آمرلي ناحية تقع في قضاء طوز خورماتو, ومركز الناحية هي مدينة آمرلي , ويبلغ نفوس المدينة بحدود 25000 نسمة , اغلبهم من القومية التركمانية .
مدينة آمرلي من المدن المسالمة الوادعة , ويعيش ابنائها حياة هادئة . لكنها عانت في السنين الاخيرة ذات المأساة التي عصفت بقضاء طوزخورماتو , حيث المجازر المستمرة , التي ترتكبها عصابات الارهاب الفاقدة للانسانية , عبر السيارات المفخخة , التي لا تميز بين رجل وامرأة , او بين طفل وطفلة , وهي مأساة عمت جميع المدن العراقية , بسبب الفكر الاسود للارهابيين من ابناء صحارى الحكومات الخليجية . وذلك كله لان هذه الحكومات ترفض قيام ديمقراطية حقيقية قريبة منها على الارض العراقية , كما انها تتعامل مع دول الجوار ببعد طائفي مقيت .
وبعد سقوط العديد من المدن العراقية بيد العصابات الارهابية , ذات الفكر التكفيري , دفعت طوز خور ماتو ضريبة كبيرة جدا , حيث هي محاصرة منذ اكثر من 60 يوما , وبصورة تامة , حيث لا منفذ للدخول او الخروج منها .
وكنت اريد ان اشبه مدينة امرلي بمدينة ستالينغراد الروسية , التي اشتهرت بصمودها التاريخي في الحرب العالمية , عندما حاصرها الالمان , لكني وجدت ان بين المدينتين فرقا مؤلما . فستالينغراد كانت محاصرة من قبل عدو خارجي , لا يريد اكثر من السيطرة عليها , واستخدام ارضها كمنطلق لقواته , وكانت كذلك بانتظار وصول القوات الوطنية السوفيتية لفك الحصار . اما آمرلي , فانها محاصرة من قبل مجاميع لا تريد الارض فقط , بل تريد ذبح كل البشر في المدينة , وجيرانها هم من يحاصرونها , في اخزى منظر وموقف ترتكبه عشائر وقرى تدعي انها عراقية ! , فيما فشلت الحكومة الوطنية في تحقيق الحد الادنى من الدعم لمدينة آمرلي .
لقد اهتز العالم للوضع في سنجار , لان امرأة نجحت في ذرف الدموع امام الكاميرا , لكنّ ما جرى في سنجار لا يعادل بعض ما يجري في آمرلي .
اذا كان اهالي سنجار استحقوا منا التعاطف والنصرة لانهم ضحايا مساكين , فاهالي آمرلي يستحقون ما هو اكثر , لانهم ضحايا ابطال صامدون . ولا اقل من الوقوف الى جانب تلك النساء الحرائر في آمرلي , اللواتي حملن السلاح للدفاع عن ارضهن وشرفهن , في اسمى ما يصل اليه الانسان من موقف نبيل كريم .
اما لبيان الوضع الانساني في آمرلي فيمكن ان ننقل ما نشره المرصد العراقي لحقوق الانسان :
( تقريباً 5000 – 5500 عائلة، يعيشون منذ 67 يوماً حالة من القلق والرعب، بسبب محاصرة التنظيمات المتشددة لناحيتهم، التي تُعاني من نقص حاد في الغذاء والدواء”. وأضاف المرصد أن “احد المسؤولين في الناحية المتواصل مع الجهد الجوي العسكري لايصال المساعدات، ابلغ، المرصد العراقي لحقوق الانسان ان “هناك 36 قرية تحيط بناحية آمرلي، تعاونت مع التنظيمات المسلحة وتحاصر الناحية وتشن يومياً هجمات من جميع الجهات ضد الناحية، لكننا نتصدى لها”. و ان “اهالي ناحية آمرلي بحاجة الى اطباء مقيمين، يساعدون الممرضين الموجودين من اهالي الناحية، على اجراء العمليات الجراحية، خاصة للمقاتلين الذين يتعرضون لاصابات خلال الهجمات اليومية من التنظيمات المتشددة” . و ان “طائرات الهليكوبتر التي تصل كل يومين الى ناحية امرلي، وهي تحمل السلاح والمساعدات العذائية والطبية، لاتسد حاجة الموجودين هناك، فهم بحاجة الى طائرات تصل الناحية يومياً، لسد حاجة اهالي الناحية من الغذاء والدواء”. . و وجود حالات انسانية صعبة، تكمن في بعض حالات الولادة التي تجري بصعوبة على ايدي القابلات، وحالات جفاف لدى الاطفال، ومياه شرب غير نقية”. . وان كل ما يتعلق بالسلاح والقتال متوفر، الا الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب”. . و ان “الهجمات تُشن على ناحية امرلي يومياً او كل يومين، فبعض الاحيان يبدأ الساعة الرابعة فجراً، حتى الرابعة عصراً، واحايناً اخرى يبدأ مع بدء غروب الشمس، لكن الصعوبة التي يواجهها اهالي الناحية، تكمن بالسقوط اليومي لقذائف الهاون على المنازل”. . و ان “مصدر طبي من ناحية آمرلي تحدث، عن مقتل 20 شخصاً بسبب قذائف الهاون التي تسقط يومياً على سكان الناحية، بالاضافة الى المقاتلين الدفاعيين ، مضيفاً ان “250 طفلاً من الناحية يعانون الان من الجفاف، بسبب قلة الدواء، وغياب تام للحليب، وشحة في المياه”. . ) .
