18 ديسمبر، 2024 9:01 م

صمت العالم عن مجزرة الآثار العراقية

صمت العالم عن مجزرة الآثار العراقية

مطلع القرن الحالي صحا العالم على هول انفجارت هائلة في ارض منسية، ساهم العالم كلهُ بصناعة تطرفها وتوحشها، حيث افاق العالم بأسره منذهلاً بعدَ إقدام جماعات أصولية بربرية على تفجير جزء من التراث الانساني في افغانستان عبر تهديم تمثايل بوذا، حينها أعادت حركة طالبان للذاكرة العالمية والاسلامية بالخصوص، احداثاً مشابهةً مطلع القرن العشرين ايضاً، باقدام جماعات مشابهة فكرياً لطالبان بهدم جزء من التراث الاسلامي بارض نجد والحجاز مع الفارق طبعاً، لكن المبدأ هو ذاته في كلا الحالتين.

لكن العالم المتكاسل، او المتواطئ ـ لا اعلم! ـ غض النظر عن هذه الجريمة وقبلها عن تلك، فيما بدا انه مشغول بادارة صراعات اكثر اهمية من التصدي لجماعات مجهولة تقطن الجبال والمرتفعات بأرض نائية، تعيش عقلية القرون الوسطى او حتى ما قبلها, لكن بوصلة التحسس كانت ولا تزال معطلة لدى هذا العالم المتحضر، عن خطر هذه الجماعات على الانسانية كلها، لا تراثها فحسب.

لم تثر افعال طالبان الارهابية في افغانستان حينها غضب العالم المتحضر، ولا غيرته على جزء اصيل من الذاكرة الانسانية، التي كان يتغنى بها، ويتشدق خلف شعارات حمايتها وادارة تنوعها، اللهم سوى بعض المنظمات الثقافية العالمية، التي ندتت بالجريمة، ودعت لمحاسبة مرتكبيها، ومضى الحدث الى رفوف الذاكرة، ليس الا، ليسجل ضمن قوائم ذكريات الانسان المؤلمة.

بعد عام واحد من هذه الجريمة، اقدمت طالبان هذه المرة على انتهاك آخر للانسان، متذرعة بمحاربة الامبريالية العالمية، لتضرب ابراج التجارة في الولايات المتحدة، التي ادركت حينها ان وحش التطرف الارهابي الممول خليجياً لا يكتفي بقضم مناطق نائية من العالم الثالث المنسي، والمتروك نهباً للصراعات القبلية والدينية، بل يمد ما استطاع اذرعه الاخطبوطية ليطال العالم المتمدن، ويضرب معاقل التحرر، ليفرض ايدلوجيا الخراب التي يظن انها نابعة من تعاليم الاديان السماوية، لا سيما الاسلام، وليدير معاركه بشكل مباشر مع الغرب هذه المرة.

ردت الولايات المتحدة وحلفاؤها على طالبان، وحدث ما حدث، والكل منا عايش تلك التطورات المتداعية، لكن العالم يبدو انه ينسى، او يتناسى أن التطرف الاسلامي لا زال ينمو ويتكاثر بعيداً عن الاضواء، تمده دويلات النفط وامارات الغاز العربي للأسف الشديد.

وما ترك العالم الحر للعراق وحيداً في مواجهة هذه الجماعات التكفيرية الارهابية الا دليل اخر على عجزه وضعفه على أخذ الموقع والموقف الصحيح في مواجهة التطرف، والانحياز للموقف الانساني على حساب المصالح، لكن هذا العالم يتعامل بمنطق الربح والخسارة، ففيما كان العراق يخوض الصراع ضد تنظيمات “داعش” الارهابية، كان العالم وبضغوط خليجية، يمد هذه الجماعات بشكل او بأخر بعناصر قوة في سوريا، بدوافع نفعية بحتة، غاضاً البصر عن نمو وتغول جماعات الارهاب التي كشرت عن انيابها في سوريا عبر هدمها وتخريبها للتراث السوري الذي يعد جزء اصيل من ذاكرة العالم.

صمَ العالم آذانه عن نداءات العراقِ، ومطالباته بوقف مد هذه الجماعات بالمال والسلاح، لما تشكله من خطر محدق على الانسان في كل الارض، لا في سوريا والعراق فحسب، لكن الغرب عودنا على ان يدوس على كل قيمه التي يدعيها، ويتخلى عن شعاراتهِ الرنانة، اذا ما تطلبت مصالحه ذلك.

وسرعان ما استغلت هذه الجماعات الارهابية الانقسام السياسي في العراق، ووجود بعض الحواضن المتطرفة لها في البلاد، وغياب الدعم العالمي الفعلي للعراق وهو يخوض صراعاً دامياً معها منذ عقد، لتتسلل عبر حدود طويلة بين العراق وسوريا، فتحتها ايادي المتآمرين على وحدة العراق، وبعض المتخاذلين، لتبسط نفوذها على الموصل، المدينة الاكثر غناً في العراق من حيث التنوع الثقافي والديني والقومي، في مشهد ذكر العالم بتلك الصور التي بُثت حين سيطرت طالبان على افغانستان، واقامة امارة التطرف الوهابية فيها، وها هو البطء العالمي في مساندة العراق ودعمه، يسمح لطالبان أخرى ان تعتدي على التراث الانساني مجدداً عبر تفجيرها لأكثر من 12 موقعاً تراثياً عالمياً، والقائمة مفتوحة على ما يبدو لهذه الجماعة المجرمة إن طال آمد سطوتها وسيطرتها على الموصل لا سامح الله.

ان سكوت العالم عن كارثة تفجير المراقد الدينية في الموصل من قبل عصابات داعش، ومن قبل سكوته عن ارتكابها الفظائع البشعة بحق الناس هناك، قتلاً وتهجيراً وانتهاكاً للحرمات، سيعطي ضوءاً آخر لهذه الحركة لترتكب فظائع اخرى ضد العالم بأسره، ولن تتوقف عن حدود الموصل، لأنها جماعات لا تؤمن بالحداثة، ولا التطور، ولا تحترم التنوع الانساني، وترفض منطق العصر.

العالم بأسره مطالب أن يقف مع العراق لخوض معركة القيم الانسانية التي تحققت عبر مخاضات تاريخية عسيرة، ضد جماعات قابعة خلف تراث مشوه، وفكر منحرف، تحاول ان تعيد الظلام سيداً للكون، بعد ان فتح الانسان مغاليق النور بقوة المعرفة، وببصيرة الايمان المُدرك لضرورة التنوع الانساني كمدخل الى تعايش سلمي.