتيجيات العسكرية.

  ويؤكد باحث اميركي من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى مايكل نايتس “ان تنظيم داعش سيواجه صعوبات في الدفاع والسيطرة على مناطقه فيما إذا تعرض لهجوم من نقاط متعددة، أو إذا بدأ حلفاء التنظيم بالتخلي عنه”. ويرى نايتس في كتاب له تحت عنوان (الجندي الحارس)، “ان وتيرة الحرب ضد الدولة الإسلامية في العراق والمشرق العربي تتسارع، وسوف يتم ضبط سيطرة التنظيم بعنف”.

  وبالفعل فأن تلك الرؤية التي اكدها ساسة وعسكريون عراقيون مؤخرا، اخذت تتبلور اكثر فأكثر، وخصوصا بعد هزيمة تنظيم داعش في امرلي، اذ ان تلك الهزيمة هيأت الظروف والمناخات والارضيات النفسية المعنوية والمادية المناسبة لانتهاز الفرصة وفتح جبهات ضد داعش، هذا في الوقت الذي يواجه فيه المزيد من الضغوط من قوى مسلحة لها وجود بقدر معين في الميدان، ناهيك عن الرفض والاستياء الشعبي الواسع في نينوى من الممارسات الاستبدادية والقمعية للتنظيم، ويكمل كل ذلك تصاعد موجة المواقف الدولية الرافضة للتنظيم، تلك المواقف التي شهدت تحولا واضحا في اللهجة  والاسلوب، ولعل خطابات الرئيس الاميركي باراك اوباما، وعدد من قادة وزعماء الدول الكبرى في قمة حلف شمال ال اطلسي (الناتو) التي عقدت مؤخرا في ويلز، الى جانب مواقف وتوجهات منظمة الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي تؤشر الى بوادر وملامح متغيرات، حيث انتقلت المواقف منذ بضعة ايام من مرحلة الكلام والتنظير الى مبادرات وخطوات عملية، ربما شكلت الضربات الجوية الاميركية على مقرات واوكار لتنظيم داعش في شمال العراق احد مؤشراتها، فضلا عن المبادرات الانسانية لاغاثة النازحين، وان لم ترتق الى المستوى المطلوب، الذي يتناسب مع حجم ونطاق الكارثة.   
بيد ان المدخل الاساس لهزيمة داعش وطوي صفحته الى الابد، يرتبط بالمسار السياسي في العراق، فمتى ماكانت محدداته واتجاهاته صائبة وسليمة، فأن حلحلة حقيقية وحلولا جذرية ستطرأ على الملف الامني، والمسار السياسي هنا يتمحور اساسا في انجاز مهمة تشكيل الحكومة باليات وسياقات ومنهجيات وبرامج تختلف عن التجارب السابقة، تكون كفيلة بمعالجة المشاكل والازمات التي يغرق فيها العراق، مثلما اشارت المرجعية الدينية في النجف الاشرف مؤخرا على لسان معتمدها وخطيب جمعة كربلاء المقدسة السيد احمد الصافي. 

يخطأ من يتصور ان دخول الولايات المتحدة الاميركية على الخط، والتفاعل الدولي والاقليمي، وبناء تحالفات دولية سيفضي الى القضاء على تنظيم داعش بغياب الدور السياسي العراقي الوطني، وبغياب او تغييب الارادة الوطنية العراقية، وبتهميش الرقم الصعب في معادلة الصراع، الا وهو الشعب العراقي ايا كانت عناوينه ومسمياته والوانه.

فرق كبير بين من يقول ان العراقيين بحاجة الى مساعدة الاخرين لمواجهة خطر الارهاب الذي يداهمهم، وبين من يقول لا حل الا عبر بوابات واشنطن وحلفائها الدوليين واتباعها الاقليميين.

*[email protected]

أحدث المقالات