18 ديسمبر، 2024 7:37 م

ممارسات نقدية

ممارسات نقدية

لقد استهلكت العلاقة بين الشكل والمضمون في ما مضى الكثير من الجدل بين نقاد الأيديولوجيا الذين انتصروا للأفكار ونقاد الفن للفن.
في أغلب ما ينشر من كتابات نقدية أو شبه نقدية، هناك ظاهرتان أساسيتان تحكمان هذه الكتابات، أولهما هو اختزال قيمة العمل المدروس في ما يطرحه من موضوعات وأفكار، وثانيهما الكتابة التي تتداخل في خلفياتها المصلحة والعلاقات الشخصية والنفعية.

الكتابة الأولى تتسم بطابعها الأيديولوجي، وتقوم على الفصل بين الشكل والموضوع، حيث يتم اختزال قيمة العمل الأدبي في ما يطرحه من أفكار، ما يعد إساءة للقيمة الجمالية للعمل الأدبي والقائمة على تكامل بنيته شكلا ومضمونا. إن الفكرة مهما كانت عظيمة ومهما كانت الجرأة في طرحها ومقاربتها، لا يمكنها أن تمنح العمل قيمته الجمالية، ما يجعل الشكل مجرد تابع يستمد قيمته من حمولته الفكرية والدلالية، ما جعل البعض يهمل موضوع اللغة وجمالياتها وكأنها ليست الحامل ووسيلة التعبير المثلى عن هذه الأفكار.

لقد استهلكت العلاقة بين الشكل والمضمون في ما مضى الكثير من الجدل بين نقاد الأيديولوجيا الذين انتصروا للأفكار ونقاد الفن للفن، حيث ظل كل منهما ينتصر لأحد طرفي المعادلة، دون أن يستطيع أحد منهما المحافظة على قيمته التداولية في الحياة الأدبية والنقدية.

أما بالنسبة إلى المسألة الثانية فيكفي أن يكون كاتب أو شاعر ما مسؤولا عن صفحة ثقافية أو مجلة أو مؤسسة ثقافية حتى تجد العشرات من الدراسات التي تمتدح أدبه، وتستفيض في الحديث عن إبداعه المميز، لكنه ما أن يغيب عن هذا الموقع وتنتفي معه علاقة المصلحة حتى لا تجد أحدا ممن كانوا يسرفون في الكتابة عن القيمة الكبيرة لأدبه يتذكره أو يتناول عملا له مهما كان قيّما، وكأنه أصبح جزءا من ذاكرة النسيان.

في هذا السياق أيضا تشكل تاء التأنيث أداة جذب خاصة، تغري الكثيرين بالكتابة عنها، ولعل اللعبة الطريفة التي قام بها أحدهم مؤخرا عندما انتحل اسم أنثى ونشر مجموعة شعرية وضع عليها صورة أنثى جميلة، ما يكشف عن حالة التواطؤ هذه وضعف أصحاب هذه الكتابات أمام تأثير تاء التأنيث الطاغي عليهم، كما ظهر ذلك جليا في كتابات المديح التي انهالت على صاحبة/ صاحب هذا العمل لتفضح المستور في هذه العلاقة.

لا شك أن هذا الواقع يعكس حالة الفساد المستشرية في حياتنا الثقافية، وغياب حس المسؤولية واحترام الوظيفة التي يقوم بها الناقد أو الكاتب عند تناوله لأي عمل إبداعي . لذلك نجد أن ما يكتب عن أعمال المرأة الكاتبة بصورة خاصة، هو في الغالب من باب المديح والإطراء خاصة إذا كانت هذه الأعمال تقارب المسكوت عنه، وتتيح للقارئ التلصص على عالم المرأة والدخول في مجاهل المحرم الجنسي.
نقلا عن العرب