23 ديسمبر، 2024 7:52 م

الإسلام بين الواقع والمفترض

الإسلام بين الواقع والمفترض

قال محدثي والألم يعتصره بعد أن شاهد  شريط  فديو على الفيس بوك مجموعة من الشباب الشيعة تقوم بذبح شخص بطريقة وحشية ومقرفة  , والأنكى في ذلك أن المحيطين بالذباح ومعاونه يتصايحوا بالصلاة على محمد وآل محمد , ويكبروا لأنهم خلصوا الإسلام من  كافر مفتري .
هذا الموقف رغم إنه غير إنساني وغير منطقي فإنه رد فعل لما تقوم به عصابات هي الأخرى محسوبة على الإسلام بإتجاه فريق آخر .
السؤال هل هؤلاء الشباب  وغيرهم من الذين نجدهم يتلمظون وهم يذبحون انسانا حريصون على الإسلام لهذه الدرجة بحيث إن فعل المذبوح صّعد بهم الغيرة الإسلامية لهذه الدرجة . ؟
هل هم على قدر كبير من الإيمان ولديهم إلتزام إخلاقي لما يؤمون به .؟
هل لديهم مرجعية دينية تحلل هذا السلوك . ؟
هل الجهة التي ينتمون إليها ستحاسبهم على هذه الفعلة الأليمة , أم هي  التي سولت لهم  القيام بالفعل  . ؟
أم  نفوسهم الشريرة  وراء ذلك . ؟
واقع الحال ليس من شيء عند هؤلاء وعند غيرهم إنه التعصب الأعمى ورد الفعل المعاكس , والإرتكاس إلى قاع الإنحطاط  , وربما التعبير عن وضع نفسي وتأزم أخلاقي .
الإسلام وغير الإسلام من جميع الديانات بما فيها الوضعية لا تقر العدوان والنيل من الآخر بغض النظر عن دينه وجنسه وعرقه , إن إي فعل مسيء للوجود ليس الإنساني بل حتى الحيواني  والنباتي هو سلوك مرفوض ولا يتطابق مع أبسط القيم المفترض توفرها عند الإنسان . ونحن نرى الآف الباحثين – من الذين يعتبرهم الإسلام السياسي  كفرة – في مجاهل الغابات من أجل الحفاظ على حيوان على وشك أن ينقرض ,  والحكومات  غير المسلمه تبذل الملايين  لبناء مستوطنات طبيعية لإيواء الحيوانات كي تحافظ على وجودها  .
ولعلنا جميعا لم نسمع بأفعال وتصرفات وسلوك كهذا  إلا لدى بعض القبائل المتوحشة والتي لي يعد لها وجودا يذكر . وليس بهذه الطريقة الدموية التي لا تدل إلا على مستوى هبوط الإنسان الى الرذيلة القصوى .
المسلمون لا يستفتون  في دينهم من رجم الغيب ولا من تصورات طوباوية  بل من مرجعية  القرآن والسنة , وإذا ما إفترضنا أن في السنة إختلاف بالنقل والأشخاص فإن القرآن لا شك فيه . المتصفح  فيه يجد  من الرحمة والعفو والتسامح ما يكفي لخلق معيار التعامل وتوضيح الخط التعاملي مع المحيط العام والخاص , وفي الجانب التطبيقي نجد  أن الرسول ” ص” تعرض للتسمم من قبل يهودية ولم يقيم القصاص عليها , وعند فتح مكة تعامل مع المشركين الذين أسأوا إليه كثيرا بطيب خاطر , حتى هند زوجة أبي  سفيان  وهي لحظتها غير مسلمة وقد آلمت الرسول كثيرا  بقتل الحمزة بن عبد المطلب ومثلت
 به ببشاعة لم يسجل التاريخ قرينة لها .   جعل من بيتها ملاذا للمطلوبين , كذلك نجد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب “رض” لم ينتقم من المغيرة بن شعبة الرجل الذي توسط لقاتله  أبي لؤلؤة بدخول مكة  والذي أرتكب محاولة قتل الخليفة بعدئذ , ولعل  قضية أبن ملجم واضحة للجميع فقد قال الإمام علي بن ابي طالب “ع”  لإبنه الحسن وبعض من آل عبد المطلب : يا بني ,النفس بالنفس إن هلكت فأقتلوه كما قتلني , وإن بقيت رأيت فيه رأيي . يا بني عبد المطلب لا ألقاكم تخوضون دماء المسلمين , تقولون قتل أمير المؤمنين ألا لا يقُتلن إلا قاتلي . أنظر يا حسن إذا مت من ضربتي هذه فأضربه
 ضربة بضربة  ولا تمثلن بالرجل فإني سمعت رسول الله يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور . كذلك لم يحصل لقتلة الخليفة الثالث مثل ما يفعل مسلمو اليوم بالبشر سواء كانوا مسلمين وغير مسلمين .
يذكر التاريخ أن رجلا دخل على الرسول طالبا منه أن يكون مسلما, رد الرسول : قل لا إلله الا إلله  محمد رسول الله تكون مسلما , رد العربي  : وبعد   رد الرسول : كف لسانك ويدك عن الناس فالمسلم من سلم الناس من لسانه ويده .
هذه البساطة هي التي جعلت القبائل التي إعتادت القتل وسفك الدم تؤمن بالإسلام , فقد وجدت في القرأن سر إحترام إرادة الآخر . يقول الله “جل شأنه” :   إنا هديناه السبيل إما شاكرا و إما كفورا .
وفي آية أخرى يقول : ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين
ويقول تعالى أيضا :
فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر
وقل الحق من ربك فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
ويقول أيضا:
نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد
لا إكراه في الدين
تلك الشواهد القرآنية  على سبيل الحصر لا التعيين  هي حقيقة الإسلام  في حين  أن الواقع الحالي هو غير ذلك ولعل السبب الحكام الذين لووا ذراع الدين حسب مشتهياتهم , ففي التاريخ الأموي  جرت دماء كالأنهار , وتستطيع أن تلمس كيفية مبايعة يزيد بن معاوية  للخلافة , فقد جمع معاوية الشعراء ووجوه القوم تمهيدا لمبايعة أبنه فقام الشعراء بالمدح والثناء وأخيرا وقف يزيد بن المقنع فقال : مشيرا إلى معاوية : أمير المؤمنين هذا , فإن هلك فهذا (وأشار بيده إلى يزيد)  , فمن أبى  فهذا وشهر سيفه بوجوه القوم . وتاريخ بني العباس حافل بصور البطش والتنكيل , ليس على مستوى
 المحكومين  بل على مستوى الأخوة والأبناء في كيفية التخلص من بعض بأبشع الطرق . فالخليفة الأكثر شهرة هارون الرشيد يوم بيعته دخل القصر وبيده رأس أبي عصمة قائد الشرطة لانه قال له قبل فترة طويلة : أصبر وقف حتى يجوز ولي العهد  ,  لعل الخلاصة أن توظيف الدين للحكم يتطلب أكثر من ذلك قسوة وجبروتا ,لأن الناس على دين ملوكهم . كما يقال .