في زيارتي الأولى لبغداد التي قمت بها في عام2004 بعد عام واحد على الاحتلال الأمريكي وجدت بغداد آنذاك تعاني من كثرة الأنقاض التي خلفتها الحروب وكان هنا وهناك الكثير من الهياكل العمرانية ألمهشمه غير أن ألمدينه على الرغم من خلوها من ألقياده الحضرية العليا في ذلك الوقت كانت بغداد تبدو نظيفة نسبيا بيد أنه في زيارتي لبغداد هذا الصيف وجدت أن بغداد لم تعد كما كانت عليه شبه خربه حسب وإنما قد باتت للأسف الشديد مكبا للنفايات وبرك المياه الآسنة أن هذا لأمر محزن للغايه لذلك لا غرابه ألبته في أن برنامج أللأمم المتحدة للبيئة قد صنف بعدادنا درة
الأمصار قبل أيام قليلة كثامن أقذر مدينه في عالم اليوم.
سأشرع في كتابة مقالتي هذه باستعراض حالة المساحات الخضراء والمناطق المفتوحة في مدينة بغداد لأننا كنا في أمانة بغداد في الماضي أيام نظام صدام المقبور نسمي استعمال المناطق الخضراء في التصميم الأساسي بالمناطق أليتيمة فلم يكن هناك من يستطيع الذود عنها أمام النظام السابق الذي كان يقضم من تلك المناطق ما يشاء كلما أراد شراء الولاءات أو إثراء بطانته على حساب المال العام –للأسف فقد أطلق الاحتلال أيادي المافيات السياسية في أموال وأملاك العراقيين أيضا- والأمثلة على ما ذهبت إليه لأتعد ولا تحصى غير إن المناطق الخضراء وخصوصا ألقائمه منها
لم تعد اليوم يتيمة حسب وانما باتت يتيمة ومصابه بمرض الكنكرينه العضال.فخير ما تبقى من تلك المناطق الخضراء والبساتين كبستان الشابندر الممتد من ساحة عنتر حتى حي ألقاهره قد تحول جزءه القريب من حي القاهره بين يوم وليله وضحاها الى معرضا للسيارات وقد قطعت رؤوس النخيل في البستان الصغير الواقع في شارع المغرب والبساتين ألواقعه جنوب جسرا لصرافيه على جانبي شارع الإمام موسى الكاظم قد أضحت مخازن للمواد الانشائيه وما كان يسمى بحديقة 14 تموز في مدينة ألكاظميه ألمقدسه قد تحولت اليوم إلى مزبلة. الجزرات ألوسطيه في العديد من مناطق ألعاصمه بغداد
قد سيجت مزروعاتها المتواضعة جدا بأسيجه دميمة بل غاية في الدمامة والعياذ بالله غيران آخر ما يهدد الفضاءآت المفتوحة الحيوية لبيئة بغداد ألمقرره في التصميم الأساسي هذه الأيام هوأن ما تبقى من أرض مطار المثنى يخطط الآن لبناء مجلس للنواب ودور خدمه لسكن السادة أعضاء مجلس النواب فيه بغية تلافي خطأ تمليك النواب الجدد للمساكن كما حدث في السابق عندما ملك نواب الدورات النيابية ألسابقه الدور التي سكنوها بيد أنه غير مهم بالمرة كون ذلك التمليك قد كان غير قانوني فبموجب القوانين السائدة لا يملك من يمتلك دار أو قطعة سكنيه وكذلك من لا يملك دار
سكن أو قطعة أرض سكنيه يتم تمليكه لقطعة أرض سكنيه في مسقط رأسه مقابل سعر مخفض. إنما أسلفته في أعلاه لهو النزر اليسير مما آلت إليه الحدائق والبساتين في أكثر مناطق بغداد. في عين الوقت هناك اليوم أيضا التهديد المتأتي من آفة الاستثمار التي لا تتوقف عند المناطق الخضراء فنهم هؤلاء المستثمرون لا يتوقف عند التهام أرضي المناطق الخضراء والمفتوحة فقط وانما قد تعدى ذلك الى كل أنواع استعمالات الأرض ألمرسومه في التصميم الأساسي لبغداد من أجل إقامة مشاريع تجاريه لأتقدم ولا تأخر في تقدم عجلة الاقتصاد الوطني فالمعروف أن أكثر تلك المشاريع
ألاستثماريه هي مشاريع على الورق فقط أو هي لبناء مولات ستكون بكل تأكيد معارض للبضاعة الصينية التي لايمكن للإنتاج الوطني منافسة أسعارها الزهيدة بأي شكل من الأشكال.
