توفي غائب طعمه فرمان في اواسط شهر آب / اغسطس عام 1990 في موسكو وتم دفنه هناك , وتمر هذه الايام من عام 2014 الذكرى الرابعة والعشرون على وفاته , وارتباطا بهذه الذكرى نكتب هذه المقالة الوجيزة عنه , وهي في الواقع ليست سوى ملاحظات اولية حول ذلك الموضوع .
الكتابة عن غائب طعمه فرمان ( 1927 – 1990 ) قاصا و روائيا ومترجما وصحفيا لازالت في بداياتها , رغم كل المحاولات الرائدة هنا وهناك حول ذلك , اذ ان هذا العمل العلمي الكبير يتطلب جهودا مكثفة وجماعية ويجب التخطيط لانجازه في اطار مؤسسات اكاديمية , ولا يوجد في الافق القريب – على ما يبدو – شئ يوحي بذلك مع الاسف لا عراقيا ولا عربيا . ومع ذلك فاننا نستمر – انطلاقا من مبدأ أضعف الايمان طبعا – بطرح الافكار والاراء والمقترحات حول ابداع غائب طعمه فرمان في مجال الترجمة وتحديد النقاط المهمة والبارزة في هذا النشاط الفكري الكبير , ومن بين تلك المواضيع التي نود الاشارة اليها و تتطلب الدراسة و التأمل العميق بشأنها بلا شك – من وجهة نظرنا – هو ترجمة غائب طعمه فرمان لنتاجات تورغينيف , والتي نشرتها في حينها بموسكو دار النشر السوفيتية ( رادوغا ) ( قوس قزح ) قبيل انهيار الاتحاد السوفيتي بعدة سنوات , وسنحاول في هذه السطور التوقف قليلا عند تلك النقطة في مسيرة غائب طعمه فرمان الترجمية .
=============================
يرتبط اسم غائب طعمه فرمان مترجما بالعديد من اسماء الادباء الروس الكبار من بوشكين وغوغول وتورغينيف ودستويفسكي و ليف تولستوي (مؤلف رواية الحرب والسلم وبقية الروائع الادبية الاخرى ) و اليكسي تولستوي ( مؤلف رواية درب الالام الثلاثية ) وغوركي وشولوخوف وغيرهم , ولكن من الممكن ايضا تحديد ثلاثة اسماء من بين هؤلاء الادباء , الذين ترجم غائب لهم نتاجات عديدة وبالتالي فانه يرتبط بهم قبل الادباء الروس الاخرين , وهذه الاسماء هي – تورغينيف وغوركي و الى حد – ما اليكسي تولستوي ايضا أذ انه قام بترجمة معظم نتاجاتهم الى العربية , ونود هنا في هذه السطور طرح ملاحظات اولية ليس الا حول موضوعة تورغينيف وترجمات غائب طعمه فرمان لها الى العربية .