وعبر المرصد العراقي لحقوق الانسان عن “اسفه للعجز الحكومي والدولي الواضح في فك الحصار على ناحية آمرلي، التي تعاني منذ اكثر من شهرين لحصار مسلح من تنظيمات متشددة، تحاول اختراق الناحية، ولا يستبعد المرصد حدوث مجزرة فيها”. وطالب المرصد الحكومة العراقية بـ”تعزيز المساعدات التي ترسل عبر الجو للناحية، وعدم الاكتفاء بطائرة هليكوبتر تُرسل كل يومين، ويحذر كذلك من خطورة فقدان عدد من الاطفال بسبب الجفاف الذي اصابهم، نتيجة فقدانهم الحليب وشح المياه الصالحة للشرب”، داعياً وزارة الصحة الى “الشعور بالمسؤولية تجاه المُحاصرين في آمرلي، وارسال اطباء مقيمين الى هناك، لمساعدة المرضى”. نقلا عن موقع القرطاس نيوز .
فيما كان موقف الحكومة المركزية مخزيا جدا لمعالجة ما تعانيه آمرلي . فرئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان لم تكونا حاضرتين في الصورة حول امرلي مطلقا . اما رئاسة الوزراء فموقفها الذي ينقله الوزير جاسم محمد جعفر يختزل حقيقة الفشل المطلق والترف الاداري للسياسيين العراقيين .
فقد ذكر وزير الشباب والرياضة جاسم محمد جعفر، ان “رئيس الوزراء نوري المالكي وجه باعتبار اهالي ناحية آمرلي التابعة لقضاء طوزخورماتو والصامدين امام الهجمات الارهابية لعصابات داعش الارهابية والمتحالفين معها منذ اكثر من شهرين، نازحين”، مؤكدا شمولهم بـ “جميع امتيازات العوائل النازحة من مناطق سكناها بسبب اعتداءات عصابات داعش الارهابية”.
وقال جعفر في تصريح صحفي ان “رئيس الوزراء اوعز للجنة العليا المنبثقة من مجلس الوزراء والمكلفة بمتابعة اوضاع النازحين في البلاد، بمنح الامتيازات الخاصة للنازحين وتوفير المستلزمات الضرورية من الدواء والعلاج والمواد الغذائية وتوفير مفردات المواد التموينية بشكل مجاني وتقديم الدعم اللوجستي فضلا عن صرف مليون دينار لكل عائلة في ناحية امرلي مع تهيئة متطلبات الحياة المعيشية والصحية والبيئية مجانا وارسال الجرحى والمرضى الى خارج العراق اذا تطلب الامر مع اعادة اعمار الناحية”.
ولا اعلم كيف ستتمتع مدينة منقطعة عن العالم كليا بامتيازات رئيس الوزراء تلك ! , وكيف لمواطنين لا يصلهم ماء الشرب ان يتمتعوا بذلك المليون الحكومي !!! . وكيف لحكومة لا تستطيع ان توصل خبزا لآمرلي ان ترسل جرحاها للخارج ! .
ولعل الحكومة المركزية تتحمل حقيقة ما يجري هناك في امرلي , لسببين : انها لم تستجب لنداءات اهالي قضاء طوزخورماتو – الذي تتبعه آمرلي اداريا – بتشكبل قوة امنية من اهالي القضاء , ولم تكن جدية في دراسة مشكلة تلك المنطقة قوميا ودينيا وانسانيا . كما ان القوات الامنية فشلت في توفير الامن اللازم لتلك المنطقة الساخنة .
لذلك اجد من المنطقي مخاطبة المرجعية الدينية , وحثها على القيام بدورها في الدفاع عن بني الانسان . والا تكون فيان دخيل اكثر منها قدرة على تحريك الرأي العام والحكومة المركزية . على المرجعية الدينية دفع الحكومة المركزية باتجاه امرلي قبل فوات الاوان .
ولما ذكرناه اعلاه يجب على الامم المتحدة ومؤسسات حقوق الانسان الدولية والاتحاد الاوربي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي وكل المؤسسات التي تدعي دفاعها عن القيم الانسانية قولا وتنظيرا ان تثبت تلك المدعيات على الارض , فتعمل على انقاذ تلك النفوس البريئة في آمرلي . واذا لم تعمل على ذلك فعليها ان تغلق ابوابها , وان تعلن اندماجها في دولة الخلافة الداعشية الارهابية .
من زاوية اخرى , لا استطيع حتى الان ان اجد تعبيرا يناسب البطولة والشجاعة والبسالة والصمود , الذي نراه هناك في آمرلي . كما لا اجد تعبيرا مناسبا يصف الخيانة والغدر , وما عاشته وتعيشه القرى المجاورة لامرلي , حيث خالفت كل قيم الانسانية والاديان , بحصارها الذي تفرضه على تلك المدينة المسالمة .
اما الصمت الدولي عن مأساة امرلي فهو دليل انحطاط قيمة الانسان في الواقع الدولي اليوم , وان كل هذه العناوين الدولية الكبيرة التي تؤسس باسم حفظ حقوق الانسان ما هي الا اغلفة ملونة ومبهرجة لكتاب مكتوب بالدم , والدليل ان الضربات الجوية الامريكية ميزت بين دم ودم , بين انسان وانسان .