حال شورا ع عاصمة العراق هي أيضا تدمي القلوب فلازالت غالبيتها الى يومنا هذا محطمه معا هي وأرصفتها وحيث يوجد بالصدفة ما يمكن أن يكون رصيف في أي شارع من شوارع بغداد فهو مستغل لعرض البضائع ألمستورده والملابس ألمستعمله (لنكات) و مطاعم من مختلف المستويات كما هي عليها ألحاله في شوارع الكر اده والمنصور. في شوارع بغداد ذات الستة ملايين مواطن عراقي الإشارات المرورية عاطلة وتغطيها النفايات والحفر والمياه ألآسنة في كل مكان وفيها أيضا يختلط ألسابله مع السيارات التي تضخمت أعدادها يوم بعد يوم. ثم من جراء ظاهرة استفحال البطالة والغلاء فقد
انتشرت سيارات التاكسي الصفراء الايرانيه والكورية والفرنسية المنشاء في كل أرجاء بغداد. طارق الطريق في شوارع بغداد لا يعرف متى سيصل إلى مقصده بسبب إلا عاقة المتكررة للمرور حيث نقاط التفتيش الأمنية. وأسل بالله هنا ألا يمكننا الاستفادة من تجربة المدن الأخرى التي عانت وتعاني من الإرهاب مثل تجربتي العاصمتين لندن وموسكو حيث حلت مسألة التهديدات الأرهابيه دون نقاط تفتيش مرئية تعيق انسيابية حركة الناس والأعمال. لمعالجة الاختناقات المرورية تقوم أمانة بغداد بتجسير قسم من التقاطعات دون مرجعية تخطيطية أو دراسة نقل أو حتى حسابات لحجم
المرور هذه ألحمله شملت بتجسير ساحة الجمهورية الواقعه شمال شارع الخلفاء حيث يجري تجسيرها على الرغم من عدم جواز ذلك لوقعها في مركز بغداد القديم وعلى امتداد موقع سور بغداد التاريخي.
التلوث البيئي بأنواعه قد استوطن في بغداد وشوارعها فهناك ألي جانب العواصف ألترابية التي تمطر ألمدينه بين فينه وأخرى بسبب إهمال تطوير الحزام الأخضر الذي من المفترض أن يقي بغداد وسأكنيها من الأتربة ويلطف أجوائها الحارة كذلك هناك حصة لا يستهان بها في التلويث من عوادم السيارات والمولدات وفرقعتها ولحزم أسلاك الكهرباء والهاتف المتشابكة بصوره عويصة للغايه والى لوحات الدعاية والإعلان المنتشرة على كل الواجهات عشوائيا وللعوارض والأسيجه الكونكريتيه التي أحالة مدينة الطابوق ذات اللون الأصفر الشاهب الى كتله سمنتيه ممجوجة تلوث البيئة
وتشوه البصر. والأمر الأشد غرابه في الشوارع البغدادية أنها خاوية تماما من وسائط النقل العام على الرغم من ضجة التطبيل والتزمير التي لا تتوقف عن بناء مترو ألأنفاق والقطارات ألمعلقه لحل أزمة النقل ألخانقه في بغداد.
