بين الرفض والقبول ،والذلة والهوان،والعزة والشموخ ،والرضى بالخضوع وتقبل واقع مرير مليء بالاستحقار والاستهانة،والتمرد على الذات وملذات الدنيا ونعيمها،ومحاسبة النفس قبل غيرها،وتسجيل موقف يخلده التاريخ نابع من صميم ارادة الانسان الذي فضل العذاب والقبول بمآسي لا يقبلها غيره،هوالحد الفاصل الذي تجلى مع وجود أبونا(ادم) ابو البشرية منذ وطأة قدمه على الارض ليعبرعن ذلك كله بكلمتين اثنين لا ثالث لهما وهما (نعم ،ولا) لتبدأ معهما قصة معاناة المصلحين المنقذين الذين لا يبحثون عن السلطة والجاه والشهرة والنجومية ،وانما هدفهم الاول والاخير،هو ايصال رسالة السماء للبشر جميعا والتي تقر بوحدانية الله وترفض منطق العبودية بشتى أشكاله ،وتحريرالناس من واقع المستبدين الذين يريدون ان يستعبدوا المجمتعات ويسرقوا احلامهم وامانيهم،هو ذالك نهجهم وخطهم وان اختلفت مسمياتهم والوانهم ،فهم يجتمعون بصفات مشتركة وعديدة وعلى مدار التاريخ وكأنها رسالة تصل من طاغي لآخر عبر مدى الزمن ،خسرادم ابنه هابيل الذي كان من المفترض ان يحمل النبوة من بعده قال بصريح العبارة لابنه قابيل انها ارادة الله ان يجعل اخوك هو النبي وحدث ماحدث في اول حادثة بتاريخ البشرية في الغدر والفساد ،وأي غدر هو غدر الأخ الذي من صلب النبي لأخيه ،والشواهد والادلة كثيرة فشيخ الانبياء ابراهيم عليه السلام رفض ان يستلسم للطاغية (نمرود) ورحل من موطنه تاركا وراؤه احزان والآم في مسيرة طريق لايعرف ماذا يحل به هو وزوجته سارة ،فكانت عناية الله اقوى من نمرود الذي لقى حتفه بحشرة صغيرة اهانة كبريائه وعنفوانه ولتعطي درساً بالغ الاثر ان الظالمين سيرحلون وسينتهي طغيانهم بغير رجعة ،واما من يؤيدون ويسددون من الباري فان طريقهم وسراطهم ونهجهم هو الاصلح لانهم تربية السماء التي يتأمل منها ابليس ان يدخل برحمة العلي القدير ،فموسى قال لفرعون زمانه (لا)والذي جعل اية وبرهان في صراع مرير بين المستضعفين وفرعون وحاشيته ،أراد اصلاحهم بطرق شتى رفضوا الإنصات لمنطق الحق وسماع قول الهداية ،فنجى موسى وانصاره ،وغرق فرعون ومن معه،فالتشابه هو نفسه والقضية هي ذاتها فلا فرق بين نمرود وفرعون وابا جهل وامية بن خلف وشيبة بن ربيعة وغيرهم من الذين حاربوا الرسول الاكرم واتهموه بالسحر والجنون،وكيف قدموا له إغراءات شتى حتى يقول لهم كلمة (نعم ) ساترك دين الله،وارجع
الى دينكم عبادة الاوثان ،قال (لا )وكلفته الكثير من تضحيات جسيمة فقد اضطر لترك موطنه مكة والهجرة للمدينة ليبدأ عهد جديد في بناء دولة ينطلق منها ليؤسس العدالة والمساواة التي أعدمت على اعتاب معذبي بلال وسمية بنت الخياط ام عمار بن ياسر،رفض كل المحاولات والتوافقات والحلول ،فحوصر اقتصادياً هو وأتباعه وكلفه الكثير وأشتدّ خلالها الخَطبُ على المسلمين، وراحوا يعانون من الجوع والأذى، ويأكلون نباتات الأرض، ولم يكن يصلهم من الطعام شيء، إلّا ما كان يسرّب سرّاً من بعض المتعاطفين معهم ،وحين اشتدّ العسر والأذى وصبر المسلمون، جاء الفرج وتدخّل النصر الإلهي، فأرسل الله حشرة الأُرضة على صحيفة المقاطعة فأكلتها، وهو يرى اعز الناس واحبهم الى قلبه رفيقة السراء والضراء التي قدمت كل اموالها تحت قدم الرسول (ص) زوجته