18 ديسمبر، 2024 10:19 م

البارزاني و بعد النظر

البارزاني و بعد النظر

ان قناعات البارزاني من ان القوى الكبرى هي التي تقرر مصير الاحداث الى حد ما قد لازمته منذ حمله السلاح دفاعاً عن حقوق الكورد و استناداً الى هذه القناعة كان يهدف الى جلب انظار العالم و عطفه على قضية شعبه العادلة ((لقد تحمل الشعب كثيراً من المشاق و المأسى و ليس هناك من يقف الى جانبنا و يساعدنا في محنتنا )) .

و في الحقيقة انه كان يحلم في تدخل هيئة الامم المتحدة ((نرجو مساعدتنا على ايصال شكوانا الى منظمة الامم المتحدة و استنكاراً لسياسة القمع التي تمارسها بحق الشعب الكوردي اربع حكومات هي : تركيا و ايران و العراق و سوريا لتمزيق القناع عن وجوه هذه الحكومات و نظهر للعالم اجمع مأساة شعبنا الكوردي التي لاتعادلها مأساة و لا يتحملها أي شعب …)) .

و على الرغم من الجهود التي بذلها مصطفى البارزاني من اجل كسب هيئة الامم المتحدة فانها لم تثمر شيئاً لانه لم يكن للكورد حليف قوي فيها يساندهم عند عرض القضية الكوردية في اجتماعاتها .

و ان من سمات بعد نظر البارزاني هو اعتقاده بانه من الصعب احراز أي نصر بمعزل عن الولايات المتحدة الامريكية و الاتحاد السوفيتي (السابق) و صرح مرة قائلاً ((ان آلافاً قتلوا في كوردستان و هناك الاف ينتظرون المصير نفسه ان لم تفعل هيئة الامم المتحدة شيئاً)) و قال (اني اسأل العون من كل انسان يؤمن بالعدل) و من هذا المنطق وافق البارزاني على وقف اطلاق النار في (8 شباط 1963 و 10 شباط 1964) و وافق على التفاوض تحقيقاً لرغبة اقوى دولة في العالم و هي الولايات المتحدة الامريكية التي عرضت انها ستنظر بعين العطف الى القضية الكوردية و تأسيساً على هذا العرض طالب ان تكون مفاوضات شباط 1964 امام سفراء كل من الاتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة و الجمهورية العربية المتحدة (مصر) و حتى يكون الكلام امامهم على حد تعبيره .

و من الامثلة التي تدل على بعد نظر البارزاني , فبعد استيلاء البعث على السلطة في (17 تموز 1968) و اضطراره الى التفاوض اراد اختبار عقل البارزاني و كان ظنهم انه لايخرج من اطار رجل جبلي عشائري صعب المراس لا يعرف غير لغة السلاح و تأكيداً على مدى جهل القادة العراقيين برجاحة عقل البارزاني .

قال محافظ اربيل (خالد عبدالحليم جاسم 1969 – 1970 في يوم 9 اذار) أي قبل اعلان اتفاقية (11 اذار 1970) عندما ذهبت الى (ملا مصطفى البارزاني) في حاج عمران قدمت له هدية عبارة عن نسخة من المصحف الشريف و رشاشة زودني بها حزب البعث و قلت له اختر واحدة منهما و كان القصد واحد من تلك الهديتين فاختار البارزاني الاثنين معاً .

لقد تعامل البارزاني مع الهديتين تعامل المفكر الواعي فجنح للسلم اذا ما ارادوا و ذلك فانه اختار القرآن الكريم و به اثبت انه رجل السلام و المحبة و التأخي و اختار في ذات الوقت الرشاشة اذا لم يحتكموا الى السلام رداً عليهم بلغة اخرى مختلفة .

و من المناسب ان نذكر هنا ان البارزاني رد على محاولة اغتياله في (29 ايلول 1971) بعبارات تنبؤية قائلاً (العراق دولة بوليسية يحكمها صدام الذي لديه جنون العظمة و الطموح الفائض الى السلطة لقد ازاح حردان التكريتي و صالح مهدي عماش و

حاول ازاحتي و سيعزل البكر (احمد حسن البكر رئيس الجمهورية) . و هذا ما حصل فعلاً فيما بعد أي ان قراءة البارزاني لنمط حكم صدام كان دقيقاً و صائباً و من الحوادث الطريفة و التي تدل على بعد نظر البارزاني ففي عام (1970) زار البارزاني الخالد وفد حكومي رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس الجمهورية و كان معهم احد الوزراء احبّ ان يجلس بجانب البارزاني , عندما قُدم الطعام الكوردي المحلي مثل (ترخينة او كةنمة كوتاو) اقترب البارزاني من الوزير و قال له اذا كنت لاتشتهي هذه الاكلات لدينا غيرها … و كان صدام حسين (نائب رئيس الجمهورية و رئيس الوفد) جالس في الجبهة الاخرى , يراقب هذا الموقف و يصغي للكلام عن كثب دون ان يعرف جلية ماكان يجري بينهما و بعد ذلك قال السيد (محمد عزيز) الذي كان هناك للبارزاني الخالد ماذا قلت له قال له البارزاني تسببت في طرده و بعد ذلك بعدة ايام صدر مرسوم جمهوري باعفاء الوزير المذكور من منصبه .