دون شك بسبب أزمة السكن ألخانقه وغير المسبوقة في بغداد خاصة وفي العراق عامه لم تعود هناك أية قيمه للكثافات السكانية ألمعتمده في تصميم بغداد الأساسي أو حتى لقواعد ومتطلبات نظام الطرق والأبنية ففي أي منطقه سكنيه في بغداد يجري اليوم بناء أكثر من مسكن واحد على مساحة لأتزيد على 100 متر مربع فقط ما يجري في كل المناطق السكنيه لا تتوقف عواقبه على تشويه المشهد الحضري للأحياء السكنية حسب وإنما سيقود حتما إلى ضغوط متصاعدة ستؤدي عاجلا إلى شلل فيما تبقى حتى الآن في ألمدينه من مرافق وخدمات.كذلك فإن حرمة مناطق السكن قد غزتها بعشوائية مفرطة
المحلات التجاري والاستعمالات غير السكنيه فعلى سبيل المثال لا الحصر يجري في الوقت الحاضر إنشاء بنايه في منطقه سكنيه لحدا لآن قد وصل عدد طوابقها ألمشيده إلى سبعة طوابق وذلك بين الزقاقين 9 و11 /محله309/ حي القاهره يزعم البعض بأن تلك البناية تشيد لتأوي كليه طبية أهليه !!!!! سكان ألمنطقه التي يجري فيها البناء يدركون مدى انتشار الفساد في مؤسسات البلد لذلك لا يسألون عن كيفية منح ا جازه البناء وانما هم على أحر من الجمر لمعرفة من هو ذاك صاحب النفوذ والحظ مالك تلك الكلية الطبية الأهلية ليتباركوا به ؟
وفي عين الوقت الذي تعقد فيه أمانة بغداد ندوات للحفاظ على التراث المعماري والعمراني لبغداد وتتحدث فيه جريدة أمانة بغداد عن سعي ألأمانه للدعوة إلى عقد مؤتمر للمدن التاريخية القديمة في بغداد وتوقع ألأمانه عقود مبهم بملايين الدولارات لتطوير منطقة ألحضره ألكاظميه ألشريفه ولإحياء شارع الرشيد-لكليهما هناك العديد من الدراسات والتصاميم- في حين قد باتت محلات السكن في مركز بغداد ( مدينة بغداد التاريخية) مجرد منطقة خرائب تشبه إلى حدا كبير سكن عشوائيات الصفيح حول مدن العالم الثالث الكبيرة. وكما أنه من البديهي والطبيعي إن يكون هناك دورا
بارزا للمؤسسات الطائفية التي استحدثها الحاكم الأمريكي بر يمر في تخريب ارث بغداد و ثروتها الثقافية فالوقف السني قد هدم بناية عادله خاتون التاريخية في شارع النهر. اما مدير عام الوقف الشيعي فيعلن بدوره وعلى رؤوس الأشهاد في بث تلفزيوني مباشرة وبحضور رئيس الوزراء أن مباني بغداد التاريخية والتراثية هي مجرد خرائب ( هذه هي هوية الأمه الثقافية عند هؤلاء) وعندما تساءل رئيس الوزراء بكلمة واحده “واليونسكو” حينها أشار مدير عام الوقف الشيعي بيده بمعنى أن اليونسكو لاتهمه.واليونسكو أيها السيد المدير العام المهندس هي المؤسسة الثقافية
الأممية ألمدافعه عن الآثار الاسلاميه في مدينة القدس الشريف أمام الهجمة الصهيونية/ الأم برياليه على مقدستنا ألدينيه.
والسؤال الكبير الذي يدور في العلن في أوساط العراقيين في كل مكان في الداخل والخارج هو لماذا لم تنحسر إلى يومنا هذا عمليات التخريب ألمتعمده وغير ألمتعمده لبغداد ولتاريخها ولهويتها الثقافية ألوطنيه ؟ ولماذا يسمح بهذا الاختراق الفج لتاريخ ألأمه ووجدانها ؟ هناك العديد من الإجابات والأسباب التي تديم تلك العمليات الهدامة والتي يمكن إيجازها فيما يلي:
1, 0-ألدكتاتوريه ألصداميه الدموية وحروبها الهوجاء ثم جريمة الحصار الدولي النكراء والاحتلال الأجنبي الغاشم وكفر الإرهاب التكفيري الذي استمرئ الدماء الزكيه وانتهك الأعراض والحرمات كل ذلك دفع إلى خارج البلاد العقول العراقية ألنيره ألمبدعه وهجر رأس المال الوطني.
2, 0- عدم أنجاز هياكل سياسية واقتصاديه واجتماعيه فعاله للدولة العراقية الجديدة بعد أن ففكك الاحتلال مؤسسات ألدوله العراقية ألسابقه.
3, 0- القصور في جهاز الاداره الحضرية لأمانة بغداد عن الاضطلاع بمهمة إدارة عجلة تطوير وتقدم بغداد الحضاري وذلك;
3, 1 – المخططون من أصحاب الاختصاص الذين لازالوا يعملون في أمانه بغداد والذين نالوا تدريبا جيدا أثناء عملهم في مشروع التخطيط الإنمائي المتكامل مع فريق الاستشاري الياباني قد تم إبعادهم من قسم التخطيط الحضري في أمانة بغداد إلى البلديات والى إسالة الماء والى أماكن أخرى دون وجود ما يبرر ذلك ألبته ورغم شديد ألحاجه إليهم في أدراة ألعمليه التخطيطية.
