إذا ما طُلِب مني أن أشبّه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشيء ما، فالأرجح أن أول ما سيخطر في بالي صورة بلدوزر يقوده شخص نصف معتوه، أو هو بالكاد يعرف قيادة الدراجة النارية.
الخطابات التي ألقاها أردوغان في اليومين الأخيرين على خلفية الأزمة الدبلوماسية مع هولندا، تكرّس هذه الصورة، فهو يتخلّى تماماً عن قواعد العمل التي تحكم سلوك رجال الدولة ذوي المناصب الرفيعة، ويتصرف بدلاً من ذلك كما لو أنه ضابط جندرمة، يزبد ويرعد مهدّداً ومتوعّداً.
لم تكن هولندا راغبة في دخول وزيرين تركيين، هما وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو ووزيرة الأسرة فاطمة بتول سايان كايا، الى اراضيها لاسباب تتعلق بالأمن والنظام العام، لكنّ الوزيرين أصرّا على تحدي القرار السيادي الهولندي، فتعاملت السلطات الهولندية بما يمليه عليها واجب صون السيادة الوطنية بأن أعادت الوزيرين من حيث جاءا.
لم يكن الهدف من زيارة الوزيرين بحث العلاقات الثنائية وامكانات تطويرها، وإنما لاشراك المواطنين الهولنديين من أصل تركي في النزاع السياسي التركي الداخلي حول التعديلات المثيرة للجدل التي يسعى أردوغان وحزبه لإجرائها في مواد الدستور التركي بالتحوّل الى النظام الرئاسي ومنح أردوغان صلاحيات دكتاتورية تشبه سلطات السلاطين العثمانيين.
الحكومة الهولندية قالت إن الهولنديين من أصل تركي هم مواطنون هولنديون وهولندا تعتزّ بهم ولا ترغب بزجّهم في أتون صراع يجري خارج الحدود.
لا توجد دولة في العالم محظور عليها ممارسة سيادتها الوطنية على أرضها ومواطنيها، لكنّ سائق البلدوزر التركي نصف المعتوه يريد أن يتعامل مع الدول الاخرى كما لو كانت حديقة خلفية لبلاده. إنه هدّد هولندا، بعد أن أغلق سفارتها وقنصليتها، بأن يجعلها تدفع ثمناً باهظاً. بل انه أطلق للسانه عنان الانفلات فوجّه الى الحكومة الهولندية، وقبلها الحكومة الألمانية، تهمة النازية والفاشية!
رئيس دبلوماسية أردوغان الذي أعيد من حيث أتى لأنه أراد الدخول من دون استئذان، وصف تصرّف السلطات الهولندية بأنه غير دبلوماسي، ووزيرة أسرته استنكرت المنع الهولندي لها ووصفته بأنه لا يليق بها كوزيرة، بيد أن الوزيرين، وكذا رئيسهما، لم يفكّرا في ما إذا كان فرض زيارة وزيرين إلى دولة أجنبية من دون رغبتها يتوافق أو لا يتوافق مع القواعد والاعراف الدبلوماسية، أو أنه عمل مناسب أو غير مناسب.
المشتغلون في السياسة يعرفون أن السياسة الخارجية هي انعكاس ومواصلة للسياسة الداخلية، ومنذ أن أصبح أردوغان رئيساً لتركيا مارس سياسة داخلية على النحو الذي تعكسه صورة البلدوزر المقاد من نصف معتوه .. يعتقل الزعماء السياسيين المنتخبين (بذريعة الإرهاب، وهو الذي فتح أبواب تركيا لأكثر المنظمات الارهابية وحشية: داعش)، ويشن حملة تطال عشرات الآلاف من العسكريين والمدنيين بتهمة تنظيم انقلاب عسكري لم تقدّم الادلة القاطعة عليه حتى الآن.
أردوغان يريد أن يصبح سلطاناً بكامل صلاحيات السلطنة رغماً عن أنف الشعب التركي، وعن أنف العالم أيضاً.
نقلا عن صحيفة المدي