خديجة ام المؤمنين بلا منازع مؤمنة بقضية الرسول ،غير مبالية بما اصابها من فقر وعوز بعد ان كانت أغنى امرأة بالجزيرة العربية توفيت،وبعدها عمه وحاميه ابا طالب (ع) وسنده الذي كان يذود عنه في احلك الظروف وسمي ذلك بعام الحزن لفراق الأحبة الطيبين ،وقدم اولاده في شعاب ابي طالب فداء له ولعل موقف الامام علي (ع) ومبيته بفراش النبي شاهد اثبات ،ولم يتزعزع موقفه وثباته في نصرة دين الله ولم يهادن اويساوم جورالمشركين وبعد العسر يسر دخل الرسول مكة وعاملهم بالحسنى وعفا عنهم برغم مافعلوه به لأنه نبي الرحمة ،فأين حراب القوم الذين صارعوه من التاريخ ؟ ظل الرسول نبراساً شامخاً وظلت دروسه وعبره تدوي في كل ارجاء المعمورة ،وذهب معارضيه وقساة زمانه لخانة التاريخ المظلمة ، كل ذلك لانه ظل متمسكاً ب(لا) ،وجاءت محنة الامام علي (ع) بعد وفاة الرسول واستمرت الى حين تولى خلافة المسلمين وحروب ومعارك هي (الجمل ،وصفين ،والنهروان ) وكابد الآم القوم الذين كان يذكرهم دائما انتم تقاتلون شخصا قال بحقه النبي (علي مع الحق والحق مع علي ) وهم يعرفون منزلته وما قدم للاسلام من تضحيات ومواقف في بدر، وأحد ،والخندق ،وخيبر وغيرها من الشدائد التي تثبت معادن الرجال ،قاوموه فكرياً ومادياً ،لم يفرق في عدالته بين ابيض واسود الجميع يقفون على مسافة واحدة عنده ،لم يقبلوا بتوزيعه من مال فهم يريدون اموالاً تختلف عن الاخرين وتميزهم في العطاء وهذا غير ممكن في خلافته ،ولعل قصة أخيه عقيل الفقير الكفيف الذي جاء يطلب منه مساعدة فأحمى له حديدة فقال المسها فحرقت يده فخاف عقيل من حرارتها ،فما كان الا ان قال له ما مضمونه أتخاف من حديدة احماها انسان للعبه ،وتريد مني ان لا أخاف من نار سجرها ربها
لغضبه،قتل الامام وخضبت شيبته في محراب الله وهو ساجد وراكع ويردد مقولته الشهيرة (فزت ورب الكعبة ) فاز الامام وفازت معه كلمة (لا) وبكل ماتحتويه الكلمة من عدم رضوخ وتهاون مع الباطل يقول الإمام علي عليه السلام (والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من ادهى الناس ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كفرة، ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة والله ما استغفل بالمكيدة ولا استغمزبالشديدة)،ثم واقعة كربلاء وما حل بآل المصطفى فيها ،وانتهاك حرمة الرسول بقتل الامام الحسين (ع) وكيف مثل بالجثث من اهله وانصاره بسبب رفضه لبيعة يزيد ويقول (مثلي لايبايع مثله) كان باستطاعة الحسين أن يوافق على بيعة يزيد ويقول له (نعم موافق ) ويجنب اهله تلك المأساة التي خلدها التاريخ الانساني بأسره وظل جبين الإنسانية خجلاً منها،فقال في واقعة الطف (اني لاارى الموت الاسعادة والحياة مع الظالمين الابرما ) وقوله(والله لا أعطينكم بيدي أعطاء الذليل ولا اقرلكم أقرار العبيد) انتهت المعركة وحمل رأس الحسين وأصحابه وسبيت حرمه ونساؤه ،وفوض امره لله ،فالنتيجة حسمت وانتصر ابا الأحرار،وانتصرت معه الحقيقة التي غيبها الطغاة والمستبدين بأنهم خوارج وخارجين عن القانون ،وتجسدت مضامين عديدة وسطر الزمان أروع ملحمة بان شخصاً يقدم نفسه ويرتضي بهذا المصير لانه يأبى ان يكون عبداً ذليلاً ، ولم تقتصر (النعم واللا )بمكون دون اخر،او دين او قومية ،فهي وثيقة الارتباط والصلة بحرية الإنسان وإنسانيته وكرامته فالكثير ممن رفضوا الانضواء،تحت عناوين الطغاة واشكالهم المختلفة ،فسقراط الفيلسوف اليوناني”قُدّمَ للمحاكمة وُوجهت إليه تهمة إفساد الشباب والإساءة إلى التقاليد الدينية. وكان سقراط يُلمحُ إلى أن الحكام يجب أن يكونوا من أولئك الرجال الذين يعرفون كيف يحكمون، ،كانت لديه الفرصة للهرب، حيث كان بإمكان تابعيه أن يقدموا رشوة لحراس السجن ،لكنه اختار البقاء ،لأنه كان يعتقد أن الهروب قد يشير إلى خوفه من الموت وهو الخوف الذي اعتقد بأنه لا وجود له لدى أي فيلسوف حقيقي ،تجرع سم الشوكران وقضى نحبه، والمهاتما غاندي صاحب نظرية (اللا) مقاومة اللاعنف السلمية التي قادها مع ملايين الهنود ليجبروا بريطانيا العظمى بترك بلادهم ،وروزة باركس التي قات (لا) لن اترك مقعدي في الحافلة لأنني امرأة سوداء ولون دمي كما تسمونه غير نقي ،وقلبت موازين الامور في امريكا واصبح للسود بعدها حق في التصويت والانتخاب،والزعيم الافريقي الاسطورة (نيلسون مانديلا ) رئيس جنوب افريقيا الذي نشر رسالة استطاع إرسالها للمجلس الإفريقي
القومي قال فيها: “إتحدوا! وجهزوا! وحاربوا! إذ ما بين سندان التحرك الشعبي، ومطرقة المقاومة المسلحة، سنسحق الفصل العنصري”.،رفض سياسة التمييز العنصري وسجن مدى الحياة ،وعُرض علىيه إطلاق السراح مقابل إعلان وقف المقاومة المسلحة، إلا أنه رفض العرض. وبقي في السجن حتى 1990 عندما أثمرت مثابرة المجلس الإفريقي القومي، والضغوطات عن إطلاق سراحه بأمر من رئيس الجمهورية فريدريك ويليام دى كليرك بعد ان قضى اكثر من (28)سنة في زنزانة السجن،ولنا في العراق ومضات مضيئة ومواقف مشرفة ضد النظام الفاشي البائد،من خلال شخصيات تستحق التعملق فهي عملاقة بما قدمته من مبادئ وقيم وعطاء دون المساومة على منصب أو مردود مادي رصيد حساب يوضع في سويسرا ،ابا جعفر(الشهيد الصدر الاول) فيلسوف العصر كما يسمونه وهو يستحق هذا اللقب بجدارة ،كان مصدر قلق وانزعاج لسلطة النظام التي لاتعرف معنى احترام العالم والراي الاخر وحرية التعبير كحق طبيعي للانسان ،فاصطدامه مع السلطة انذاك يعني رسالة لراس الحكم والتمرد على قراراته ،لقد رفض جميع الوساطات والمهادنات التي قدمها النظام ،واصدر الحزب ومجلس قيادة الثورة بيانه بأن البلد تخلص من خائن وحزب عميل اسمه (حزب الدعوة) ،وكان القدرهو من رد على بطشه فسقوط الصنم كان يوم 9/4،وهو اليوم الذي اعدم به الشهيد الصد،وتحول قبره الذي تم إخفاؤه لثلاث وعشرون سنة لمزار للرافضين لمنهج الفاسدين والعابثين بمقدرات الشعب ،ورحل الطاغية دون ان يكون له احترام وتقدير حتى من اقرب الناس اليه عشيرته ،تلك كانت مسيرة موجزة لرفضاً وقبول وتحديات تواجه الجميع بمن فيهم وانا الذي عزمت وصممت ان اصرخ بوجه كل المفسدين والسراق وقطاع الطرق ولصوص واقول لهم ستنقضي الدنيا والجميع سيرحل بخرقة بيضاء ويبقى العمل المؤثر المضيء في نفوس الاخرين ،والموقف المشرف الذي يفتخر به التاريخ ليرسم الطريق للأجيال القادمة،وسيظل خاسراً ابليس لانه لم يقل نعم لأمر الله ويسجد لآدم ويجنب ما حل به،فهو الوحيد الذي كان من المفترض ان لا يقول (لا)