3, 2 – دائرة تصاميم أمانة بغداد مناطه بأشخاص ليس لهم علاقة أطلاقا بالعمل المعماري والهندسي ولا يحملون شهادات هندسية تأهلهم القيام بإعداد أي شكل من أشكال التصاميم. وفي نفس الوقت هم لا يقيمون وزن للمهندسين ولا للتصميم الأساسي وانما يجهدون في ترويج مشاريع تتعارض مع استعمالات الأرض دون السماح للمهندس لبيان رأيه في اختيار الموقع المقترح البناء عليه وذلك بطريقه خارجه عن أسلوب التعامل المهني إذ يأمر المهندس بالنظر في التصميم فقط باعتبار أن تسقيط موقع المنشأ المقترح محسوم مسبقا.. من هو الذي قام بحسم ذلك الموقع ؟ وعند اعتراض
المهندس على مثل هذا التصرف كما تقتضيه مهنيته يطلب منه دون تردد تقديم استقالته.
3,3- في اجتماعات ألأمانه التي تقام لمناقشة التصاميم وحتى عندما يحضرها الأمين شخصيا يمنع قدماء المهندسين ذوي ألخبره من أبداء رأيهم في التصاميم ألمطروحة للمناقشة.
3, 4– لجنة تحليل العروض ( العطاء آت) في أمانة بغداد التي يجب أن تتألف بالكامل من الاختصاصات الهندسية لا يشارك فيها سوى مهندس واحد فقط إلى جانب ممثليين لدوائر ألأمانه الأخرى ممن ليس لها لانا قه ولا جمل في الاختصاصات الهندسية.
3, 4, 1- عند تحليل المشاريع خلافا للقواعد ألمتبعه في شروط مقاولات الهندسة ألمدنيه العراقية يعطى للسعر المقدم 10 درجات وتعطى لمدة الإنجاز 30 درجه وتجدر الأشاره هنا إلى أن سعر تنفيذ ألمقاوله يتناسب عكسيا مع مدة التنفيذ. كذلك فأن شروط التنفيذ للمقاولات يبين بصراحة عدم التزام رب العمل بقبول أوطئ العطاء آت.
3, 5- يقوم رب العمل (أمانة بغداد) باستبعاد تقديمات العروض التي فيها تحفظات تخص العطاء المشارك في التقديم لنيل ألمقاوله.
3, 6- ينص قانون التصميم الأساسي لمدينة بغداد رقم (156) لسنة 1971 ألماده ألثالثه-1 – منه على مايلي: “تؤلف بمرسوم جمهوري بناءا على اقتراح المجلس – المقصود مجلس ألأمانه أو مجلس بغداد البلدي في الوقت الحاضر- لجنه عليا تدعى اللجنة العليا للتصميم الأساسي وتعرف في هذا القانون ب (اللجنة العليا)”
3, 6, 1 -اللجنة العليا ألقائمه اليوم عملها هو ألمصادقه على رغبات إدارة ألأمانه فقط. غير أنني أذهب إلى أبعد من ذلك وأتساءل بصراحة هل تمت الاجراءآت ألقانونيه اللأزمه في تسمية أعضاء اللجنة العليا في دولة العراق الجديدة ؟
3, 7- هل هناك حل يا ترى لما عليه بغداد اليوم ؟
3, 7, 1 -بكل تأكيد ليس هناك عقده لايمكن حلها فحاجة بغداد إلى استحداث نقله نوعيه في بناها الفوقية والتحتيه (الارتكازيه) مستعجلة للغايه مما يتطلب بناء أداره حضريه كفوءه وفعاله من خلال تطوير الجهاز التخطيطي والتصميمي لأمانة بغداد وذلك عن طريق رفد أقسام التخطيط والتصميم بالتخصصات من مخططي مدن ومهندسين معماريين ومدنيين والاختصاصات ألفنيه ألسانده الأخرى.
3, 7, 2- التوجه لتخطيط تطوير ألعاصمه بغداد في إطار خطة التنمية ألوطنيه.
3, 7, 3- أن أزمات بغداد هي غاية في التعقيد لذلك فأن إيجاد الحل الناجع يتم فقط عن طريق إيجاد بدائل مكانيه لنمو ألعاصمه سكانيا وفضائيا حول بغداد وعلى النطاق القطري و يتصدر تلك البدائل ألمكانيه الشروع دون إبطاء في تطوير منطقة بغداد الكبرى.
3, 8, 4- على الحكومة العراقية وعلى مجلس وزرائها وعلى رأسه السيد رئيس الوزراء بذل جهود استثنائية مكثفه لمعالجة مشاكل بغداد المتفاقمة وذلك لتوفير حياة كريمه وآمنه للناس.