18 نوفمبر، 2024 12:35 ص
Search
Close this search box.

مليشيات.. ثأرنا وثأرهم

مليشيات.. ثأرنا وثأرهم

الكثير من الدول في العالم لديها مليشيات سواء اكانت بغطاء رسمي او لا وموجودة حتى في الدول التي تعتبر دول متقدمة، لكن الغالب والفارق عن العراق انها (مليشيات تلك الدول) قائمة او منضبطة تحت قانون. إلّا في العراق فلا يحدّها حد ولا يلزمها قانون لادولي ولا ديني ولا اجتماعي. كما لايوجد دولة في العالم تضم هذا العدد من المليشيات كـ اعدادها التي في العراق حتى اصبحت سمة ملازمة أتّصفت به دولة العراق الحديث. رغم ان مصطلح (المليشيا) أُبتكِر في العصر الحديث يُطلق على الجماعات المسلحة بصورة عامة، إلا ان المليشيا والعمل المليشياوي له جذور ضربت عروقها عبر التأريخ، وبصرف النظر عن حجم الميليشيات واسمائها وتصنيفها ومرجعيتها وأجنداتها السياسية او الطائفية، وأساليب العنف التي تستخدمها، ومدى مشروعية وجودها القانوني في الساحة السياسية، أو حجم التعاطف الشعبي والمذهبي معها في الشارع العراقي، فإنها تشكل مأزقاً كبيراً للحكومة العراقية والدولة ومؤسساتها ولأي مشروع سياسي وطني يمكن أن ينهض بالوطن العراقي من حالة الخراب الى حالة البناء. وبرغم كل الدعوات التي إطلقتها اصوات عراقية حرّة في السابق لمعالجة هذه الظاهرة المتفشيّة الدخيلة على المجتمع العراقي، إلا أن الواقع الفعلي يسير بعكس ذلك، بل أن العديد من الأحزاب والكتل السياسية المتنفّذة وجهات وواجهات دينية واجتماعية كبيرة سعت وشرّعت وبدأت وأسّست ميليشيات عديدة بعدّة اشكال ومسمّيات للاستقواء بها على الخصوم والآخرين، سواء على الخصم السياسي او الخصم الاجتماعي او الطائفي المذهبي، كما نراه الآن في واقعنا اليومي. لاأحد يستطيع انكار هذا، مع ذلك ومع أنهم غارقون في هذا إلّا ان ظاهرهم في مراحل سياسية معينة ينادون بحل المليشيات، وقد يمضي وقت طويل دون أن يشهد العراق حلاً او علاجا لهذا المرض العضال الذي فتك بالعراق ودمّر العراق ومجتمع العراق.
لقد تعقّد المشهد العراقي منذ سنين ولازال يسير نحو التسافل والانحدار لهذا البسبب كثرت الاطراف المتناحرة وانتشرت جرائم المليشيات وسُفكت الدماء وأنتهكت الاعراض وسلبَت الاموال ونُهبَت الحقوق ولازال المجتمع السياسي العراقي في صمت مطبق وفي نومٍ عميق عن هذه الظاهرة المتفشّية المدمّرة.
يحاول بعضهم ان يُضفي صبغة المعارضة على بعض هذه المليشيات التي عاثت فسادا في ارض العراق، مثل منظمة بدر بأعتبارها معارضة تشكّلت في زمن النظام البعثي السابق رغم ان زمن المعارضة قد ولّى وانتهى بسقوط النظام نفسه وتصدّى قيادات هذه المليشيا للعمل السياسي ومناصب كبيرة في البلاد ولا يبقى موجب لبقاءها. كذلك أضفاء صفة المقاومة لمليشيا (مقتدى) ولا اقول (جيش الامام) لأن الامام بريء من هذه التشكيلات التي أضرّت وتُضر البلاد، فحتى لو سلّمنا بصفة المقاومة المُضفاة على هذه المليشيا، فالواقع الآن يفرض على الدولة والحكومة بضرورة حلّها وحل جميع المليشيات الاخرى التي تشكّلت لاحقا تحت مسميات وعناوين عديدة ولجميع الاطراف سواء اكانت سنيّة او شيعية او كردية او غيرها، ونزع السلاح منها من جميعها مهما كان توجهها وأنتماءها وشعارها (هذه مطالب قديمة سبق وطرِحت وطرحناها في مقالات سابقة)، هذا اذا كانت الحكومة فعلا تسعى الى حلّ الازمات وأنهاءها، وإلا فإن الدمار والخراب والمنافع والمصالح الشخصيّة والاقليمية والدولية والطائفية والمذهبية والجرائم وسفك الدماء والفوضوية التي تمر بالعراق الآن كلها جاءت وحصلت بسبب المليشيات. وسوف تستمر الفوضى وستسفك الكثير من الدماء وستسوء الامور اكثر واكثر ما بقِيَت هذه التشكيلات.
