23 نوفمبر، 2024 4:08 ص
Search
Close this search box.

إخفاقاتُ ألأمسِ؛ تَصنعُ ثوارَ ألمستقبلِ”

إخفاقاتُ ألأمسِ؛ تَصنعُ ثوارَ ألمستقبلِ”

بدايةُ  كلُ عامٍ دراسيٍّ جديد, وأنا أستقبل مجموعة جديدة من طلابي, ألحظ ألأجيال تزداد عني بعداً, كلما تقدمت ألسنون, فألتقارب ألفكري أصبح تباعداً فكرياً, ولغةُ ألحوار بيننا, باتت تحتاج إلى طرفٍ وسيطٍ ثالث, يترجم لنا ما بين ألسطور, فهل يا ترى هذا ألتباعد, بسبب فارق ألعمر ألمتناسب طرديا, بيني وبينهم, أم هو ألفارق ألبيئي وألأجتماعي, أم ألأنفتاح ألتكنولوجي, ألذي جعل ألطالب يفوقُ أُستاذهُ؟

(لا تربّوا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم) هذه ألمقولة ألتي أختزلت, كل قواعد وسلوكيات ألتربية, قالها أمير ألمؤمنين عليه ألسلام, قبل أكثر من 14 قرن, لا أعلم إن كان والداي قد سعيا لتطبيقها معي أم لا؟! فكثيرا ًما أشعر إن ألعالم غريب عني, وإنني أقرب ما أكون لأفكار وطباع والدي, مع إختلاف بسيط, هو إني لا أحيا في زمانهم؛ فقط!.

كنا نخترع ألعابنا بأنفسنا, ونصنعها بأيدينا, حتى إنني كنت أتصور,إن ألفضل في أكتشاف ألهاتف يعودُ لي, وليس ل(ألكسندر جراهام بيل), تربيّنا تلقيناً؛ على ألطاعة ألعمياء, وألجرأة ألخجولة, ففي ألبيت, ألأب هو ألحاكم, وهو الواجب طاعته, وفي ألمدرسة ألمعلم هو ألمطاع, وفي ألشارع ألأكبر سنآ واجب الاحترام, وكنا نمقت من يخرج عن قوانين ألطاعة هذه, وكأنه مجرم, لأن ألرفض وألعصيان, جريمة في نظر ألمجتمع.

هذا وأكثر؛ كان سبباً في تمادي ألظالمين بظلمهم, فألظالم لا يكون ظالم بالفطرة, بل ألشعوب هي من تصنع ألطغاة, وهذا ألإستسلام, كان جزءاً من تربيتنا, فتارةً بدا لنا إحترامٌ وأدب, وتارة أخرى طاعةُ ولاة ألأمر واجبة! غرسوها في أنفسنا, متصورين إننا سنحيا في زمان كزمانهم, حتى ساقنا أدبنا إلى ألمشّانق طائعين, وتحملنا كل أنواع ألتعذيب صابرين, وكأننا نُقر بذنبٍ لم نقترفه إلا تأدباً.

كلما أتتبعُ شريط ألتاريخ ألقريب, أرفض إعادة نفس خطأ أبي, مع أبنائي وتلاميذي, أو لعلهم هم من رفض تلك ألتقاليد وألأفكار, قبل أن تبلى, وأجد نفسي؛ أتربى على أيديهم من جديد, فهم في زمانٍ, غير ألزمان ألذي علمني أصول ألعلم وألتعامل, فأبسط مقارنة؛ إنني كنت أصنع هاتفي بيدي, من خيطٍ وعلبة آيس كريم فارغة! وتلميذي يلعبُ بمهارةٍ كل ألألعاب ألألكترونية, على جهازه ألآيباد.

صَغُر ألعالم كثيراً, وتحولت ألآف ألأميال بين ألقارات, إلى لحظاتٍ معدودة, ممكن أن ننتقل ونسافر في انحائه, من دون أن نتحرك من مكاننا, وصَغُر مجتمعنا, لتتسعَ إتصالاتنا ألألكترونية, وإنعدم ألمّربونَ من حياتنا, فلا أب ناصح, ولا أم مواسية, ولا جدُ أو جدة, بخبراتهم ألجاهزة, ألتي تُغنينا عن كثير من ألتجارب, وأُختُزلت أكبرُ ألعوائل, بحاسوب وإنترنت, ليترعرع أبنائنا وينشأوا, في كنف أي مجتمع شاؤا.
ومع كل ألسلبيات؛ إلا إني أراهم في قادم ألأيام شجعان, يرسمون مستقبلهم بأيديهم, متحررين أكثر من عصر ألتربية بألتلقين, وألتأديب بألعصي, وسيختصرون ألأزمان, فعذراً إفلاطون ((إن تكوين إنسان لا يتطلبُ خمسون سنة)), ليتجاوزا كل ألأخفاقات, ألتي وقعنا بها, كما آبائنا من قبل, فعندما لا نحسن فهم ألكيفية ألتي سيكون عليها ألمستقبل, فإننا لن نحسن؛ أن نعد أجيالاً قادرة على ألتفاعل, مع هذا ألمستقبل.

أحدث المقالات

أحدث المقالات