الإرهاب من المفاهيم السياسية أو حتى القانونية التي لم يتفق على تحديد مفهومم له , لهذا لم يُعَّرف تعريفا عاما , فدول العدوان تعده دفاعا عن النفس والدول المبتلية به تعده إعتداء على وجودها . جاء في قاموس أكسفورد : الإرهاب هو العنف والتخويف بصفة خاصة لتحقيق أغراض سياسية , في حين جاء في المؤتمر الأول لتوحيد القانون الجنائي في وارسو 1930 المقصود به إشاعة الرعب . وعلى الإجمال هو عمل عنفي إيديولوجي مرتبط بأهداف سياسية . ويعرفه القاموس العربي لغويا : رهب رهبا , أي خاف وفزع .
على العموم أغلب دول العالم إن لم نقل كلها تمارسه إنتاجا وتصديرا وربما تستورده أيضا , حتى صار له سوق وشركات منتجة وخبراء تنتج قرائحهم كل حين أفكار جديدة, ووجد له شكلا قانونيا تحت مظلات شركات الحماية التي تضم خبراء وعسكرين وعلماء وتتنافس الدول للتعاقد معهم كذلك الأشخاص ليس على المستوى السياسي بل على مستوى الأهمية كالمغنين والمطربين والممثلين , حتى بائعات الهوى العالميات , فهم حماية من الناحية القانونية والشكلية ولكنهم حاضرون لإنهاء المنافسين أو غير المرغوب بهم .
لقد إزدادت خطورته عندما وظف دينيا لإقصاء الآخر, دينا أو طائفة وقد شهد العالم العربي والعالم الغربي ولادة الكثير من الحركات ذات التوجه الديني المبطن إرهابيا , ولعل أول نموذج له عندما إنشق الخوارج على خلافة الإمام علي بن ابي طالب “عليه السلام ” بعد معركة صفين وسرعان ما صارلهم كيان متطرف قاس جدا , فكانوا يذبحون المسلمين سواء كانوا على نهج الإمام علي أو نهج معاوية , بل إمتدت أيديهم لكل مسلم , الفئة الوحيدة التي لم تمتد أيديهم لها النصارى , لماذا لا أحد يعرف السر . ومن هذه المجموعة التي أمتد سلطانها لأغلب مناطق الجزيرة العربية وبلاد
فارس ولدت حركات وتيارات متعدده لكنها أكثر دموية وتفنن في القتل والبطش وعدم التسامح مع الآخر , وتلتها بعد ذلك حركة الحشاشين وهم طائفة إسماعيلية نزارية , وقد عرفهم العرب بالحشاشين لتعاطيهم الحشيشة في سهول فارس عندما جعلوا عاصمتهم قلعةالموت من القرن الخامس الهجري إلى السابع ما يقابل القرن الحادي عشر الميلادي . أما في الغرب فعرفوهم Assassin بمعنى القتل المحترف المأجور, إستنادا للقاعدة المعتمدة في تفكيرهم وسلوكهم ” لا حقيقة في الوجود وكل أمر مباح ” أثناء ذلك كانت هناك ولادة لمذهب إبن تيميه الذي أعتمد هو الآخر مبدأ التكفير لكل
المسلمين غير التابعين لتوجهه ولهذا لم يجد تقبلا من لدن المذاهب الأخرى ولا حتى من المسلمين عامة لفقده روح التسامح والمحبة والألفة , إلى أن جاء محمد بن عبد الوهاب فغير الدين بإتجاه التكفير المطلق وأستغل حاجة بريطانيا لشخص يقف بوجه العثمانين فكان له ما أراد , فهو صناعة بريطانية . تصور أنه على وفاق مع الإنكليز وعداوة مع المسلمين من غير مذهبه .
حتى إذا نجح الإتحاد السوفيتي في تفجير ثورة شيوعية في أفغانستان وتلك منطقة لا يمكن لأمريكا والغرب السكوت عنها بحكم الموقع والثروات الطبيعية وقربها لإيران وباكستان إستوردت أمريكا القاعدة هناك من أجل إسقاط السوفيت . ومن ذلك التواجد والهيبة والدعم الدولي لها صار الإسلام في دول الخليج خاصة مع التطرف , ولإن التطرف ينتج تطرفا أقوى إنشق عن القاعدة ما يعرف اليوم بالنصرة وداعش وغيرها كثير , حركات تدعي الإسلام لكنها تهدم به بما تقر ر من مباديء وأسس لا يعرفها الإسلام الطبيعي .
ولقد كان لجماعة الإخوان المسلمين أثر في حركة الشارع العربي فالحركة هي الإخرى نهجت نفس الطريق الوهابي بإتجاه الخصوم. والخصوم هم مسلمون في كل الأحوال .
خلاصة مقتضبة أن تحول الإسلام من النهج الديني السمح إلى النهج المتطرف صار به إقصاء للآخر ولكن بطريقة الذبح مع تلاوة الشهادة وكأنه يذبح خروفا لإمه في يوم ذكرى وفاتها , وفي الحيز الشيعي ولد في العراق الحزب الفاطمي في نهاية عام 1957 م بتوجه ايراني بريطاني كرد فعل للتيار القومي الذي شغل الساحة السياسية ذلك الوقت وتحول بعدئذ لحزب الدعوة , وكما إحتوت السعودية التطرف السني إحتوت ايران التطرف الشيعي خاصة بعد نجاح الثورة الايرانية , لذلك نجد ان حزب الدعوة غير توجهه من التوافق مع السنة وحركة الاخوان المسلمين وحزب التحرير الى التشدد في
المواقف الفقهية والتحول نحو عسكرة الحزب وقد اججت الحرب مع العراق زيادة فعالية التنظيمات الطائفية وكان للإحتلال الأمريكي للعراق اليد الطولى في توسيع دائرة الإسلام المسيس مدعوما من مليشيات غاية في الكفر ومصادرة الرأي المضاد , مليشيات مسلحة بأسماء آل الرسول أكثر دموية من غيرها , لأن الإرهاب صناعة تولد في المجتمعات المتخلفة كما في المجتمعات الراقية , إذا كانت في الأولى نتيجة التخلف ففي الثانية التعصب الأعمى وهكذا تولد وتصدر وتستورد .