في مقابل هذا على الحكومة (كما خاطبتها العديد من الجهات والنخب الوطنية سابقا) ان تستثمر كل الطاقات والجهود والخبرات العسكرية المتوفرة وأن تضع الخطط المتكاملة وتسعى لبناء جيش نظامي عراقي حقيقي لمواجهة كل التهديدات والتحديات التي تهدد أمن البلاد، وان تتخلّى الدولة عن اي مظهر آخر من مظاهر التسلّح (المجاميعي او المنظّماتي المليشياوي) الغير منضبط مهما كانت درجة الحاجة والخطورة التي تمر بها البلاد. فهل فكّرت الحكومة بهذا قبل وبعد الآن؟ وقد أنفلتت الأمور الامنية الداخلية ووصلت الحالة المأساوية للبلاد الى هذ الدرجة من الغليان..؟ وهل تستطيع الحكومة العراقية ان تُخلّص البلاد والعباد من هذه الامبراطوريات وجمهوريات المليشيات المتسلّطة..؟ لقد اصبحت البلاد والمجتمع العراقي الآن يسير ضمن هذا الانفلات وهذه الايديولوجية الدموية دون ان نشعر، حتى صرنا كما ارادنا الآخرون نقاتل (شعب ضد شعب) وتوسّع الأمر وأصبح اكبر واكثر خطورة مما هو عليه، فتحوّلت القضيّة يوما بعد يوم الى ثأرات (ثأرنا وثأرهم) لاأحد يستطيع أنكار هذا، مجزرة سبايكر ثأرنا ومجزرة جامع مصعب ابن عمير ثأرهم، هذه أرادة المليشيات والاجندة الاخرى وليست أرادة الشعب، هذا ما وصلنا أليه.
من مجزرة الحويجة الى مجزرة سبايكر والى مجزرة جامع مصعب بن عمير، وما قبلها وبينها وما سيأتي بعدها ولا أحد يعلم الى متى ستستمر هذه المجازر بحق الابرياء ومتى ستنتهي؟. تتوالى المصائب على شعبي وتُسفك دماءهم من قبل المليشيات بدم بارد، مرة بعنوان مقاتلة الارهاب، ومرة بأسم الدفاع عن المذهب، جميعها تقترف تحت خيمة الوطن. لكن أحدا لم يُفكر ان الضحية بكل هذا هو الشعب وليس غير الشعب.
ظهرت في الايام الاخيرة نداءات واصوات تعالت على غفلة تُطالب بالثأر من مرتكبي مجزرة سبايكر، وقبل هذا لم تكن تذكر هذه المجزرة ولا يمرّ عليها أحد من هؤلاء المطالبين ويذكرها إلّا مرور الكرام. فما عدى مما بدى؟ ولماذا في هذه الفترة بالذات؟ أذن هناك نيّة اخرى وهدف آخر من هذا وهي أحراف رأي الشارع ونظر الناس عن مجزرة جامع مصعب ابن عمير التي أرتكبتها مليشيات تابعة ومتنفذة في الحكومة. لانريد ان نتّعظ ولا نريد ان نفهم أننا نحوض وسط فتنة مدبّرة مدمّرة، وأننا نسير بملء أرادتنا الى حتوفنا تدفعنا حجج وذرائع واهية لاعلاقة لها لابالدين ولا المذهب ولا بحماية الوطن. تدفعنا عصبية جاهلية لنكون ودون ان ندري او نعلم وبلا شعور حطبا وزادا وسببا في أشعالها واستمرارها.
متى نفهم وندرك ان تأجيج المشاعر نحو هذه القضايا وقضيّة طلب الثأر الآن ماهي إلّا ذريعة من اجل سفك دماء اكثر واكثر. وهذه المجازر تتحمّل مسؤوليتها المليشيات ومَن يقف خلفها. فهلّا يصح الناس، وهلّا وعت الحكومة خطورة هذا الأمر وتداعياته وتحمّلت مسؤوليتها الوطنية أمام الشعب؟ هلّا أدرك الجميع الى اين نحن نسير، وماذا يُراد بنا..؟.

أحدث المقالات