اصدرت دار رادوغا السوفيتية للنشر خمسة مجلدات لمؤلفات تورغينيف , وقد ساهم في عملية الترجمة بالاساس غائب طعمه فرمان , وشاركه في هذا العمل الكبير المترجم العراقي الاستاذ خيري الضامن ( بترجمة رواية تورغينيف – الاباء والبنون ) , والمترجم السوري الاستاذ مواهب الكيالي ايضا , اما بقية النتاجات فقد ترجمها غائب طعمه فرمان , وعلى هذا الاساس يمكن القول انه كان المترجم الاول والاهم في تنفيذ هذا العمل الترجمي الكبير, ولا زلت اتذكر اندهاش غائب عندما اخبرته مرة في اثناء احدى زياراتي الى موسكو ان المرحومة د . حياة شرارة قررت ترجمة الاعمال الكاملة لتورغينيف الى العربية في بغداد , وحدثٌته عن تفاصيل ذلك وكيف اني قلت لها ان هذه الاعمال قد تم ترجمتها , فاجابت انها ستقوم بترجمتها رغم ذلك وبغض النظر عن ذلك , لانها تعتقد جازمة ان هذه الاعمال الادبية تتحمل عدة ترجمات , وعندما طلبت منها ان تطلع على تلك الترجمات في الاقل قبل البدء بهذا العمل الترجمي الكبير , رفضت د . حياة ذلك وقالت انها ستطلع عليها بعد انجاز ترجمتها لانها تخشى ان هذا الاطلاع سيؤثر على اسلوب ترجمتها الخاصة . لقد اندهش غائب طعمه فرمان من اصرار د . حياة هذا لانه يعرف نتاجات تورغينيف وعمقها , ولم يكن اندهاشه تعبيرا عن رفض ذلك العمل الذي قررت د. حياة القيام به
, بل على العكس , كان اعجابا بهذا الموقف العلمي الشجاع من قبلها ليس الا . لقد انجزت حياة شرارة ترجمة ثلاثة اعمال لتورغينيف و هي – مذكرات صياد / و / رودين / و/ عش النبلاء / وتم نشرها فعلا في بغداد , والموضوع الذي يطرح نفسه الان هو مقارنة ترجمة د . حياة شرارة لروايتي رودين وعش النبلاء بترجمة غائب طعمه فرمان لهذين النتاجين من ابداع تورغينيف , وان هذا العمل سيكون رائدا في مجال الترجمة الادبية العربية بلا شك , لانه يمثٌل ابداع عملاقين في مجال الترجمة للادب الروسي من اللغة الروسية , وهو يصلح ان يكون – بلا شك – اطروحة علمية مهمة ودسمة – ان صح التعبير – في هذا المجال , وهذه هي النقطة الاولى التي اريد تثبيتها واقتراحها هنا بشأن موضوعة غائب طعمه فرمان وتورغينيف .اما النقطة الثانية فهي التأكيد على ضرورة دراسة ترجمات غائب طعمه فرمان لمسرح تورغينيف , اذ من المعروف ان هناك ترجمات واجتهادات عديدة لمسرحيات تورغينيف بالعربية , وعليه يجب دراسة النصوص التي قدمها غائب طعمه فرمان ومقارنتها بتلك الاجتهادات الاخرى , خصوصا وان الدراسات العربية لمسرح تورغينيف لازالت في بداياتها , بل يمكن القول ان القارئ العربي لا يعرف بشكل جيد حتى اولياتها , شريطة ان يقوم بهذه المحاولة شخص متخصص بنتاجات تورغينيف بشكل عام ومسرحه بشكل خاص و من الافضل ان يتقن اللغة الروسية طبعا . اما النقطة الثالثة, التي نود التوقف عندها هنا , فانها تتناول ترجمات غائب طعمه فرمان لبقية نتاجات تورغينيف الاخرى في تلك المجلدات الخمسة , و مقارنتها الدقيقة مع النص الروسي لتورغينيف , والتي يجب ان تحدد – بالتالي – ما لها وما عليها كما يقال , اذ ان هذه المقارنة ستضع حدا لما اسمعه هنا وهناك ( دون تحديد الاسماء او حتى الاشارة اليها ) حول هذه الترجمات , وكل نتاج من تلك النتاجات بالطبع يحتاج الى عمل مستقل بحد ذاته , ولا يمكن القيام بتلك المقارنة العربية – الروسية لكل النتاجات سوية , ولهذا أشرنا أعلاه الى ان هذه الاعمال
العلمية تحتاج الى مؤسسات اكاديمية متخصصة للقيام بها على اكمل وجه , اذ لا يمكن لاي شخص بمفرده ان يحقق النتائج العلمية المطلوبة .
ان تحقيق هذه النقاط بشكل عام ربما سيؤدي الى بروز نقاط فرعية اخرى في دراسة الابداع الترجمي لغائب طعمه فرمان , وفي كل الاحوال سيكون خطوة ايجابية لاغناء التعمق في تحديد سمات مسيرتنا الثقافية ورجالاتها .